24/03/2017 - 21:27

المعركة النفطية الفاشلة للسعودية

وتؤكد هذه المرحلة التي وصلت إليها السعودية اعترافَ المملكة بحاجتها لإيقاف اعتمادها على النفط، وهو الأمر الذي يتزامن مع التغييرات المالية الحاصلة في السعودية، والعرض المرتقب لأجزاء من أسهم شركة أرامكو

المعركة النفطية الفاشلة للسعودية

أحد حقول النفط السعودية قرب الخريس (روترز)

ترجمة خاصة: عرب 48

يقوم الملك السعودي، سلمان بن عبد العزيز،  حاليًا بزيارة إلى آسيا، حيث يسعى من خلالها لجذب الاستثمارات اليابانية والصينية للمملكة العربية السعودية. وتعتبر هذه الزيارة مؤشرًا آخر على الدرجة التي أصبحت بها الدولة ملزمةً بإصلاح أوضاعها الاقتصادية.

وتؤكد هذه المرحلة التي وصلت إليها السعودية اعترافَ المملكة بحاجتها لإيقاف اعتمادها على النفط، وهو الأمر الذي يتزامن مع التغييرات المالية الحاصلة في السعودية، والعرض المرتقب لأجزاء من أسهم شركة أرامكو، وهي الشركة الوطنية المسؤولة عن النفط والغاز الطبيعي، للاكتتاب العام.

وقد جاء هذا الواقع نتيجة للسياسات الفاشلة منذ عام 2014 وحتى عام 2016، والتي أجبرت الرياض على القبول بالأمر الواقع الذي يشير إلى نهاية أيام السيطرة على أسواق النفط.

كانت الاستراتيجية السعودية خلال معركة الإنتاج هي فتح الصنابير على أمل تقويض المُنتِجَين الآخرين: إيران والولايات المتحدة. كانت إيران قادرة على انتزاع الهيمنة على السوق من السعودية، وقد أعاقها عن ذلك العقوبات الدولية المفروضة عليها. ولكن التهديد الموجَّه نحو السعودية قد ازداد بعد الاتفاق النووي، وفي نفس الوقت، جاءت صناعة النفط في الولايات المتحدة بتحدٍ جديد.

وبحلول عام 2015، وبعد مرور عقد من الابتكارات التكنولوجية كجهاز رصد الزلازل عن بعد، وأتمتة العديد من الوظائف البترولية، خسرت السعوديّة زعامة الإنتاج العالمي للنفط.

رفضت الرياض قطع إنتاج النفط أمام تآكل حصَّتها في السوق، وتبنت عوضًا عن ذلك خيار زيادة منتاجاتها في عام 2016، وضع أرقام جديدة لمستويات إنتاجها، للحفاظ على ارتفاع العروض العالمية وتخفيض الأسعار. راهنت الرياض من خلال ذلك على إمكانية الاستقرار على أسعار زهيدة تتجاوز نصف ترليون دولار من احتياطي النقد الأجنبي، في حين يواجه منافسوها (الولايات المتحدة وإيران) ضغوطات مالية كبيرة تضطرهم للخروج من المنافسة. ويعتبر هذا تحولًا واضحًا في الاستراتيجية القديمة التي كانت تتبعها السعودية، حيث كانت تفضِّل قطع الإنتاج من أجل الحفاظ على العرض وزيادة الأسعار.

كانت معركة الإنتاج هذه مكلفة بالنسبة للسعودية، فقد تضررت البلاد ماليًا من تدهور أسعار النفط الناتجة عنها، فبين عامي 2014 و2016، انخفضت احتياطات السعودية من 764 بليون دولار إلى 536 بليون دولار، وهو ما يؤذن بإفلاس خزينة المملكة خلال نصف عقد من الزمن في حال استمرّت الوتيرة على هذا النحو.

فانخفاض إيرادات النفط، بالإضافة للتكاليف التي تكبدتها السعوديّة من الحرب اليمنية، والنظام الرعوي القائم على المعونات وتخفيض الضرائب، كل ذلك أنتج أوضاعًا غير مستقرة، لذلك لم يكن أمرًا مفاجئًا أن لا يوافق أحد من بقية أعضاء "منظمة الدول المصدِّرة للبترول" (OPEC) على قطع الإنتاج بعد إعلان الرياض إيقاف معركة النفط في العام الماضي.

كان يمكن لحالة تضخم الإنتاج التي مارستها السعودية أن تؤدي لنتائج إيجابية في حال تمكنت من هزيمة إيران والولايات المتحدة، ولكن ما حصل هو أن السعودية كانت هي الضحية. مع الأخذ بعين الاعتبار الدرجة التي تضررت بها إيران من العقوبات المفروضة عليها، فقد كانت مستعدة للاستفادة من أي صادرات للنفط بغض النظر عما يمكن أن تؤول إليه الأسعار.

وبالرغم من ارتفاع كلفة إنتاج النفط من الصخر الزيتي في الولايات المتحدة بالنسبة لأسعار النفط في السوق، إلا أنّ المنتجين استمروا بالحفاظ على إمكانية التنافس بسبب إمتلاكهم لأحدث تقنيات الاستخراج. بغض النظر عن كل ذلك، فقد دفعت ضغوطات انخفاض الأسعار المنتجين في الولايات المتحدة للتركيز أكثر على تقليل التكاليف وتوظيف التكنولوجيا وتعزيز الكفاءات لتخفيض نقطة التعادل (بين تكاليف الإنتاج وسعر النفط في السوق).

لقد تفوق المنتجون الأميركيون على جميع نظراءهم حول العالم وبدرجة كبيرة، بما فيهم الممكلة العربية السعودية. ويعود ذلك إلى قيام الخبراء في الولايات المتحدة بتطوير تقنيات جديدة تمكِّن المنتجين الأميركيين من الحصول على النفط من الداخل بنسبة أكبر من اعتمادهم على الخارج، وقد استطاع هؤلاء الخبراء اليوم توظيف هذه التقنيات.

لذلك فقد أصبحت الولايات المتحدة أحد مراكز الابتكارات التكنولوجية في مجالات الحفر العامودي والتكسير، وهذا هو ما دفع شركة أرامكو السعودية نحو تأسيس مركز دراسات في مدينة هيوستن للاستكشاف أدوات جديدة في إنتاج النفط والغاز.

لم يحالف الحظ المملكة العربية السعودية، فقد انخفضت معدلات النمو فيها كما ازدادت نسبة الديون في مقابل منتجاتها الاقتصادية. ولهذه الأسباب ازدادت تكلفة القروض، فقد قللت وكالات تصنيف الائتمان "فيتش" و"ستاندرد آند بورز" و"مودي" معدلات التصنيف الائتماني لعام 2016. وكنتيجة لهذه الصعوبات المالية، سعت السعودية منذ ذلك الوقت نحو تدعيم اقتصادها بطرق مختلفة، وكانت إحدى هذه التدابير غير المسبوقة عرض 5٪ من أسهم شركة أرامكوا للاكتتاب، والذي سيجري خلال العام القادم ويبدو أنه سيكون أكبر عرض للاكتتاب في التاريخ.

 وخلال زيارته لآسيا، يسعى سلمان لجذب المستثمرين لهذا العرض، وتنافس شركة هونغ كونغ للبورصات والمقاصَّات على استضافة هذا الحدث، ونظرًا لاتصالها بالأسواق الصينية، سوف تعمل هونغ كونغ كحلقة وصل بين شركة أرامكو السعودية وكبار المستثمرين في داخل الصين.

وتعتبر الإصلاحات المالية الجارية في الداخل غير مسبوقة أيضًا، حيث تتضمَّن زيادة في الضرائب وفي رسوم تأشيرات السفر الخاصة بالوافدين، بالإضافة لقطع المعونات على المياه ومنتجات الطاقة وتقليص عدد مشاريع الأشغال العامة في قطاعات النقل والإسكان والرعاية الصحية. ولعل الأمر الأكثر غرابة من كل ذلك، هو تخطيط السعودية لتحويل التقويم المستخدم من التقويم الهجري (354 يوم في السنة) إلى التقويم الميلادي (365 يوم في السنة)، وهو ما سيمكِّن الحكومة من تحصيل 11 يومًا إضافية للموظفين من دون زيادة الرواتب السنوية.

وحتى قبل تغير أسعار النفط، كانت السعودية واعية بأنها ستحتاج لإعادة ترتيب سياستها المالية وتنويع آليات عملها الاقتصادية في المستقبل القريب. وهذا هو ما دفعها لتطوير قطاعات لا تعتمد على النفط كالطاقة المتجددة وصناعة الألبان. حتى هذه اللحظة، كانت السعوديّة تسير بخطى متثاقلة، ولكن ما أظهرته معركة النفط هو أن التغيير البطيء لم يعد أمرًا كافيًا.

التعليقات