29/03/2017 - 21:32

إعادة الحيوانات المنقرضة... بين خيال العلماء وواقع العلم!

بشيء من العزيمة والمال والذكاء، سيتمكن العلماء عما قريب من إعادة إحياء حيوان الماموث، أو نسخة قريبة منه، من خلال دمج جينات حيوان ماموث أثري مع الحمض النووي DNA الخاص بفيل آسيوي. والحلم النهائي هو التمكّن من توليد عدد كافي من حيوان الماموث

إعادة الحيوانات المنقرضة... بين خيال العلماء وواقع العلم!

ترجمة خاصة: عرب 48

بشيء من العزيمة والمال والذكاء، سيتمكن العلماء عما قريب من إعادة إحياء حيوان الماموث، أو نسخة قريبة منه، من خلال دمج جينات حيوان ماموث أثري مع الحمض النووي DNA الخاص بفيل آسيوي. والحلم النهائي هو التمكّن من توليد عدد كافي من حيوان الماموث بحيث تتمكن قطعانه من العودة مرة أخرى والتجول في سهول التندرا.

ولكن هناك مفارقة مؤلمة جديرة بالتأمل: ماذا لو كان تحقق هذا الحلم على حساب الفيلة الآسيوية والأفريقية الحية اليوم، والتي ينحسر عددها بشكل متسارع بسبب خسارتها لمواطنها بالإضافة للصيد غير المشروع.

يقول جوزيف بينيت، الأستاذ المساعد والباحث في علوم الحفاظ على الحيوانات في جامعة كارلتون في أونتاريو، أننا 'قد نخسر هذه الفِيَلة خلال 50 سنة'. لقد أمضى د. بينيت حياته المهنية في طرح الأسئلة الصعبة حول أولويات الحفاظ على الكائنات الحيّة، ليقرر، ضمن التمويل المتاح له، أيّ الكائنات الحيّة تمتلك الفرصة الأكبر على النجاح في لعبة البقاء.

وقد واجه مؤخراً هو وزملاؤه سؤالاً جديداً: إذا كان علماء الأحياء الجزئية قادرين على إعادة بناء الكائنات المنقرضة كحيوان الماموث،  فهل ينبغي على المجتمع تكريس موارده المحدودة للعودة للوراء وتصحيح الأخطاء القديمة أم عليه التركيز على تفادي الانقراضات المستقبلية المحتملة؟

في ورقة منشورة على مجلة ' البيئة الطبيعيّة والتطور' (Nature Ecology & Evolution) هذا الشهر، أشار الباحثون إلى أن تكاليف الاختلاف الحيوي وفوائده لا تأتي لصالح إعادة إحياء الكائنات المنقرضة.

يقول د. بينيت: 'إذا كان بحوزتك ملايين الدولارات فسيكون بإمكانك إحياء أحد الكائنات، وباختيارك ذلك، فإنك تتخذ قراراً أخلاقياً لتعيد إحياء أحد الكائنات وتترك الباقي في حالة الانقراض، سوف تكون خطوة واحدة للأمام، وثلاث إلى ثمان خطوات للوراء'.

ولكن اكتشافات فريقه لا تتطابق بشكل كامل مع جميع العلماء، حيث يقول بعض المشاركين في جهود إعادة إحياء الكائنات المنقرضة أن تحليلات د. بينين – والتحليلات الأخرى القريبة منها – بعيدة عن التطورات الحالية في هذا المجال.

إحدى المجموعات الرائدة في هذا المجال هي مبادرة الإحياء والاستعادة (Revive & Restore)، وهي مبادرة غير ربحية لإنقاذ الكائنات المنقرضة والمهددة بالانقراض من خلال الهندسة الجينية والتكنولوجيا الحيوية. تعمل هذه المجموعة القائمة في سان فرانسيسكو على إعادة إحياء الحمام المهاجر وحيوان الماموث ودجاج هيث.

يقول بين نوفاك، الباحث المسؤول في المبادرة والمستشار العلمي أن حفظ الكائنات الحيّة هو هدف مركزي بالنسبة لمبادرة الإحياء والاستعادة، ومن الممكن أن يكون هناك فوائد بيئية في استعادة الكائنات المنقرضة. كما يقول أنه في بعض الحالات هناك كائنات حية مهدَّدة جزئياً بسبب 'غياب الشريك البيئي أو بعض الصلات ضمن الشبكة الغذائية الخاصة به'.

ويضيف قائلاً إنه 'ينبغي لأية جهود لإعادة إحياء الكائنات المنقرضة أن تتضمن فوائداً على المدى البعيد لتخفيف التكاليف'.

ويعلّق أيضاً أنه من غير الدقيق الافتراض – كما يقوم د. بينيت – بأن تمويل مشاريع إعادة إحياء الكائنات المنقرضة والحفاظ عليها ما هي إلا لعبة بنتائج صفرية، مع الإشارة إلى أن جميع تمويل التكنولوجيا الحيوية الخاصة بمبادرة الإحياء والاستعادة تأتي من تبرعات أهلية أو معونات مؤسسية من خارج مجال جهود حفظ الكائنات الحيّة.

يشير د. بينيت إلى أنه قد يكون هناك فوائد بعيدة المدى للحدّ من الانقراض، ولكنه يخشى من كونها مجرد كماليات لا يستطيع العالم تحملها اليوم. فبحسب بعض التقديرات، فإنّ 20% من الكائنات على وجه الأرض تواجه خطر الانقراض، ومن الممكن أن ترتفع النسبة إلى 50% مع نهاية هذا القرن.

حاول د. بينيت وزملاؤه خلال دراستهم تقدير تكاليف إعادة إنشاء وحفظ 16 كائناً انقرضوا في الألفية الأخيرة، بما فيها الحمام أبيض الحلق والكنغر الفأر الشرقي من أستراليا، والبومة الضاحكة وضفدع الوايتومو من نيوزيلاندا. اختار الباحثون هذه الحيوانات لأنهم يريدون تقدير تكلفة حفظها بناءً على النفقات الحكومية المقترحة من أجل حفظ الكائنات الحية المشابهة والمهددة بالانقراض.

(الماموث)

وعلى سبيل المثال، فبناء على سعر حفظ الكائنات المهددة في غابة جزر تشاتام في نيوزيلاندا، تم تحديد تكلفة إعادة إحياء عددٍ جديد من طائر الناقوسي (bellbird) في تشاتام بـ 360000 دولار لأول سنة.

وبحكم أن تكلفة إعادة الهيكلة الوراثية لكائنات المنقرضة ما زالت مجهولة (بالرغم من أنه يمكن أن تكلّف عشرات الملايين من الدولارات)، قام العلماء بالتركَّيز على مدى تكلفة إعادة إدخال هذه الكائنات وحفظها في البرية بمجرد هندستها وراثياً فقط.

وفي نيوزيلاندا قام الباحثون بحساب أنّ التمويل المطلوب لاستحفاظ 11 كائناً منقرضاً سوف يساهم في حماية العديد من الكائنات الحية لثلاث مرات. وفي نيوساوث ويلز، فإن إحياء خمسة كائنات منقرضة يساوي تكلفة حفظ العديد من الكائنات الحية لثمان مرات.

يقول الشريك المؤسس لمبادرة الإحياء والاستعادة أن المشكلة في هذا التحليل هي أن 'هذه هي جميع الكائنات التي لن تؤخذ على محمل الجد للحدّ من انقراضها في المقام الأول'، إما لأنّ أدوارها البيئية قريبة جداً من أدوار كائنات حية أخرى، أو بسبب عدم وجود فائدة عظيمة من إعادة إحياءها بحيث تقلل التكاليف.

ويُعلّق على أن مبادرة الإحياء والاستعادة تقوم بتقييمات صارمة لمشاريعها المتعلقة بإعادة إحياء الكائنات المنقرضة من خلال معاييرها الخاصة والمعايير الدولية، وذلك للتأكيد على قيمة ما يفعلونه وعلى استمرارهم في الحفاظ على التنوع الحيوي القائم.

فعلى سبيل المثال، يعتبر الحمام المهاجر كائناً أساسياً ساعد في تكوين الغابات الشرقية متساقطة الأوراق، وذلك عن طريق حط أسراب كبيرة من هذه الطيور على الأشجار، وتكسر أغصانها وإفراز طبقة من السماد التي تساعد على نمو الأشجار الجديدة؛ وهو دور لا تستطيع باقي الطيور القيام به. ويقول د. براند أنه على رأس ذلك، يمتلك الطائر المهاجر قيمة رمزية باعتباره 'صاحب أحد أعظم القصص ضمن الحيوانات المنقرضة'.

ولكن يتَّفق علماء آخرون مع د. بينيت على أن إنفاق المال على إعادة إحياء الكائنات المنقرضة هو أمر غير مجدٍ، حتى في حالة الحمام المهاجر. يقول بول إرليخ، رئيس مركز حفظ الكائنات الحيّة البيولوجي في جامعة ستانفورد، ومؤلف كتاب 'القنبلة السكانية' بأن مجال حفظ الكائنات الحيّة يُعاني من محدودية في التمويل كما لا توجد ضمانة بأن إعادة إحياء الكائنات المنقرضة سيعمل فعلاً.

يقول د. إلريخ أنه لإعادة إحياء الحمام المهاجر سوف نحتاج إلى عدد كبير من الحواضن – وربما تنويعات جينية أكثر من التي يمكن استخلاصها من حوالي الـ 1500 حمامة، المحفوظة في المتاحف - وحتى لو قمنا بتحصيلها، فمن الممكن 'أن لا يكون هناك موطنٌ كافٍ لهم في كل الأحوال'.

يشير د. بينيت أنه 'لا يريد إغلاق الباب نهائيا أمام مشروع إعادة إحياء الكائنات المنقرضة.' فهو يعترف أنه قد توجد بعض النماذج الجدير بالاهتمام، وستؤدي متابعتها لتقدم البحوث في مجال التكنولوجيا الجينية.

ويضيف قائلاً 'إذا أرد أحدهم العمل على إعادة إحياء الكائنات المنقرضة لأنه يراه أمراً مبهراً على الصعيد التقني فلا بأس في ذلك، ولكن إذا أراد المرء التوجّه لمشاريع إعادة إحياء الكائنات المنقرضة بغرض تحقيق هدف حفظ الكائنات الحيّة، فينبغي عليه إمعان النظر حول ما يمكن أن يفعله بملايين الدولارات للكائنات الحية الموجودة، فهناك الكثير لنقوم به'.

التعليقات