10/04/2017 - 14:11

وماذا بعد الضربة الأميركية في سورية؟

بلا شك، كان ترامب متحمِّساً لإظهار جديِّته، وذلك في مقابل سلفه المتردد. إذ كانت هناك مؤشرات منذ بدايات الأسبوع تدل على أن الرئيس يفكر باتخاذ خطوةٍ ما. فبعد الهجوم الكيماوي الذي نفَّذته القوات الجوية السورية، والذي أودى بحياة

وماذا بعد الضربة الأميركية في سورية؟

ترجمة خاصة: عرب 48

بلا شك، كان ترامب متحمِّساً لإظهار جديِّته، وذلك في مقابل سلفه المتردد. إذ كانت هناك مؤشرات منذ بدايات الأسبوع تدل على أن الرئيس يفكر باتخاذ خطوةٍ ما. فبعد الهجوم الكيماوي الذي نفَّذته القوات الجوية السورية، والذي أودى بحياة أكثر من 85 شخصاً من سكان مدينة خان شيخون الخاضعة لسيطرة الثوار، قال ترامب أنّ دكتاتور سوريا بشار الأسد قد تجاوز "العديد والعديد من الخطوط الحمراء". في الساعات الأولى من السابع من شهر نيسان/ إبريل، أقدم ترامب على اتخاذ خطوته.

أطلقت سفن أمريكية 59 صاروخ كروز على مطار الشعيرات، وهو المطار الذي انطلقت منه الطائرات المحمّلة بالقنابل الكيماوية كما يُعتقد. كانت الضربات قليلة ومحددة، ولكنها كشفت عن عدم إمكانية استعمال القوة ضد السلوك البربري لنظام الأسد، بسبب المخاوف، مما يمكن أن يعنيه ذلك من مواجهة مع حليفه الروسي الذي أصبح فاعلاً في الأراضي السورية منذ أيلول/ سبتمبر 2015.

 لقد تم إعلام الروس بالضربة مسبقاً، دون أن تتم استشارتهم بشأنها على ما يبدو. ولكن يبدو أن هذا التحذير، والذي وصل للسوريين بلا شك، قد أعطى هذه الأخيرة وقتاً كافياً لإخلاء بعض طائراتها على الأقل. وبالتالي، وبحسب المعايير العسكرية، ستُحدث هذه العملية تغيراً بسيطاً في إمكانيات نظام الأسد.

سيحظى ترامب بالاحتفاء لاستعداده القيام بخطوة عملية أبعد من مجرد إبداء الأسف حيال انتهاك النظام السوري لكلٍّ من القوانين الدولية والتزامه بمعاهدة حظر استخدام الأسلحة الكيميائية التي وقَّع عليها في عام 2013، وذلك عقب هجومه الكيماوي السابق.

 ظهر ترامب في السابق كرئيس غير مبالٍ تجاه فكرة التدخل الإنساني، ولكنه طلب، هذه المرّة، من القادة العسكريين القيام بردّ مناسب على مثل هذه الممارسات الاستفزازية والدنيئة، التي حصلت في فترة رئاسته، وهو ما فعلوه. ويعود هذا القرار أيضاً لخبراء فريق الأمن القومي الحالي الممثّل بوزير الدفاع جميس ماتيس ومستشار الأمن القومي هربرت ماكماستر، ولكن القرار النهائي يعود للرئيس بطبيعة الحال.

سوف يندم العديد من المسؤولين خلال حقبة أوباما لعدم قيامهم بخطوة مشابهة لهذه. ولا يزال أوباما فخوراً بالاتفاقية التي عقدها مع روسيا في عام 2013، والتي جاءت عقب هجوم كيماوي أكثر خطورة، والتي تقتضي بتجريد الأسد من أسلحته الكيماوية في مقابل وقف تنفيذ الهجمات الجوية التي هدده بها أوباما مسبقاً. ما بات واضحاً الآن أنه وبالرغم من الجهود الكبيرة التي بذلها مراقبو الأسلحة، إلا أنّ الأسد تمكَّن من إخفاء بعضٍ من صواريخه الكيماوية الضخمة بنيّة استعمالها مرةً أخرى حين يعتقد بإمكانية النجاة من عواقب ذلك.

والسؤال الآن هو: ما الذي سيحدث بعد ذلك؟ سيقوم ريكس تيلرسون، وزير الخارجية المختفي عن الأضواء إلى الآن، بلقاء الرئيس بوتين في موسكو الأسبوع القادم. اتهم تيلرسون روسيا بأنّها إما "متواطئة" مع الضربة أو "ضعيفة" لعجزها عن كبح جماح حليفها.

قبل بضعة أيّام، كان مسؤولون من إدارة ترامب قد أشاروا إلى أنّ الإدارة لم تعد ترى بأنّ خلع الأسد عن السلطة أمرا ضروريا لحل الأزمة في سوريا، الأزمة التي تسببت بقتل حوالي نصف مليون شخص. هل غيَّر ترمب رأيه؟ أم إنّ أمريكا ستستمر في الوقوف جانباً حيال مفاوضات السلام، مكتفية بتوجيه قرصة أذن للأسد وتنبيه الروس إلى أنّ الأسد لا يُمكن أن يتصرّف وكأنّه يتمتع بالحصانة الكاملة؟ ما يزيد الأمر تشويشاً هو تصريح تيليرسون الذي جاء بعد الضربة حين قال أنّ السياسة تجاه سوريا لم تتغيّر.

ثمّة احتمالات أخرى أيضاً. فحتى لو تخلَّى الأسد عن أسلحته الكيماوية واستمر في إلقاء البراميل المتفجِّرة على المدنيين، هل سيعمل ترامب على الوقوف في وجهه أم أنّ ذلك سيكون مقبولا، كما كان عليه الحال قبل بضعة أيام؟ بالنسبة للاحتمال الأول، فما هي مخاطر التصعيد المحتملة، الذي يمكن أن يقود إلى صدام هائل مع روسيا، وحليف الأسد الآخر المتمثل في إيران، خاصة إذا ما تحوّل هدف  التصعيد العسكري الأمريكي إلى تغيير نظام الأسد؟ حتى الآن، لا توجد مؤشرات على  أنّ الهجوم الصاروخي سيتكرر، ولكن ذلك يمكن أن يتغير بكل تأكيد.

على أيّ حال، فقد تضاءلت إمكانيات التعاون مع موسكو بخصوص الحملة الموجَّهة ضد تنظيم الدولة الإسلاميّة في سوريا، والتي كان ترامب متحمّساً للغاية لها، والتي فشلت الآن فيما يبدو. فهل سيؤدي ذلك إلى زيادة صعوبة مهمة أمريكا وحلفاءها في طرد تنظيم الدولة الإسلاميّة من "عاصمته" الرقة ومواقعه الأخرى في سوريا؟ هل هناك خطر أكبر يتمثل في إمكانية انقلاب الميليشيات الشيعية المدعومة إيرانياً – والتي تقاتل بطريقة أو بأخرى إلى جانب أميركا في معركتها لاسترداد مدينة الموصل – على أميركا؟

سيكون من المثير للاهتمام رؤية ما سيعنيه ذلك على مستوى العلاقة الأوسع مع روسيا، التي كان ترامب حريصاً على تطويرها. إنّ ردّ فعل روسيا تجاه الصواريخ غير واضح حتى الآن، فالردّ الأولي للكرملين كانت وصف السلوك أمريكا بأنّه انتهاك للقانون الدولي، ولكن بوتين، بأسلوبه البراغماتي، قرر عدم الحاجة لاتخاذ خطوة أخرى. من خلال إعلام روسيا مسبقاً بالهجوم الصاروخي، يُمكن القول بأنّ ذلك يعني صياغة نوع من الاتفاق الضمني، خاصة إذا ما أبدى بوتين استعداده لفرض قيود على الأسد في المستقبل. وعلى الرغم من النبرة الحادّة لتيرلسون تجاه دور روسيا، فإنّ ترامب قد أظهر نبرةً أكثر اعتدالاً، واصفاً الهجوم الكيماوي بأنّه "يوم حزين جدّاً على روسيا".

سيجد ترامب على الصعيد المحلي فوائد قصيرة المدى لكل ذلك. فالأحداث السريعة التي مرت ستخلق سردية مقابلة للصورة المشوشة والمضطربة السائدة عن إدارته، خاصة مع هزيمته في ملف الرعاية الصحية مؤخراً. ف استعداد الرئيس للمخاطرة بالصدام مع روسيا قد يؤدي في الفترة الحالية إلى إخماد المضاربات حول وجود توافقات بين ترامب والكرملين أو أنه يدين لهم بشيء. فقد يراه الآن صقور الجمهوريين مثل السيناتور جون مكين، والذي أبدى انزعاجه من سلبية الموقف الأمريكي اتجاه سوريا وتآلف ترامب مع بوتين، قد يراه من زاوية جاذبة أكثر، وكذلك الأمر بالنسبة للديمقراطيين.

أياً يكن، فقد أظهر ترامب قدرته على إثارة دهشتنا جميعاً.

التعليقات