29/04/2017 - 21:22

عصر ترامب وفاشية القرن الـ21

تتوالى اليوم الصدمات الناتجة عن الزلزال السياسي الذي أحاط بعام 2016، فالأحداث المجلجلة التي حصلت في العام الماضي، والتي بلغت ذورتها مع فوز دونالد ترامب بالانتخابات الرئاسية للولايات المتحدة، قد ولَّدت اهتماماً وكرَّست جهود المحللين

عصر ترامب وفاشية القرن الـ21

(ترجمة خاصة: عرب 48)

تتوالى اليوم الصدمات الناتجة عن الزلزال السياسي الذي أحاط بعام 2016، فالأحداث المجلجلة التي حصلت في العام الماضي، والتي بلغت ذورتها مع فوز دونالد ترامب بالانتخابات الرئاسية للولايات المتحدة، قد ولَّدت اهتماماً وكرَّست جهود المحللين لتغطيتها. كما برزت الكثير من التحذيرات والتنبيهات من قِبل صُنَّاع الرأي الليبراليين عن المخاطر المرتبطة بصعود السلطويّة ونمو النزعة الفاشية.

ففي نهاية 2016 أظهر الاستفتاء الشعبي الذي حصل في إيطاليا رفض الإصلاحات الدستورية التي قدَّمها ماتيو رينزي، وهو ما أدَّى لاستقالته وتحقيق نصر آخر للمد الشعبوي ضد النخب التكنوقراطية والإدارية والعولميّة. وفي السياق نفسه، كانت الانتخابات النمساوية قد أقصت التيارات اليمينية منذ الحرب العالمية الثانية، وذلك بالرغم من تحقيق مرشَّح حزب الحرية نوربرت هوفر نسبة أصوات جيدة وصلت لـ46٪. ولكن يبدو أن المسألة باتت مسألة وقت قبل أن يصل اليمين المتطرف إلى سُدَّة الحكم مع الانتخابات المهمّة التي ستجري في ثلاثة دول أوروبية عام 2017.

فقد تُظهر الانتخابات الهولندية هذا الشهر انتصار المرشَّح القومي اليميني المتطرف خيرت فيلدرز، حيث تبنى فيلدرز خطاباً هجومياً ضد الإسلام والمهاجرين المغاربة ووعد بحظر القرآن واسترداد أراضي هولندا لشعبها الأصلي، وبهذه المواقف يتصدَّر فيلدرز استطلاعات الرأي. وفي شهر أيار/ مايو، يبدو أن الانتخابات الفرنسية ستولِّد اضطرابات جديدة، فقد أصبح المجتمع الفرنسي يعاني من أوضاع اقتصادية صعبة وانقسامات اجتماعية واثنيّة، وما يزال متضرراً من عدد من الهجمات الإرهابية، مما أدخله في حالة مستمرة من الطوارئ (كما في الولايات المتحدة)؛ وقد كان كل ذلك ورقة رابحة في يد ماريان لوبان.

لم يرجح العديد من النقاد فوز لوبان، وذلك بالاعتماد على قناعة مفادها أن الشعب سيتخذ خياراً استراتيجياً بالتصويت ضد الجبهة الوطنية في المرحلة الثانية. ولكنّ هؤلاء النقاد قد توقّعوا قبل ذلك أن خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي أمرٌ مستبعد، وأن ترامب سيخسر بطريقة مدوِّية. تعبر هذه القراءات المغلوطة للمزاج الشعبي والأوضاع السياسية الجديدة عن حالة ثقة عجيبة. إن دروس 2016 التي أشارت إلى سعادة المصوتين بهؤلاء المرشحين تعبّر عن تغيير في موازين السلطة، وتعد بتقديم تغيرات حقيقية، وقلب الوضع القائم.

وفي ألمانيا أخيراً، حيث يمكن أن تُظهر الانتخابات مؤشرات لنهاية عصر أنجيلا ميركل، كما يمكن أن يصل الأمر بالمصوتين إلى حد معاقبة المستشارة على سياساتها غير الشعبوية المتعلقة بزيادة معدّلات الهجرة. وبغض النظر عن ما يمكن أن يحصل، فمن المرجَّح أن يحقق الحزب اليميني المتطرف 'البديل من أجل ألمانيا' مكاسب حقيقية.

يعتبر موضوع أنماط الفاشية موضوعاً خلافياً. في النموذج الذي يقدمه ترمب، فإن ديماغوجيته وتهديداته لهيلاري كلينتون وحظره للمسلمين ومنعه لدخول ملايين المهاجرين (يجدر بالإشارة هنا أن أوباما قد منع دخول ٢.٥ مليون مهاجر)، بالإضافة لاستهدافه للعديد من الفئات الاجتماعية وهجومه على الإعلام والقضاء، كل ذلك يعتبر من سمات النزعة الشعبوية. مثل هذه النزعات السلطوية قد تنتج تغيرات سلبية. حيث يعبِّر شعار 'أميركا أولاً' الذي افتتح به ترامب خطابه الافتتاحي عن التصور المظلم والمتصلب الذي يضمره.

يعرِّف المنظر الشيوعي البلغاري جورجي ديمتروف الفاشية بأنها 'ديكتاتورية إرهابية غير محدودة، وهي الأكثر رجعية وشوفينية، وتعبر عن أكثر العناصر إمبريالية في المنظومة الرأسمالية'. يمكن أن نستقر على تعريف مفيد للفاشية باعتبارها اندماجاً لسلطتي الدولة ورأس المال في سياق سلطوي يوظِّف العنصرية القومية.

لقد آمنّاً بأن النازية والهولوكوست والحرب العالمية الثانية أمورٌ 'لن تتكرر'، وينبغي أن لا تتكرر مثل هذه الأهوال مرة أخرى. ولكن يبدو أننا أصبحنا وبعد 70 سنة مقبلين على مرحلة حرجة، حيث لا يوجد إلا طريقٌ واحد يؤدي إلى الفاشية. يصف تشرشل فقدان الذاكرة هذا بـ'ذاك التاريخ الطويل المؤلم من التجربة غير المثمرة والذي يؤكد على عدم قدرة البشر على التعلم من أخطاءهم'.

هناك العديد من التشابهات بين المشهد الحاصل اليوم وأحداث فترة الثلاثينيات، فالفترة بين 1918-1933 هي الأكثر أهمية. كيف تحولت النازية من كونها تياراً هامشياً إلى أن أصبحت الحزب الحاكم ضمن بيئة ديمقراطية راقية ومستنيرة في ظرف 15 سنة؟ هذا هو السؤال الذي تطرحه الحلقة الأولى من المسلسل المميز 'النازيون: إنذار من التاريخ'، والذي يعاد عرضه حالياً على قناة BBC4.

توجد اليوم أيضاً أزمات اقتصادية عسيرة، بدءاً من حالة زيادة التضخم التي تعانيها مدينة فيمار الألمانية المترافقة مع الأزمات الأخيرة (تأثير انهيار وول ستريت بشكل خاص) وما تلاها من الانهيارات المالية في عام 2007-2008 المترافقة مع حالة التقشف. في فترة الثلاثينيات، وقعت ألمانيا بين خيارين؛ إما النازية أو الشيوعية كي تخرجها من أزمتها، فضَّلت المؤسسات الألمانية الخيار الأول باعتبار أنهم سيضمنون الازدهار لألمانيا، كما اعتقد ملاك المصانع والأرستقراطيين (مخطئين) أيضاً أنهم سيتمكنون من التحكم بأدولف هتلر.

من المهم إدراك تورُّط المؤسسة الليبرالية ودورها الأساسي في صعود النزعات السلطوية. فمع كل محاولة يقوم بها الليبراليون لرفض التيارات التقدمية – سواء أكانت اللجنة الديمقراطية الوطنية في سعيها لتنحية بيرني ساندرز لتدبير ترشيح هيلاري كلينتون أو سعي قواعد حزب العمل الجديد لإفشال جيريمي كوربين

– تُساهم في دعم سيطرة اليمين الجديد

الخطيئة الأصلية عند المؤسسة الليبرالية (والطبقة الوسطى) هي رؤيتهم بأن الوضع الراهن يمكن أن ينفعهم، ولكنهم تركوا خلفهم الملايين من مواطنيهم منكسرين. لم تعد المزيد من هذه السياسات النيوليبرالية التي تولِّد درجة عالية من اللا مساواة وتدني الأجور وانهيار معايير العيش تمثّل رؤية مقنعة، فالعودة إلى عصر ما قبل خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي وما قبل ترامب لن يحل هذه القضايا الملحّة.

لقد تحولَّت عمليات الاستيلاء وتحالفات الأحزاب الديمقراطية الاجتماعيّة إلى خيانة لقواعدها الشعبية. وخسرت دعم الدوائر الانتخابية التي كانت مؤيدة لهم لصالح الشعبويين. وكانت النتيجة أن الهوية الثقافية – هوية الطبقة العاملة للبيض في هذه الحالة – قد استبدلت ولاءها لتلك الطبقة بالولاء الذي يُمثله اليسار القديم.

إن الوعد بعودة نوستالجيّة لعالم ما قبل الحداثة، وما يتضمنه ذلك من القيم التقليدية للمجتمع والعائلة والدين يرتبط بالمعاقل الصناعية سابقة الذكر وبالهوية الوطنية الأحادية التي أصبحت تمتلك جاذبية أكبر. فيما يقف على النقيض من ذلك – في هذا الإطار – حالات اللا انتماء و'الاقتلاع من الجذور' الحديثة التي تولَّدت من العولمة النيوليبرالية وانحسار التصنيع وتذرير الأفراد بالتعددية الثقافية العلمانية.

يعد الفيديو الذي انتشر بعنوان 'TrumpThe Establishment'  على موقع اليوتيوب نموذجاً للدعاية الذكية التي تغلف هذا النقد للمؤسسة السياسية والاستثمارية والرأسمالية. قد يكون من السهل صرف النظر عن هذا باعتباره تفسيراً مضلِّلاً ورجعياً للمشكلات المعاصرة، ولكن مع اضمحلال تيار اليسار التقدمي وتورط المؤسسة الليبرالية، لن يكون هناك خيار سوى شعبوية اليمين الجديد.

ونتيجة لذلك، قد تبدو تصريحات ترامب الإيجابية تجاه فلاديمير بوتين مستغربة على لسان مرشَّح لانتخابات الولايات المتحدة، ولكنها لم تكن زلَّة لسان، فقد كانت محسوبة كرسائل مبطَّنة لقاعدته الجماهيرية لتقديمه كزعيم قوي يهدف لـ'استعادة' عظمة أميركا ويؤكد على قيم المسيحية. وتؤكد الاستطلاعات على صحة هذا التصور، فقد أشارت إلى تفضيل الأميركيين للأمن على الديمقراطية.

تعتبر العلاقة بين الرأسمالية والديمقراطية علاقة غير مستقرة دائماً، وذلك على عكس شعاراتها المنادية بالحرية. إن الحكومات والجيوش والأجهزة الاستخباراتية والشركات – أو النخب المعولمة – على وعي كامل بحالة عدم الاستقرار الراهنة المحيقة بالرأسمالية على جميع المستويات الاقتصادية والاجتماعية والبيئية. ينبغى أن يُنظر لتضخم الأنظمة السلطوية كحالة احتواء للمجتمعات المتقلِّبة. ويلمح ذلك إلى أننا مقبلون خلال العقود القادمة على حالة من عدم الاستقرار والدول الفاشلة والارهاب وعلى آثار مدمِّرة للتغيرات البيئية التي ستؤدي إلى تأجج الصراع والفوضى وزيادة الهجرة.

قد يرى البعض في النزعة الشعبوية الحالية – المتشبعة بالنزعة القومية والحمائية – محاولةً لسحب البساط من الانهيارات القادمة، لذلك فمن غير المفاجئ أن يبدأ الأفراد العقلانيون الأغنياء بالاستثمار في الحُصُون والمخابئ الدفاعية تحسُّباً لما هو قادم.

وإذا كانت الفاشية تدمج سلطة الدولة بسلطة رأس المال، فهذا يعني أن رأس المال قد بات خاضعاً لترامب، وهذا أمر غير مفاجئ عندما يأخذ المرء بعين الاعتبار كيف أن إدارته القائمة على الشركات وملاك رأس المال سوف تكون داعمة للمشاريع الاقتصادية بشراسة. يتضح هذا النزوع بشكل أوضح في القطاعات المالية وقطاع الطاقة مع إمكانية الدعوة لمزيد من رفع القيود. وحيثما وجدت المعارضة – مثل تلك الصادرة عن القطاع التقني – فإنها ترتكز على واقع أن التضييق على الهجرة لن يكون لصالح نماذج مشاريعهم بدلاً من استنادها إلى أي موقف أخلاقي. وحتى في عالم التقنية الجميل والسعيد توجد مناصرة قوية للأبعاد الجمهورية المحافظة.

تصعد الفاشية بشكل عام من خلال الثغرات القائمة في الديمقراطية وحكم القانون، وبكلمات أخرى، فهي لا تأتي بين عشية وضحاها. بعد أحداث 9/11، حملت الحرب على الإرهاب معها تآكل الحريات المدنية بحملات اعتقال وتعذيب غير محددة، وببرامج ترحيل استثنائية ضمن شبكة عالمية من السجون 'المجهولة' حيث يختفي مقاتلوا العدو، بالإضافة لمراقبة شاملة من قبل وكالة الأمن القومي الأميركية وحملات تطهير صاروخية للمستهدفين بما فيهم من مواطني الولايات المتحدة.

مثل هذه القوى، التي لا تستطيع مواجهة تهديد الإرهاب، تحتِّم طرح هذا السؤال: من هم الأعداء الحقيقيون للدولة؟ هل سيتم توظيف الأجهزة السياسية بشكل متزايد ضد المواطنين من قِبَل دول سلطوية؟ هناك خطأ معتاد يظهر بالتركيز على شخص ترامب في حين أنّ دولة الأمن القومي هي التي تطورت إلى وحدة فاشية. وكما حذَّر إدوارد سنودن بذكاء، كل ما تبقى الآن هو أن يأتي القائد الذي يضغط على زر تشغيل كابوس التوتاليتارية، وقد يكون انتصار ترامب نذيراً لهذا التحول.

لقد زُرِعت الاستراتيجيات المستقاة من الحرب على الإرهاب في السياسات القانونية التنفيذية المحلية، حيث تعتبر عمليات عسكرة قوات الشرطة الأميركية كتكيتكات تدعيم شرسة يتم تطبيقها لحرمان جيرانهم المتمثلين بالأميركيين الأفارقة. كما يعبر عدد المساجين المتزايد في السجون الأميركية – الذين يتألفون من أعداد كبيرة من الرجال السود بالإضافة للملايين من المواطنين – عن استجابة لحالة الفشل الاقتصادي؛ بغرض تخفيف أعمال الشغب والاضطراب الاجتماعي.

كما طبِّقت التكتيكات العنيفة في التعامل مع الاحتجاجات، كما حصل في مظاهرات ' حياة السود مهمّة  Black Lives Matter' في فيرجسون والمواجهة في مدينة ستاندينغ روك. كما كشف تحقيق على موقع الغارديان أن منشأة هومان سكوير في شيكاغو تمثل فرعاً محلياً لموقع مجهول للمخابرات الأميركية حيث يختفي فيه المواطنون وتُنزع عنهم حقوقهم الدستورية. ويمكن النظر لعملية تأمين مدينة كاملة بعد تفجيرات بوستن كتمرين لأحداث أكبر.

في نهاية الحرب العالمية العالمية الأولى، نظر بعض الجنود والعامة للانسحاب المفاجئ لألمانيا باعتبارها مؤامرة افتعلها اليهود والبلشفيون. وفي عام 1919، تمّ إلقاء اللوم على فشل المحاولة في تأسيس جمهورية سوفيتية بافارية على اليهود والبلشفيين. كما كان الخلط الحاصل بين اليهود والشيوعيين عاملاً أساسياً في إيقاظ نزعة معاداة السامية. واليوم أصبح الخلط بين المسلمين والإرهاب أمراً حاسماً في إيقاظ الإسلاموفوبيا.

في المملكة المتحدة، أدت عقود من خطاب الكراهية الصحفية إلى نشوء حالة عداوة وتعصب وصلت لحد خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي. كما أصبحت البروبوجاندا الإعلامية مفعمة بصور 'جحافل' المهاجرين و'البرابرة' على الأبواب. هذا هو كبش الفداء المذكور في الكتاب المقدَّس، صرف اللوم عن مسؤولية النخب المالية في أزمة 2007-2008 وإلقاءها على أولئك القابعين في الأسفل، إنه واقع معكوس يعبِّر عن طريقة تعامل الرأسمالية مع الواقع.

مرة أخرى، ينبغي أن لا نتفاجئ كثيراً. أصدرت صحيفة مثل Daily Mail بيانات تاريخية توثق دعم فرق 'القمصان السود' التابعة أوزوالد موزلي [مؤسس اتحاد الفاشيين البريطاني] وروثرمور من طبقة النبلاء لهتلر. ولكنها نشرت ذلك تحت عنوان 'أعداء الشعب' وهو عنوان موجه ضد الانتهاكات القانونية المخيفة القادمة.

إن تصوير المسلمين واللاجئين في الخطاب السائد ككلاب مشردة وأسراب من الجراد والصراصير هو أمر مقلق في الحقيقة. هذه الطريقة في إنكار إنسانية الآخر كان لها آثار خطيرة في السابق في شرعنتها لممارسة العنف ضد الآخر. ففي اللحظة التي يشير بها أحدهم إلى الآخر باعتباره ليس إنساناً ينتج عنها مباشرة إمكانية التعامل معه كما يشاء.

خلال مناظرات المرشح الجمهوري، نوقشت مفاهيم 'التحديد الخاص' للمسلمين وإغلاق المساجد مع وجود أصداء تاريخية مشؤومة. فالإصرار على الأوامر التنفيذية المتعلقة بحظر الهجرة من سبعة دول مسلمة، يعني أنه يمكن أن تلقى بقاعدة بيانات المسلمين في عُرض البحر. وكما يصوغها دانيال إلزبرغ الذي سرّب أوراق البنتاغون: ' إذا حصل حدث آخر جديد مشابه لـ 11/9، فإني على قناعة أننا سنحتاج بعدها للمئات والآلاف من الاعتقالات، سوف يوضع الشرق أوسطيون والمسلمون في المعتقلات أو سيرحلون'.

لقد أصبح شبح السلطوية ينتشر في مختلف أرجاء العالم. لقد استنسخ نموذج العلاقات الصينية-الروسية لتركيا وأوروبا الشرقية. ولكن ما هو مؤكد أن فاشية القرن الحادي والعشرين لن تشابه فاشية القرن العشرين، وكما يصوغها هالفورد لوكوك: 'في حال أتت الفاشية إلى أميركا فلن تكون مختومة بشعار صنع في ألمانيا، ولن تظهر عليها علامة الصليب المعكوف؛ كما لن يطلق عليها اسم الفاشية، سوف يطلق عليها بالتأكيد اسم الأميركانوية.' قد تكون هذه اللحظة قريبة منا، ولكن ليس بالضرورة أن تتمظهر فاشية القرن الواحد والعشرين عبر معسكرات الاعتقال الشرطة السرية (الجستابو) والجِزَم العسكريّة الثقيلة للجنود الألمان. قد تكون الدولة القادمة أكثر سيطرة ضمن سيناريو قريب من تصور جورج أورويل بدرجة عالية من اللامبالاة والانصياع من ذوات محبطة دون انتماءات سياسية.

يمكن أن تكون هذه الكارثة – سواء تجلت من خلال الفاشية أو حتى الحرب – الطريق الأفضل لإحداث التغيير. وفي الحقيقة، هذه هي المقولة اليسارية القديمة القائلة بأن القوى المدمِّرة هي عنق الزجاجة التي نخرج منها لبناء مستقبل أفضل. مع انتصار ترامب، نشر سلافوي جيجيك فيديو يعبر عن محاججة قريبة من هذه، ولكن لا مناص من أن النتيجة المرجوة هي تجنب مثل هذه السيناريوهات الكارثية.

والسؤال هنا هو ما هي أشكال المعارضة التي ستظهر في المقاومة ضمن مرحلة وليدة. ولكن عادة ما يحدث الحراك التقدمي كاستجابة لصعود تيارات اليمين المتطرّف وقد نشأت بالفعل تحالفات مناهضة لترامب. وسيكون من الضروري تحضير حراكات اجتماعية ضخمة لتنخرط في نشاط مباشر وعصيان مدني، وبكلمات ترامب، على الفرد أن يقاتل النار بالنار. يمكن أن تقدم مجموعة من الأفكار ما بعد الرأسمالية المتعلقة بجعل المجال الاقتصادي أكثر ديمقراطية مثل الاقتصاد البيئي والأتمتة الكاملة واستعادة الشعب كإطار لنشاط متفائل وواعد.

من مسرحية 'الصعود المقاوم' لبيرتولت بريخت

في آخر أسطر من مسرحية 'الصعود المُقاوَم لأرتورو وي'، كتب بيرتولت بريخت ساخراً من صعود هتلر: 'أيها الرجال، لا تبتهجوا لهزيمته، فقد يكون الحقير قد مات، ولكن السافل الذي يحتضنه يجهِّز نفسه'.

تتقاطع هذه السطور بشكل حزين مع واقعنا اليوم، فـ'السافل' هو الرأسمالية و'السافل الذي يجهز نفسه' هو الرأسمالية في سياق الأزمات. نقول مرة أخرى، هل يمكن أن يتكرر هذا مرة أخرى؟ قد نعود للتفكير من جديد ملائكة الخير الكامنين في طبيعتنا الإنسانيّة، ولكنني لا أستطيع التعويل على ذلك كثيراً.

التعليقات