28/05/2017 - 21:09

متاهة قنوات التواصل: ترامب وصهره والروس

بعد قراءتك لمجموعة من القصص حول التواطؤ المزعوم بين دونالد ترامب وجماعته وروسيا ستشعر بحالة من الحيرة والضياع. قد تظن أن هذا مخرج من هذه المتاهة، لكن من الواضح أنه لا يقودنا إلى أي طريق مؤكَّدة.

متاهة قنوات التواصل: ترامب وصهره والروس

ترامب مع لافروف وكاسياك في البيت الأبيض (أ.ف.ب)

(ترجمة خاصة: عرب 48)

بعد قراءتك لمجموعة من القصص حول التواطؤ المزعوم بين دونالد ترامب وجماعته وروسيا ستشعر بحالة من الحيرة والضياع. وهكذا سيكون شعورك بعد الإطلاع على التقرير المذهل الذي نشرته صحيفة "واشنطن بوست"، مؤخرًا، في صباح 26 أيار/ مايو الجاري، حيث يقول هذا التقرير إنه في شهر كانون الأول/ ديسمبر 2016، قام صهر ترامب ومستشاره الأمين، جارد كوشنر، بالتواصل مع السفير الروسي سيرغي كيسلياك حول إعداد قنوات خفية آمنة للتواصل بين فريق ترامب وموسكو.

ويشير التقرير أيضًا إلى أنه تم اقتراح إجراء عملية التواصل ضمن منشآت روسية دبلوماسية، ومن المحتمل أن يكون ذلك من أجل إخفاء الأمر عن أجهزة الاستخبارات الأميركية، التي ما زالت على تواصل مع باراك أوباما، والذي كان قد تبقى له حينها بضعة أسابيع فقط كي يغادر مكتبه.

قد تظن أن هذا مخرج من هذه المتاهة، لكن من الواضح أنه لا يقودنا إلى أي طريق مؤكَّدة، خاصة إذا ما أخذنا في عين الاعتبار أن هذا التقرير قد صادقت عليه جهات رسمية، لذا فإن أقرب تفسير لما حدث هو أن طلب كوشنر يعبر عن أن الفريق الانتقالي، وخلال الفترة القائمة بين انتخاب ترامب وتسلمه للرئاسة، كان غارقًا في حالة من الغضب وعدم الثقة والاحتقار لحكومة أوباما إلى درجة أنهم وثقوا بالمسؤولين الروس التابعين للرئيس فلاديمير بوتين أكثر من ثقتهم بأي جهة دبلوماسية أميركية أو أجهزة الاستخبارات القومية.

ومرة أخرى، وبناءً على هذا التفسير المحتمل، يبدو أن اجتماع كوشنر مع كيسلياك في برج ترامب في نيويورك مع بداية شهر كانون الأول/ ديسمبر، وهو لقاء لم يصادق عليه البيت الأبيض إلا بعد أشهر عديدة من حدوثه، كان يهدف للبحث في إمكانية عمل صفقة بين أميركا وروسيا، حيث تتضمن قيام القوات الروسية بشن ضربات صاروخية مدمرِّة على الإرهابيين الإسلاميين في سورية، وفي مقابل يعمل ترامب على ترك بوتين حرًا مع أوكرانيا بالإضافة للأماكن المجاورة له. وقد بات معروفًا أن مايكل فلين كان موجودًا في الاجتماع، وهو الجنرال السابق ورئيس وكالة استخبارات الدفاع، والذي سيعمل فيما بعد ولمدة قصيرة كأول رئيس لمجلس الأمن القومي الخاص بترامب، كما كان يمتلك، مثل ترامب، موقفًا نقديًا حادًا من سياسات أوباما في سورية ومن مؤيدي زيادة الشراكة مع روسيا.

ثم أكدت صحيفة "نيويورك تايمز"، بعد بضعة ساعات على السبق الصحافي الخاص بـ"واشنطن بوست"، وأضافت تفاصيلًا خاصة بها كانت قد جمعتها من مصادرها الخاصة، حيث تقول نسختهم عن القصة التالي: "ليس واضحًا من هو أول من اقترح قنوات التواصل هذه، ولكن الأشخاص الذين كانوا على صلة بالاجتماع قالوا أن الفكرة منه كانت هي أن يتواصل فلين بشكل مباشر مع مسؤول عسكري كبير في موسكو لمناقشة الشأن السوري وقضايا أمنية أخرى، ويقول هؤلاء الأشخاص أنه لم يتم عمل هذا الاجتماع".

هناك تفسيرات خبيثة تقول بأن الهدف كان هو أن تقوم روسيا ببناء قنوات تواصل خفية، من أجل عمل عدة أشكال من التواطئ بين فريق ترامب وبوتين، وذلك لغاية تعزيز المصالح المشتركة أو زيادة العلاقات المالية أو التشارك لإسقاط هيلاري كلينتون، منافسة ترامب في الانتخابات أو كل ذلك. وبالرغم من هذا، وسواء أكانت الكفة ترجح للتفسير الأول أم الثاني، يمكن أن نلمح تشابهًا في الطرق داخل هذه المتاهة.

كي نفهم مباحثات كوشنر مع السفير، علينا أن ندرك أن المستشار الموثوق للرئيس، آنذاك، كان يمتلك إيمانًا بالروس أكثر من الأميركيين. وعليك أن تتذكر أيضًا أنه مع تلك المرحلة في بدايات شهر كانون الأول/ ديسمبر قام مكتب مدير الاستخبارات القومية ودائرة الأمن القومي بإعلان بيان عام يعبِّرون فيه عن قناعتهم بتدخل روسيا في الانتخابات الرئاسية عن طريق سرقة إيميلات من سياسيين في الحزب الديمقراطي ومن مسؤولين عن حملة كلينتون ونشرها في موقع "ويكيليكس" الخاص بتسريب المعلومات والأسرار.

وتذكَّر أيضًا أنه قبل اجتماع كوشنر مع كيسلياك في الأول أو الثاني من كانون الأول/ ديسمبر، علِمَ ترامب من أوباما أن هناك مسؤولين في الحكومة قلقين من وجود فلين، كما أخبر مسؤولون في الاستخبارات الأميركية ترامب عن السلوكات الاعتدائية الروسية، بالإضافة إلى الرجاء الذي قدَّمه مجموعة من السيناتورات الجمهوريين له بأن لا يثق ببوتين، وذلك علاوةً على الحكومات الحليفة التي أوصت بالرسالة ذاتها، ولكن وبالرغم من كل ذلك، شارك كوشنر مع فلين في الاجتماع مع كيسلياك في برج ترامب، وفي حال كان تقرير "واشنطن بوست" صحيحًا، فإن ترامب لم يعمل فقط على وضع ثقته بالسفير الروسي، بل طلب منه أيضًا أن يخدع المسؤولين الأمريكيين.

عادة ما يتذمر مؤيدي ترامب من تركيز الناس على الطابع التلقائي لخطاب الرئيس ويدعون في المقابل للتركيز على ما يفعله لا ما يقوله. حسنًا، لقد تحدَّث ترامب خلال ترشحه عن أمور مروعة حول أميركا وحكومتها، مثلما قال إن بوتين هو زعيم أقوى من أوباما. لكن بالنسبة للمزاعم الأخيرة التي تتحدث عن فكرة عمل قنوات تواصل خفية فإنها لا تمثل خطابًا مجرَّدًا، وإذا ما صح ذلك، فهذا يثبت أن فريق ترامب يكنُّ الكثير من الإيمان لإدارة بوتين المجرمة والكاذبة والناهبة والمستبدة والمعادية للغرب، أكثر مما تكنُّه لأجهزة الأمن القومي الأميركية.

ما نكتبه هنا هو مجرَّد تدوين، وليس خبرًا صحفيًا مبنيًا على تقارير تؤكد ما نشرته صحيفة "واشنطن بوست". ولكن ينبني سبقهم الصحفي الأخير على تسريبات صادمة وسابقة نشرتها ذات الصحيفة بالإضافة لإحدى منافسيها وهي صحيفة "نيويورك تايمز" والتي أثبتت صحة ما تم نشره. إن سبب طرد ترامب لفلين، بعد كذبه على نائب الرئيس مايك بينس حول موضوع التواصل مع كيسلياك خلال المرحلة الانتقالية، يعود إلى تقارير صحفية أجبرته على فعل ذلك.

أخذ تقرير "واشنطن بوست" عدة أشهر لإعداده، ويبدو أن الصحافيين قد استندوا على معلومات من مُرسِلٍ مجهول يقول لهم إن كوشنر قد التقى بالسفير الروسي وسعى لبناء قنوات للتواصل. ويشير التقرير إلى مسؤولين أميركيين من دون ذكر اسمهم قد اطلعوا على نصوص الحوار بين كيسلياك وموسكو، حيث كان يصف فيه ما جاء في اجتماعه مع كوشنر وفلين. وإنه لأمر معروف أن جواسيس وكالة الأمن القومي على تماس مع عمليات التواصل بين روسيا وغيرها من البعثات الدبولماسية الخارجية في واشنطن وفي داخل البلاد.

قد يرى البعض ذلك أمرًا غريبًا أنه كان يمكن للسفير الروسي – وهو على دراية بذلك – أن يتحدث حول مقترح كوشنر في زيارة لروسيا. وقد يستنتج البعض أن السفير قد وجد المقترح غريبًا أو غير معقول. وإذا أخذنا في عين الاعتبار أن روسيا كانت تطمح في ذلك الوقت لتشكيل علاقات أقرب خلال رئاسة ترامب، خاصة من أجل رفع العقوبات المفروضة عليها بعد الغزو الروسي لأوكرانيا، فإنه سيكون من الصعب تفسير لم قام كوشنر بإعداد مقترح – في حال تسربه – كان يمكن أن يضر الرئيس الأميركي القادم وفريقه.

لقد اعتادت "قرية واشنطن" على انهيال التقارير الصحفية في كل مساء وحتى هذه اللحظة. فقد نزلت ثلاثة تقارير في مساء الجمعة مع بداية عطلة نهاية الأسبوع ليوم الذكرى (Memorial Day holiday). تناول التقرير الثاني لـ"واشطن بوست" حالة القلق في لجنة استخبارات مجلس الشيوخ، حيث قال التقرير إن اللجنة قد طلبت جمع كل الوثائق والحوارات المرتبطة بروسيا التي ترتبط بحملة ترامب منذ عام 2015. وصدر التقرير الثالث عن "نيويورك تايمز"، حيث تحدث عن رجل الأعمال الروسي أوليغ ديريباسكا، وهو رجل مقرِّب من بوتين، عرَضَ على مجلس الشيوخ وأجهزة الاستخبارات القومية أن يتم عمل تحقيق في التدخل الروسي في الانتخابات في مقابل ضمان الحصانة، وذلك بحسب ما قاله مسؤولون في الكونغرس لصحيفة "نيويورك تيامز". تم رفض هذا العرض من قِبَل أعضاء الكونغرس، وذلك خوفًا من أن يتداخل ذلك مع التحقيقات التي يجريها مكتب التحقيقات الفيدرالي وغيرهم من المحققين الفيدراليين، وهو ما يعيدنا إلى المتاهة الأولى.

التعليقات