19/06/2017 - 22:03

الأمير: أكثر الكتب المكروهة في التاريخ لا يزال مهما

عندما تفكر بالكتب الكلاسيكية، فإن الكتب التي ستدور في بالك هي تلك التي مضى علي تأليفها مئتا عامٍ في الغالب، مثل هيوغو وديكنز وأوستن وتوين وشيلي وغيرهم. وتعتبر أعمال شيكسبير العظيمة أقدم المؤلفات الأدبية التي قرأها معظم الناس

الأمير: أكثر الكتب المكروهة في التاريخ لا يزال مهما

(ترجمة خاصة: عرب٤٨)

عندما تفكر بالكتب الكلاسيكية، فإن الكتب التي ستدور في بالك هي تلك التي مضى علي  تأليفها مئتا عامٍ في الغالب، مثل هيوغو وديكنز وأوستن وتوين وشيلي وغيرهم. وتعتبر أعمال شيكسبير العظيمة أقدم المؤلفات الأدبية التي قرأها معظم الناس، ما عدا النصوص الدينية. ولكن ما زال أحد مؤلفات عصور النهضة في إيطاليا، حياً باعتباره من أكثر الكتابات أهمية، وما زال يباغتنا بمشاعر غريبة من الفهم والفزع عندما نفكر به، إنه كتاب "الأمير" لميكافيلي.

يعتبر كتاب "الأمير" من الكتب القليلة التي حصلت على جدل واسع أثناء صدورها، فقد منعته الكنيسة الكاثوليكية، ونظر إليه الكثيرون ككتاب متشائم، وكان سبباً لتسمية واحدةً من أسوأ السمات التي يتصف بها أي إنسان، ألا وهي الميكافيلية.

هذا هو الكتاب الذي أعطانا مثل هذه الاقتباسات "من الأفضل أن تكون موضع خوف بدلاً من أن تُحَب، في حال لم تتمكن من تحصيل كلا الأمرين"، و"الغايات تبرر الوسائل". إن أعظم كتيب إرشادي تاريخي لمنهج الحكم كان أيضاً من أكثر الكتب التي تعرضت لللعن والكراهية في كل الأزمان.

والأمر الأسواً من كل ذلك هو أن الكتاب ما زال يكتسب قيمة راهنة لأيامنا هذه.

يبدأ الكتاب بإخبرانا بأنه يتحدث عن كيفية عمل (تحديداً) حكم الفرد في إيطاليا عصر النهضة بنفس الطريقة التي (وبنبرة ساخرة) ارتبطت بها فنون الحرب بحروب العصر الحديدي. وبالرغم من ارتباط عدة أجزاء من الكتاب بالأحداث الماضية، كالقسم الذي يناقش نسبة القوات المحلية والمرتزقة الملائمة لبناء جيشٍ في ذاك العصر، إلا أن كتاب الأمير ما زال يقدم لنا دروساً عملية في الممارسة السياسية اليوم.

وحين تبدو بعض أهم أفكار الكتاب بسيطة جداً، مثل الفكرة القائلة بأن مجلس المستشارين يجب أن يتألف من رجال حكماء بدلاً من المتملقين، إلا أن الكثير من الناس لا يطبقون هذه النصائح. وقبل ميكافيلي، لم تكن الكثير من أفكاره متفقاً عليها آن ذاك.

وهنا بعض الأفكار التي يمكن أن تُستَعمل لخدمة الخير أو الشر، يقدمها لنا ميكافيلي.

"يبنغي على الرجل الحكيم أن يسير في الطريق المليء بالرجال العظماء  وأن يقلِّد الشخصيات المتميزة".

"من المهم للأمير أن يتعلم أن لا يتقيد بالخير فقط وأن يستعمل، أو لا يستعمل، الخير إلا عندما يتطلب الأمر ذلك".

"تمتلئ جميع مسارات العمل بالمخاطر، لذا فإن الحكمة ليست في تجنب الخطر (فهذا أمر مستحيل)، بل في حساب كمية المخاطر واتخاذ القرار الحاسم. لتكن أخطاؤك نتيجة الطموح لا نتيجة للكسل. استعمل قوتك لتصنع الأمور المهمة، ولا تسعى للمعاناة".

"اعلم أن هناك طريقتين للكفاح، الأولى تسير ضمن القوانين، والثانية تستعمل القوة، وفي حين تنجسم الأولى مع الرجال، فإن الثانية تلائم الوحوش. ولكن بحكم عدم فاعلية الطريقة الأولى في العادة، يصبح من الضروري اللجوء للطريقة الثانية".

"وهنا يتبين أن الرجال إما أن يكونوا موضع تملق أو أن يتم سحقهم؛ عليهم أن ينتقموا لأنفسهم على الأخطاء البسيطة، أما الشخص الرزين فلا يستطيع فعل ذلك. والنتيجة من ذلك هي أنك مهما فعلت لأي رجل فإنك لن تضطر للخوف من انتقامه".

كما تبين لك، فإن الكثير من النصائح التي يتضمنها الكتاب جيدة ومميزة أيضاً. ولكن يشيرمعظمها إلى أن القائد الحكيم يميل لاستخدام درجات غير مضرة من العنف والقمع  والمداهمات عند الحاجة. وهي الفكرة التي تُغضِب أولئك الذي يعتبرون أن القائد الأخلاقي سينتصر في النهاية، إنه التصور المثالي الذي نحبه والذي يحذرنا منه كتاب الأمير.

وفي حين نرغب بأن يكون زعماؤنا أشبه بشخص المسيح أو ذاك النوع من الرجال الذي يمكننا أن نحتسي الشراب معه، يشير ميكافيلي إلى أن ما نحتاجه حقاً هو الفعالية. فالصفات التي تجعل شخصاً ما لطيفاً من النادر أن تجعله سياسياً فعَّالاً. وهي جزئية لا تعني المستبد الحقير فقط، بل هي تعني الناخب أيضاً.

كتب ميكافيلي بشكل واسع حول الجمهوريات قبل أن يكتب الأمير، واعتبره الكثير من فلاسفة التنوير كمؤيد للنظام الجمهوري. بالغ روسو إلى حد اعتباره لكتاب الأمير هجاءً لوحشية النظام الاستبدادي. ولكن من المرجَّح أن كتاب الأمير يُخلِص في تقديم توجيهات تهدف لتحقيق الرفاهية والمجد والاستقرار للدولة بكل الوسائل الضروريةل ذلك، وبغض النظر عن شعور المؤلف الحقيقي اتجاه الطريقة المثلى لإدارة البلاد.

ولكن لماذا نكره الكتاب كثيراً مع ما يتضمنه من جميع هذه النصائح المفيدة؟

يبدو أن فيكتور هيوغو قد لخص أساب كراهيتنا لكتاب الأمير في كتابه البؤساء عندما قال:

"ميكافيلي ليس عبقرياً شريراً، وليس وحشاً، كما أنه ليس كاتباً تعيساً وجبان؛ فهو يجسد الحقيقة فقط. ولا يجسد الواقع الإيطالي، بل الواقع الأوروبي، واقع القرن السادس عشر".

نحن نكرهه لأنه أخبرنا بأن سياسيينا لا يمكن أن يكونوا قديسين جميعاً، إذا ما افترضنا أصلاً أن يتمكن أحدهم من أن يكون كذلك. فنحن نعرف أن ريتشارد نيكسون بلا ضمير وفعَّال أيضاً، ولكن شعورنا بالعدالة يخبرنا بأنه كان يبنغي للأمور أن لا تسير كذلك. يذكِّرنا كتاب الأمير لميكافيلي أن نركز على ما هو حقيقي، وأن نفهم أن السياسي الفاضل لا يمكن بأي حال من الأحوال أن يشبه القديس، وأنه من الأفضل أن لا يكون الملوك فقط موضع خوف بدلاً من أن نحبهم، بل أن تكون كتب السياسة كذلك أيضاً.

التعليقات