18/08/2017 - 20:47

ترامب والعنصرية والعزلة الأميركية

بدأت عزلة ترامب تزداد مع الأزمة العنصرية التي اختلقها بنفسه يوم الأربعاء، حيث تركه أبرز منفذي الأعمال في البلاد، وتمت معارضته من قادة عسكريين، وتجنبه الجمهوريين الذين غضبوا من دفاعه عن المحتجين القوميين البيض في مدينة شارلوتسفيل في ولاية فيرجينيا.

ترامب والعنصرية والعزلة الأميركية

(أ ف ب)

(ترجمة خاصة: عرب 48)

بدأت عزلة ترامب تزداد مع الأزمة العنصرية التي اختلقها بنفسه يوم الأربعاء، حيث تركه أبرز منفذي الأعمال في البلاد، وتمت معارضته من قادة عسكريين، وتجنبه الجمهوريين الذين غضبوا من دفاعه عن المحتجين القوميين البيض في مدينة شارلوتسفيل في ولاية فيرجينيا.

وكاتن القطيعة مع مجتمع الأعمال أكثرها إثارةً للصدمة، فقد ثار عمالقة الصناعة والتمويل الأمريكي ضد رجل كانوا يرونه كفرد منهم، واستنتجوا في صباح يوم الأربعاء عدم قدرتهم على الاستمرار في شغر مقعدين ضمن طاولة ترامب الاستشارية.

ولكن قبل إعلان ستيفان شوارزمان، رئيس مجموعة بلاك ستون وأحد أقرب وأوثق رجال الأعمال بترامب، قرار انفصاله عن منتدى الاستراتيجية والسياسة الخاص بترامب – حيث وصف في بيان له "التعصب والعنصرية والعنف" كـ"إهانة للقيم الأميركية المؤسِّسة" – قام ترامب بالتخلي عنه بنفسه عبر تغريدة له.

حيث كتب: "بدلاً من الإثقال على رجال الأعمال في مجلس الصناعة ومنتدى الاستراتيجية والسياسة، سأقوم بإنهاء كل ذلك، وشكراً لكم جميعاً".

إن الإهانة التي صدرت عن الرئيس بعد يوم من إخباره للصحفيين في مؤتمر صريح جريء في أبراج ترامب في مانهاتن أن احتجاجات "اليسار البديل" كانت مسؤولة عن العنف في شارلوتسفيل الأسبوع الماضي بنف قدر مسؤولية النازيين الجدد والعنصريين البيض الذين حرضوا على المحتجين وأدوا لمقتل امرأة بعمر 32 عاماً، حيث تم دهسها بسيارة يقودها ناشط يميني.

ونشر خمسة مسؤولين في القوات المسلحة – من الجيش والقوات الجوية والبحرية والمارينز ومكتب الحرس الوطني – بيانات على مواقع التواصل الاجتماعي يدينون فيها النازية الجديدة والعنصرية بلغة صريحة. لم يذكروا ترامب بالاسم، ولكن جاءت رسائلهم معارضة بشكل غير عادي للقائد العام.

كما أصدر الجمهوريون استنكارات جديدة ضد الكراهية التي تجلت في شارلوتسفيل، وذلك بالرغم من التباس موقف البعض من تعليقات ترامب.

مايك بينس وترامب

وقطع نائب الرئيس مايك بينس بشكل مفاجئ رحلته في أميركا الجنوبية حيث أعلن مساعدوه أنه سيعود إلى للبلاد مبكراً ليلتحق باجتماعات يوم الإثنين وأصرَّ البيت الأبيض أن موضوع الاجتماعات ستدور حول جنوب آسيا، فخلال رحلاته، وقف بينس إلى جانب الرئيس ولكنه رفض الدفاع عن تعلقيات ترامب التي أدلاها أبراج ترامب يوم الثلاثاء القائلة بأن "كلا الطرفين" يستحقان اللوم في شارلوتسفيل.

في تغريدة له يوم الأربعاء، حثَّ ترامب مناصريه لـ"مشاركتي" في الحملة الانتخابية في الثاني والعشرين من أغسطس في مدينة فينيكس، ولكن قال محافظ فينيكس غريغ سانتون في تغريدة له أنه "أصيب بخيبة أمل" لأن الرئيس سيعقد حدثاً سياسياً "ولا زالت البلاد تتعافى من حادث مأساوي في شارلوتسفيل"، ودعا أن يقوم ترامب بتأجيل الزيارة.

وصف كبار مستشاري الرئيس أنفسهم بأنهم مصدومين وجزعين ومستغربين، حيث قال العديد منهم أنهم لم يكونوا قادرين على رؤية إمكانية تتحسن رئاسة ترامب، وعبَّر البعض عن شكوكهم في قدرته على أداء هذه المهمة.

وفي المقابل، أخبر الرئيس مساعديه المقربين أنه شعر بالتحرر من مؤتمره الصحفي. حيث قال مساعدوه أنه بدا مستمتعاً بعد تعليقاته، ونظر إليها كأحد أحدث الردود ضد المؤسسة السياسية التي يرى أنها تسعى لكبح اندفاعاته.

جاءت الأريحية التي أبداها ترامب يوم الثلاثاء مناقضةً لرغبة فريقه، بما فيهم ابنته إيفانكا ترامب وزوجها جاريد كوشنار. فبدلاً من الأخذ بنصائحهم بالتوقف عن الحديث حول الاحتجاج، أرخى الرئيس العنان عن نفسه أمام ما يراه كنوع من اللباقة السياسية من أجل الهجوم الصريح على "اليسار البديل".

وفي يوم الأربعاء، قامت قناة فوكس نيوز أيضاً، وهي من القنوات المفضلة عند الرئيس، بتكرار انتقاداتها لترامب، حيث قال أحد مضيفي القناة، شيفارد سميث، أنه لم يكن قادراً على إيجاد أي عضو جمهوري ليدافع عن تعليقات ترامب على الهواء.

لم يعلن أي من أعضاء فريق الرئيس عن استقالته بعد، ولكن تطوع بعضهم للحديث يوم الأربعاء حول مدى إمكانية استمرارهم بالعمل لوقت أطول مع رجل يعبِّر عن مثل هذه الانفعالات. كان غاري كون، مدير المجلس الاقتصادي الوطني، من أكثر الغاضبين بين كبار مستشاري ترامب، حيث أخبر الناس من حوله أنه تأذَّى كيهودي وأمريكي من ردود الرئيس على حالة العنف في شارلوتسفيل.

يبدو أن العلاقة بين الرئيس وكون، والذي وقف إلى جانب ترامب خلال المؤتمر الصحفي، تعاني من صدمات حقيقية. فبالرغم من إنكار مساعدي البيت الأبيض عن رغبته بالانسحاب، إلا أنهم أقروا بأن كون، وهو المدير السابق لمؤسسة غولدمان ساكس، كان مستاءً من غياب الانضباط لدى الرئيس.

وكان الخبير الاسترايتيجي ستيف بانون أحد المساعدين الذين تفاعلوا مع ممارسات الرئيس، حيث شارك ترامب في غضبه من مساعي الحكومات المحلي لإزالة آثار النصب التذكارية للشخصيات الفدرالية من أمثال روبيرت لي. وقد أشعل مقترح إزالة تمثال لي من ساحة عامة في تشارلوتسفيل الاحتجاجات في نهاية الأسبوع الماضي.

ستيف بانون

وشجَّع بانون، الذي أقيل من البيت الأبيض، ترامب على الحفاظ على جرأته. حيث أشار مسؤولان في البيت الأبيض ممن حاولوا تعديل موقف الرئيس أن بانون كان يوظِّف الأزمة لاسترجاع رضا الرئيس، والذي توتر من مكائد بانون الداخلية وشائعات تسريب القصص عن خصوم الجناح الغربي لمنافذ إعلامية محافظة.

وقال العديد في البيت الأبيض أنهم ما زالوا متشبثين بأمل، مهما كان صغيراً، من قدرة المسؤول الجديد في البيت الأبيض جون كيلي على فرض النظام في ظل هذه الفوضى حتى لو استمر ترامب بالتنقل من حلقة تدمير ذاتي لأخرى.

وغضِبَ كيلي من أداء الرئيس يوم الثلاثاء واستاء من بعض تعليقات ترامب، وذلك بحسب ما أورده أشخاص من داخل البيت الأبيض.

وقال العديد من الأشخاص الذين شاركوا في مؤتمر البيت الأبيض خلال نهاية الأسبوع أن كيلي لا يبدو مدركاً تماماً لتأثير الجدال حول تعليقات الرئيس، ولكن باعتباره جنرالاً سابقاً، سيحاول كيلي أن يفرض النظام في البيت الأبيض، وذلك بحسب ما يقوله المسؤولون.

وتكثَّفت الاضرابات في البيت الأبيض بعدما قام الأصدقاء والأقارب بالتجمع لإحياء ذكرى هيذر هير، المرأة التي دُهِسَت وقتلت يوم السبت. قالت أم هير، سوزان برو، للزوار أن ابتنها كانت تحتج ضد الكراهية عندما قُتِلَت على يد أحد أعضاء الجماعات القومية.

وقالت برو: "لقد حاولوا قتل ابنتي وإسكاتها، ولكن كل ما فعلوه هو أنهم كتبوا لها المجد".

واستنكر السيناتور ميتش مكونيل، زعيم الأغلبية، "الكراهية والتعصب" في بيان صدر عنه يوم الأربعاء ولكنه لم يذكر أي شيءٍ عن ترامب وتعليقاته، وهو مثال على الحذر الذي يبديه المسؤولون الجمهوريين على أمل أن يحظوا بفرصة العمل مع الرئيس تحت أجندة محافظة خلال الأشهر القادمة.

كان زعماء الائتلاف اليهودي الجمهوري واضحين أكثر، حيث طالبوا ترامب "بتقديم المزيد من الوضوح الأخلاقي في رفض العنصرية والتعصب ومعاداة السامية". وأضافواً أيضاً: "لا يوجد أي نازي خيِّر ولا أعضاءً خيرين في جماعة كلان. ولحسن الحظ، فإن منظمة كلان والنازيين لا يعدُّون إلا جماعات هامشية في أميركا الحديثة والتي لم يتم الترحيب بهم في الحزب الجمهوري".

وأوصل ديفيد شولكين، وزير شؤون المحاربين القدامى، رسالة شاعرية للصحفيين يوم الأربعاء في نادي الغولف الخاص بترامب في بيدمينستر، وهو المكان الذي يقضي فيه الرئيس أيام العطلة. حيث قال بحذر من دون أن يؤنِّب ترامب: "حسناً، سأقولها، وسأطرح آرائي الشخصية كرجل أميركي وكيهودي أميركي، وبشكل شخصي أيضاً، أعتقد أن التاريخ يعلمنا أن الصمت على هذه القضايا هو أمرٌ غير مقبول ببساطة".

وباقتباس الكلمات المشهورة من القسيس اليهودي وأحد نقاد أدولف هتلر مارتن نيلمولر، قال شولكن: "أولاً، جاءوا من أجل الاشتراكيين، ولم أصرح بشيء. ثم جاءوا لأعضاء الاتحادات التجارية، ولم أكن أنتمي لهذه الاتحادات، لذا لم أدل بتعليقي. ثم قاموا علي، ولم يكن هناك أي أحد ليتحدث عني".

حافظ الكثير من الأعضاء اليهود الآخرين في إدارة ترامب على صمتهم يوم الأربعاء، حتى بعدما ردد المتظاهرين في تشارلوتسفيل شعارات معادية للسامية وأهانوا صهر الرئيس اليهودي كوشنر.

ووقف وزير الخزانة الأميركي اليهودي ستيفن منوتشين أيضاً صامتاً وراء ترامب يوم الثلاثاء حينما قال أن هناك "أشخاصٌ جيدين بين كلا الطرفين" في تشارلوتسفيل. كما لم يصرِّح منوتشين بأي كلمة حول تعليقات الرئيس.

كما حافظ كوشنر على صمته أمام تعليقات ترامب، وقالت إيفانكا ترامب، التي تحولت إلى اليهودية، في تغريدة لها يوم الأحد، "يبنغي أن لا يكون هناك مكان للعنصرية والاستعلاء والنازية الجديدة في المجتمع".

في حين استنكر محامي الرئيس الشخصي اليهودي مايكل كوهين جماعات الكراهية، ولكنه دافع عن ترامب خلال رده على أحد أسئلة الصحفيين يوم الأربعاء.

حيث قال: "أنا على معرفة بالرئيس ترامب وما يدور في قلبه، إنه رجل خيِّر ولا يمتلك حساً عنصرياً في داخله".

التعليقات