اسرائيل فلسطين مشكلة فرنسية ساخنة

-

اسرائيل فلسطين مشكلة فرنسية ساخنة
مؤلف هذا الكتاب هو الباحث الفرنسي دني سيفير رئيس تحرير مجلة «السياسة» الفرنسية. وكان قد نشر عدة مقالات صحافية عن الشرق الأوسط منذ عام 1986 بعد زياراته المتكررة للبنان وفلسطين وإسرائيل، وكان قد نشر سابقاً بالتعاون مع جوس دري كتاباً بعنوان: الحرب الإسرائيلية على الإعلام. والمعلومات المضللة والتعادل المزيف أو المزعوم فيما يخص كتابة التقارير عن الصراع الإسرائيلي ـ الفلسطيني (2002). وفي هذا الكتاب الجديد يتناول المؤلف هذا الصراع التاريخي من وجهة نظر الفرنسيين بعد أن أصبح مشكلة فرنسية بحتة. وذلك بسبب وجود جالية عربية وإسلامية ضخمة في فرنسا، وكذلك جالية يهودية كبيرة أيضاً أو ذات نفوذ ضخم.

ولهذا السبب فإن الصراع الفلسطيني ـ الإسرائيلي أصبح يجري داخل فرنسا أيضاً وليس فقط في منطقة الشرق الأوسط! لقد تحول الى مشكلة فرنسية ـ فرنسية تثير الكثير من الحماسة والهيجان في هذا الطرف وذاك. ثم يردف المؤلف قائلاً: منذ نصف قرن تحول هذا الصراع من عربي ـ إسرائيلي الى فلسطيني ـ إسرائيلي. وقد كان في البداية أحد التجليات الهامشية للصراع بين الشرق الشيوعي والغرب الرأسمالي. كان مسرحاً للتطاحن بين القوتين. لأعظم دولتين تقتسمان العالم بعد يالطا.

وفي فترة من الفترات كان هذا الصراع مرتبطاً بالأيديولوجيا العالم ثالثية وبالقومية العربية المتمردة على الغرب. كان يعكس الصراع بين الشمال والجنوب ونضال حركات التحرر الوطني ضد الامبريالية. ولكنه بعد ضربة (11) سبتمبر عام 2001 راح يتخذ وجهاً آخر:

أي وجه صراع الحضارات، فالفلسطينيون ما عادوا فلسطينيين في نظر الغرب المؤيد لإسرائيل بشكل أعمى. وإنما أصبحوا «أصوليين» أو «إرهابيين»! وزعيمهم ياسر عرفات لم يعد ذلك القائد الوطني الذي يبحث عن تحرير شعبه من نير الاحتلال وإنما أصبح الوجه الآخر لابن لادن! وإسرائيل لم تعد البلد الذي التجأ اليه اليهود الهاربون من المحرقة وإنما أصبحت حامية القيم الغربية اليهودية ـ المسيحية الواقفة في مواجهة عالم معاد مليء بالبربرية والهمجية. هكذا نجحت الدعاية الإسرائيلية في استغلال (11) سبتمبر الى أقصى حد ممكن.

ثم يردف المؤلف قائلاً: وعلى هذا النحو حصل تشويه لهذا الصراع ولطبيعته الحقيقية فهو صراع ذو طبيعة كولونيالية وينبغي ان نعترف بذلك تمهيداً لحلّه يوماً ما. أما إذا شوهنا طبيعته وقلنا بأنه صراع ضد الإرهاب والأصولية فإننا سنعقد الأمور كثيراً ولن نخرج منه.

وينبغي ان نعترف بأن الصراع الفلسطيني ـ الإسرائيلي أخذ يحتل مكانة مركزية في الحياة السياسية الفرنسية وبخاصة في الآونة الأخيرة. فالناس انقسموا الى قسمين: قسم مع الإسرائيليين وقسم مع الفلسطينيين. والحرب على أشدها بين الطرفين.

والواقع ان مؤيدي الطرف الاسرائيلي يحاولون ان يخلطوا بين نضال الفلسطينيين من أجل التحرر من نير الاحتلال وبين الإرهاب الدولي الذي تقوده الجماعات الأصولية والمتطرفة. وهذا خلط ظالم، وغير دقيق أبداً.

فإذا كان التعصب الديني موجوداً في غزة أو غروزني فإن ذلك هو نتيجة للحالة الاستعمارية وليس سبباً لها. فالشعب الفلسطيني كما الشيشاني يناضل من أجل تقرير مصيره. ونضاله مشروع وان كانت السيارات المفخخة وبعض أعمال الكاميكاز التي تصيب المدنيين العزل مدانة.

ولكن لا يمكن اختزال مقاومة الشعب الفلسطيني الى الإرهاب! ولا كذلك مقاومة الشعب الشيشاني. ووحدهم المثقفون المؤيدون للسياسة الإسرائيلية بشكل غير مشروط يقولون العكس. ومن بينهم الفيلسوف آلان فنكيكلرو.

فهذا المفكر يخشى ان تتحول فرنسا الى دولة عربية أو اسلامية في المدى المنظور!! وهو يعتقد ان نزعة معاداة اليهود المتفاقمة فيما لا علاقة لها بسياسة شارون القمعية الرهيبة ضد الفلسطينيين. وإنما هي نتيجة لحقد العرب أو المسلمين على اليهود.. وهو حقد تاريخي لا يمكن الخروج منه. وقد حل مؤخراً محل الحقد المسيحي والأوروبي على اليهود.

ثم يردف المؤلف قائلاً: ربما لم يكن الفيلسوف مخطئاً في كل تعليقاته ولكن إهماله للبعد السياسي من المشكل يثير الريبة ويدعو للعجب والدهشة. فالجميع يعلم انه لو قامت الدولة الفلسطينية ولو تراجعت اسرائيل عن احتلال الضفة الغربية وغزة لتراجع كره العرب لليهود أضعافاً مضاعفة. فلماذا لا يقر بذلك؟ لماذا يريد تفريغ الصراع من جوهره ومحتواه؟

بمعنى آخر فان السلام هو الذي سيؤدي إلى تهدئة الخواطر وتراجع الحقد والكره ليس فقط في المنطقة وانما أيضاً داخل فرنسا ذاتها. وبالتالي فلماذا يهمل هذا الفيلسوف العوامل السياسية؟ لماذا يقلل من شأن الاحتلال لأراضي الغير ودور هذا الاحتلال في الحقد على الاسرائيليين وربما اليهود ككل؟

لماذا لا يعترف بان هناك ظلم وقهر، وانه هو السبب الأساسي في اشتعال المنطقة والعالم بأسره؟ هنا يبدو التميز الأعمى واضحاً جلياً لوجهة النظر الاسرائيلية.

نلاحظ ان الكتاب ينقسم إلى عشرة فصول مع مقدمة وخاتمة. ويدرس المؤلف فيه التطورات التي طرأت على الموقف الفرنسي في الصراع العربي ـ الاسرائيلي وبالتحديد الفلسطيني ـ الاسرائيلي على مدار التاريخ. وكل من يريد ان يطلع على مواقف الأحزاب الفرنسية والشخصيات السياسية والثقافية في هذا الصراع ما عليه إلا ان يقرأ هذا الكتاب.

الفصل الأول يحمل العنوان التالي: لماذا كل هذا الهيجان حول الصراع الفلسطيني ـ الاسرائيلي؟ وأما الفصل الثاني فيتحدث عن هذا الصراع من زاوية المسألة الكولونيالية. وهنا نجد ان المؤلف الذي هو يهودي أيضاً يتحدث بكل جرأة عن النزعة الكولونيالية الاسرائيلية. كما ويتحدث عن فرنسا والمشرق العربي والعلاقات الكائنة بينهما على مدار التاريخ المعاصر. وهناك فقرة مهمة بعنوان: اليهود، اسرائيل، والجزائر.

أما الفصل الثالث من الكتاب فيحمل العنوان التالي: الصهيونية في فرنسا. وهنا يرفض المؤلف تلك المطابقة التي يقيمها البعض بين معاداة الصهيونية ومعاداة السامية، أي اليهود بشكل عام. ففي رأيه ان الصهيونية هي حركة سياسية كولونيالية شئنا أم أبينا. وبالتالي فمعارضتها لا تعني كره اليهود بشكل اتوماتيكي وإنما كره تيار سياسي ذي أهداف معينة. نقول ذلك على الرغم من ان المؤلف لا ينكر حق اسرائيل في الوجود ويرفض فكرة تدميرها. بل ويرى ان الاعتراف المتبادل بينها وبين الفلسطينيين هو الطريق إلى الحل العادل والشامل الذي قد يتحقق يوماً ما.

وهناك فقرة في هذا الفصل بعنوان: الصهيونية، حركة سياسية عرضة للاحتجاج والخلاف. وفقرة أخرى بعنوان: الجمهورية الفرنسية ضد الصهيونية.

وأما الفصل الرابع في الكتاب فمكرس لدراسة الموضوع المهم التالي: فرنسا، والاشتراكيون، واسرائيل. وهنا يعود المؤلف إلى بدايات العلاقة الحميمة بين الاشتراكيين الفرنسيين والحركة الصهيونية وما هي التقلبات التي تعرضت لها هذه العلاقة منذ عام 1930 وحتى الان. ولكن الشيء المدهش هو موقف الحزب الشيوعي الفرنسي. فقد حيا عام 1948، أي اثناء قيام دولة اسرائيل، النضال البطولي للشعب اليهودي من اجل الحرية. بمعنى انه أيد قيام الدولة العبرية بكل حماسة. ولا يمكن فهم هذا الموقف إلا إذا ربطناه بظروفه التاريخية. ففي تلك الفترة كان حزب موريس توريز تابعاً كلياً لموسكو. ومعلوم ان الاتحاد السوفييتي كان أول دولة تعترف باسرائيل، حتى قبل أميركا. وكان يعتقد انه سوف يستفيد من انقسام المنطقة على هذا النحو إلى عرب ويهود.

والسبب الثاني هو ان الحزب الشيوعي كان يحتوي في صفوفه على شخصيات يهودية عديدة، بل وعلى مناضلين عاديين كثيرين. وقد ساهموا معه في تحرير فرنسا من الاحتلال النازي. ولذلك فانه أراد التعاطف معهم أو مكافأتهم. ولكن الحزب الشيوعي سوف يغير موقفه لاحقاً بالطبع مثلما فعل الاتحاد السوفييتي عندما اكتشف ان الغرب الرأسمالي هو السند الأساسي للحركة الصهيونية والدولة الاسرائيلية.

ثم يردف المؤلف قائلاً: وبعدئذ حصل شهر العسل بين الاشتراكيين الفرنسيين واسرائيل أثناء الجمهورية الرابعة وتوج بحرب السويس على مصر الناصرية وكان ان حصل الفشل الذريع المعروف. اما الفصل الخامس من الكتاب فيحمل العنوان التالي: 1967: المنعطف الكبير. فلأول مرة اتخذت فرنسا موقفا مضادا للسياسة الاسرائيلية التوسعية. وكان ذلك على لسان قائدها التاريخي الجنرال ديغول.

وفي ذات الوقت راحت الجالية اليهودية تعلن ارتباطها باسرائيل علنا، بل وتكاد تقدم انتماءها لليهودية واسرائيل على انتمائها لفرنسا، وقد عبر عن ذلك بكل وضوح يرمون ارون ومثقفون اخرون عديدون. فقد رد بعنف على المؤتمر الصحافي الشهير للجنرال ديغول والذي قال فيه هذه العبارة عن اليهود، «شعب من النخبة، واثق من نفسه وميال الى الهيمنة».

ولكن عالم الاتنولوجيا الشهير كلود ليفي شتراوس انزعج كثيرا من تعصب الجالية اليهودية الفرنسية لاسرائيل واتهم الصحافة التي يسيطرون عليها بنشر الاشاعات الكاذبة عن منطقة الشرق الاوسط من اجل تحريض الرأي العام الفرنسي على العرب، وهذا موقف كبير يذكر له، نقول ذلك وبخاصة انه يهودي وعانى كثيرا من اضطهاد اليمين الفرنسي لليهود اثناء الحرب العالمية الثانية ثم يردف المؤلف قائلا: في ذلك المؤتمر الصحافي الذي عقده ديغول بعد حرب «5» حزيران نلاحظ انه ركز على الفكرة التالية.

وهي ان الجمهورية الخامسة التي اسسها تخلت عن سياسة الجمهورية الرابعة التي هيمن عليها الاشتراكيون والتي كانت متحيزة كليا لاسرائيل. وقد رسم الجنرال ديغول في مؤتمره الصحافي الكبير الخطوط العريضة للسياسة العربية لفرنسا وقال بما معناه لقد تخلينا عن سياسة التميز لكي نتبع سياسة تحبذ الوفاق والسلام في منطقة الشرق الاوسط. وقررنا ان نواصل نفس السياسة التقليدية لفرنسا تجاه الشعوب العربية، أي سياسة الصداقة والتعاون وليس العداء المسبق.

ثم يردف المولف قائلا: لقد كان موقف ديغول قاسيا تجاه اليهود. ولذلك اثار عاصفة من الاحتجاجات في اوساط الطائفة اليهودية الفرنسية. والسؤال المطروح هو التالي: لماذا اتخذ هذا الموقف يا ترى؟ والجواب هو انه شعر بأهمية القضية الفلسطينية بالنسبة للعرب. ولذلك قرر ان يضعها في مركز السياسة الفرنسية تجاه المنطقة وعندئذ حصل المنعطف الكبير على صعيد السياسة الخارجية. فالجنرال ديغول وضع حدا للعشرين او ثلاثين سنة من السياسة الفرنسية المؤيدة لاسرائيل ماديا ومعنويا، ولذلك فان حكومة تل ابيب راحت تبحث عن حليف استراتيجي جديد لكي يحل محل الحليف الفرنسي: وكانت العلاقة مع الولايات المتحدة الأميركية.

على هذا النحو ابتدأت العلاقة التاريخية والاستراتيجية بين واشنطن وتل ابيب وسوف تستمر حتى يومنا هذا.

وأما الفصل الخامس من الكتاب فيكرسه المؤلف لاكتشاف الانسان الفلسطيني أو اكتشاف وجوده لأول مرة تقريبا من قبل السياسة الفرنسية. وهنا يتحدث المؤلف عن الفلسطيني اللاجئ والفلسطيني الفدائي. كما يتحدث عن الخلط بين الانسان الفلسطيني والانسان المهاجر في افريقيا الشمالية، ثم يتحدث عن تأسيس اول جريدة فلسطينية باللغة الفرنسية في باريس، وكانت بعنوان: «فدائيين» وقد اسسها محمود الهمشري ممثل منظمة التحرير في العاصمة الفرنسية.

ثم يتحدث عن اغتيال الشخصيات الفلسطينية في باريس كالهمشري نفسه وعز الدين القلق، الخ واما الفصل السابع من الكتاب فمكرس لدراسة العلاقة بين منظمة التحرير الفلسطينية والحزب الشيوعي الفرنسي.

هذا في حين ان الفصل الثامن يحمل العنوان التالي: ميتران وورثته. وهنا يتحدث عن العلاقة الخاصة بين الصديق العزيز جدا لاسرائيل، أي ميتران، والدولة العبرية والجالية اليهودية. كما يتحدث عن زيارة جوسبان الشهيرة الى جامعة بيرزيت وما حصل فيها من ضرب بالحجارة نتيجة تصريحاته المشؤومة وغير المتوازنة عن حزب الله وشؤون المنطقة.

ثم يواصل المؤلف حديثه في الفصول التالية عن تطورات العلاقة بين فرنسا من جهة واسرائيل من جهة اخرى. وكذلك علاقة فرنسا بالعرب والفلسطينيين. وهذا يعني ان فرنسا انقسمت الى قسمين: قسم مع الاسرائيليين وقسم مع الفلسطينيين كما ذكرنا. ولكن لأول مرة يقوى القسم المؤيد للحق الفلسطيني بشكل واضح.

التعليقات