"طُرُق الرب": أقباط مصر بين سلطة الدولة وهيمنة الكنيسة

يحاول الروائي المصري شادي لويس بطرس أن يجيب في روايته الصادرة مؤخرًا "طُرُق الرب" عن سؤال "كيف تبدو مسيحيًا في مصر؟".

غلاف الرواية (فيسبوك)

يحاول الروائي المصري شادي لويس بطرس أن يجيب في روايته الصادرة مؤخرًا "طُرُق الرب" عن سؤال "كيف تبدو مسيحيًا في مصر؟"، ويتناول فيها هيمنة الكنيسة على حياة المصريين المسيحيين.

وتستكشف الرواية المكتوبة باللغة العربية، إلى جانب التمييز المتأصّل ضد المسيحيين في مصر، ما يقول الكاتب إنه وضع مسيحيي مصر الذين هم ضحية "انسجام هندسي سياسي" بين الدولة وكنيستهم الخاصة، في السعي إلى السيطرة على حياتهم. 

ويذكر أن الرواية باتت متوفّرة في "جوجل بوكس" مجانًا للجمهور العريض.

تعتبر رواية "طرق الرب" مثال نادر عن عمل أدبي مصري شخصياته الرئيسية مسيحية بالكامل، إذ يحاول من خلالها الكاتب كسر الصور النمطية التي يحتفظ بها مسلمو البلاد عن أبناء الأقلية المسيحية، لكنها توجه الأنظار أيضا إلى الداخل المسيحي، الذي تسيطر عليه الكنيسة القبطية الأرثوذكسية (وهي الطائفة المسيحية الغالبة في مصر) ومعالجة ممارساتها للسيطرة ومنافستها للكنائس الأصغر.

وقال بطرس لـ"أسوشيتد برس" في مقابلة هاتفية من لندن حيث يقطن منذ 13 عاما إن "معظم الأدب القبطي يدور حول التمييز أو القمع الذي يتحمله المسيحيون مع جرعة من الدفاع عن حقوق الإنسان. هذا أمر مفهوم، لكنه يتعلق بالمدى الذي يمضي فيه أيضًا. هذا العمل يقدم للمصريين حقيقة الأقباط كأناس لا يصلّون دائما أو يرددون الترانيم أو ينتظرون دائما كلمة الكنيسة. الرواية تفتح عالم الأقباط إلى كل من المسيحيين والمسلمين."

شادي بطرس (أ ب)

وتعتبر "طرق الرب" الرواية الأولى للكاتب، وتكتسب أهمية إضافية لأن الكنيسة باتت أكثر التصاقا بالحكومة من أي وقت مضى، وهو تحالف يمنح المجتمع المسيحي قدرا من الحماية إلا أنه يثير تساؤلات حول استقلاليته.

ويذكر أن الكنيسة للانتقاد في دعوات مطالبة بتحديث قواعدها الصارمة، مثل تلك التي تتحكم في الزواج والطلاق. وأدى مقتل رئيس دير في تموز/ يوليو الماضي، ويحاكم اثنان من الرهبان بالتورط في قتله، إلى البحث عن الروح في ممارسات الرهبنة التي تشكل حجر الزاوية في هوية الكنيسة.

وتتحدث الرواية عن قصة شاب مسيحي من القاهرة يدعى شريف، كان قد هجر الكنسية، وهو على علاقة مع شابة ألمانية، لكن حتى يتزوجها يحتاج أولا أن يحصل على وثيقة من الكنيسة لذا ذهب إلى القسيس الموجود في الحي الذي يعيش فيه مرة كل أسبوع لإجراء مقابلات تحولت إلى اعترافات.

ويروي شريف سلسلة من الحكايات يشرح من خلالها للقس أسباب عدم ذهابه إلى الكنسية قط، كما ويروي عن تمرد عائلته في السابق، مثل جده التي ترك الكنسية القبطية لأن القس لم يعمد مولودته قبل وفاتها.

ويقول شريف إنه تنقل من طائفة مسيحية إلى أخرى سعيا وراء اكتشاف هويته، فيما يشكك والده في مسعاه الروحي هذا، ويقول لولده، "هما (هم) على العموم كلهم نصابين زي (مثل) بعض".

وتشكل جلسات الاعتراف مع القس إحدى الحبكتين اللتين تسيران جنبا إلى جنب بطول الرواية، وتدور أحداث الحبكة الثانية حول نشاط شريف السياسي، الذي يورطه في مشكلات مع الشرطة. ويكون أمل شريف الوحيد في تجنب السجن هو الزواج من صديقته والذهاب إلى ألمانيا، لكن في النهاية، عادت صديقته إلى وطنها، وقضى هو سنة في السجن بسبب جريمة متعلقة بعمله لم يرتكبها.

وعلّق الناقد الأدبي أحمد شوقي على شخصية شريف بأنها "رسمت كشخصية مأزومة، وهذا ليس فقط بسبب كونه عضوًا في أقلية، بل باعتباره شخصًا يواجه أزمة وجودية بسبب مشكلاته مع الكنيسة والدولة."

وقال بطرس إن النهاية "القدرية" للرواية "تظهر أنه في مكان مثل مصر ليس أمام الأقليات الدينية مثل المسيحيين الكثير من الخيارات".

وتقدم الكنسية نفسها كحامي للأقباط في مصر، والكثير من الأقلية المسيحية يلتزمون بذلك الأمر.

وقال المتحدث باسم الكنيسة الأرثوذكسية المصرية بولس حليم، إن "الكنيسة صانعة سلام ومتصالحة مع الكل، من النظام الحاكم (الحكومة) إلى منظمات المجتمع المدني والأزهر"، الذي هو أعلى مؤسسة دينية إسلامية في مصر.

وأضاف "لا ننكر أن هناك بعض النواقص في بعض النواحي خاصة الاجتماعية سوف تتطور مع العمل."

وقال ناقدون إن مصالح المسحيين العاديين ضاعت في إطار القيادة المجتمعية للكنسية.

وعلّق الخبير بارز في شؤون الكنسية المسيحية القبطية كمال زاخر، قائلا إن الكنسية باتت واقعة "في أسر" الحكومة من أجل سلامتها، خاصة منذ بداية صعود الإسلاميين في مصر في سبعينات القرن الماضي.

وأضاف زاخر أن الكنسية ممثلة في قيادتها والحكومة ممثلة في كبار المسؤولين فيها يتعاملون مع بعضهم البعض بشكل مباشر، و"نسي هؤلاء أن القبطي العادي يتعامل مع الموظف الحكومي العادي الذي يتأثر بدوره بالإحياء الديني الإسلامي".

ونفت الباحثة في الشؤون المسيحية لدى المبادرة المصرية للحقوق الشخصية كارولين كامل، أن تكون الشخصية الرئيسية في الرواية نموذجا للشباب القبطي العادي، الذي اعتبرته على علاقة وثيقة مع الكنسية. لكنها قالت إن موضوع الرواية يدور حول فكرة الحق في السيطرة. وأضافت كامل "حماية الكنسية تتركز حول نفسها كمؤسسة، كجدران ومباني بغض النظر عما يحدث للمسيحيين."

التعليقات