05/10/2013 - 10:46

الشاعر علي الخليلي.. غربة الرحيل

كنا على موعد مع الشاعر الفلسطيني الكبير، علي الخليلي، لنحتفي به في مؤتمر "القدس هوية وثقافة"، برام الله يومي 2و3/10/2013، والذي نظمته "اللجنة الوطنية للقدس عاصمة دائمة للثقافة العربية."

الشاعر علي الخليلي.. غربة الرحيل

علي مواسي - كنا على موعد مع الشاعر الفلسطيني الكبير، علي الخليلي، لنحتفي به في مؤتمر "القدس هوية وثقافة" المنعقد برام الله يومي 2و3/10/2013، والذي نظمته "اللجنة الوطنية للقدس عاصمة دائمة للثقافة العربية."

لكن الخليلي لم يصل، لم يكن بيننا ونحن نستمع إلى الدكتور إبراهيم نمر موسى وهو يحدثنا عن "القدس في شعر علي الخليلي"، إذ جاء إعلان نبأ وفاته صباح اليوم نفسه.

قرر المؤتمر، والذي حضره أكاديميون وأدباء ومثقفون فلسطينيون من مختلف أنحاء الوطن وخارجه، بالإجماع، إطلاق اسم علي الخليلي على دورة المؤتمر الحالية (2013)، وهي الأولى، تكريمًا له. هل كنا بحاجة إلى معرفة خبر وفاته لنكرمه؟! لماذا لم ندرك أهمية ذلك وهو بعد حي؟!

في اليوم التالي، 03.10.2013، أعلن عن تشييع جثمانه إلى مقبرة رام الله الإسلامية المسيحية؛ توقعت أن تعلق جلسات المؤتمر وأن يشارك الحاضرون جميعهم في الجنازة، لكن هذا لم يحصل، فعلقت أنا مشاركتي. أخذت كاميرتي وانطلقت سريعًا إليه، أقلب في ذهني صورًا درامية ودينامية لوقائع تشييعه.. اكتظاظ من المسؤولين والأدباء والإعلاميين والبكاء والخطب، والتدافع!

الصور التي التقطتها كاميرتي كانت مغايرة لصوري الذهنية؛ بضعة عشرات، بدلات لماعة قليلة من مكاتب السلطة، وقليل من الأهل والأصدقاء والأدباء الأوفياء.

وقف رئيس اتحاد الكتاب الفلسطينيين، مراد السوادني، على القبر، يرثي، ويقرع من تناسى عمدًا شاعرًا وباحثًا مثل الخليلي، خالعًا عليه لقب أبي حيان التوحيدي، الذي دفعه التجاهل وإنكار الفضل واليأس من مجتمع عصره إلى حرق كتبه.

ثم تحدث عثمان أبو غربية، رئيس اللجنة الوطنية للقدس عاصمة دائمة للثقافة العربية، مذكرا بمواقف الخليلي الوطنية والقومية المشرفة، ومعددا فضائله الثقافية على الشعب والقضية الفلسطينيين.

"غربة في الحياة.. غربة في القبر"، قلت في نفسي، واجتاحني برد حزن شديد.

تنظر من حولك، ترى وجه ريم تلحمي، وزكريا محمد، ومايا أبو الحيات، وأحمد مسلم، وخالد جمعة، وأحمد زكارنة، ووليد أبو بكر، وهارون عمايرة، وزياد خداش، ومهيب البرغوثي يقرع ويطلق نيران نقده في كل اتجاه. وجوه يتيمة يُتْمَ إكليل الورد الواحد والوحيد فوق القبر، والموقع باسم "رابطة المسرحيين الفلسطينيين"، وجوه جمعها الخليلي على غير موعد، تطمئن وتسكن روحك لها، تحرك صلادة الوحشة..

تحت القبة القرميدية مدخل المقبرة يجتمع المشيعون ليسلموا على الأهل السلام الأخير ويقدموا التعازي، ثم نغادر كل إلى عادية حياته، دون أن نعرف متى سنلتقي بدواوين وأعمال الخليلي مطبوعة طبعات حديثة على رفوف المكتبات، ومتى سنجد له نصًّا في كتاب من كتب مناهجنا المدرسية والجامعية.. ودون أن نعلم مَنْ مِنَ المنسيين سيكون التالي.

منذ انتهاء مراسم التشييع الساعة الواحدة ظهرًا وحتى الثامنة مساءً، ساعة وصولي باقة الغربية عائدًا من رام الله، ظل مهيب البرغوثي يحث ويضغط ويلح، شفويًّا وعلى الهاتف ثم "الفايسبوك"، كي أرسل له صورًا من الجنازة لترفق بخبر في إحدى الصحف، وأنا ألح في اعتذاري لأنني على سفر وبلا شبكة إنترنيت، فخدمة الاشتراك بالـ 3G الإسرائيلية أعطتني عمرها هذا الشهر. ثم قال لي زاجرًا: "ولك إفهم.. محّدا صور غيرك.. فاهم!"

"يا إلهي، كل ترف العدسات هذا، وقوافل الإعلاميين والمصورين اللا نهائية، وهدر الصور على الإنستجرام وفيسبوك، ولا يجد الشاعر الغريب عدسة تلتقطه، حتى في موته؟! ياه يا عبد السلام العطاري، لقد كانت همستك في محلها عندما ملت إلي وسألتني: ذاهب إلى الجنازة؟ فرددت بالإيجاب: نعم.. بالتأكيد. فأردفت: جيد، عليك أن توثقها بعدستك!"

علي الخليلي

علي الخليلي من مواليد مدينة نابلس عام 1943، وهو أحد أبرز الكتاب والباحثين والشعراء الفلسطينيين، وقد عمل الراحل في الضفة الغربية معلما وصحافيا حتى عام 1973، ثم غادر فلسطين للعمل في الصحافة العربية، لكنه ما لبث أن عاد إليها عام 1977، واستقر فيها حيث عمل محررا في صحيفة "الفجر" التي كانت تصدر في مدينة القدس، ثم ترأس تحرير مجلة "الفجر الأدبي" التي صدرت عن دار صحيفة  "الفجر"، وعمل خلال السنوات الماضية مديرا عاما في وزارة الثقافة الفلسطينية.

وهو واحد من الأعضاء المؤسسين لاتحاد الكتاب الفلسطينيين في الضفة الغربية، وكاتب غزير أصدر ما يزيد عن عشرين كتابا. صدر له اثنا عشر ديوان شعر، وثلاثة عشر كتابا في النقد والتراث، والجزء الأول من سيرته الذاتية التي تناول فيها بجرأة وشفافية نشأته في أسرة عمالية مكافحة، وروايتان: "المفاتيح تدور في الأقفال" عام 1980، و "ضوء في الأفق الطويل" عام 1983.

كرس علي الخليلي عددا من أبحاثه لخدمة الثقافة الوطنية، ومن بين الدراسات التي نشرها:  "التراث الفلسطيني والطبقات"، وهي دراسة في الأمثال الشعبية الفلسطينية، وانعكاسات الظلم الطبقي على هذه الأمثال، و"أغاني العمل والعمال في فلسطين" التي أصدرها عام 1979، و"البطل الفلسطيني في الحكاية الشعبية" عام 1979، و"أغاني الأطفال في فلسطين" التي صدرت عام 1980.

ومن مجموعاته الشعرية  "جدلية الوطن" عام 1978، و"الضحك من رجوم الدمامة" عام 1978، و"نابلس تمضي إلى البحر" عام 1979، و"مازال الحلم محاولة خطرة"، والتي صدرت عام 1981.

يذكر أن الخليلي عانى خلال الشهور الأخيرة من مرض السرطان، وأنه حاصل على وسام "نجمة القدس" من الرئاسة الفلسطينية.

التعليقات