02/05/2016 - 11:01

إبراهيم طوقان... روحه فوق راحته

ولم يقتصر نضال الشاعر على مقارعة الاحتلال، إنما حارب عللًا ثلاث نمت معه حتّى قضت عليه، بالإضافة إلى هزل بدنه وضعف جسده منذ ولد حتى توفّي في القدس في الثاني من أيّار / مايو عام 1941.

إبراهيم طوقان... روحه فوق راحته

شابًا رحل، في مثل هذا اليوم من العام 1941، تاركًا مسيرة شعريّة حافلة خلفه، لا زال صداها يتردّد حتى أيامنا هذه، إنه إبراهيم طوقان، أبرز شعراء الشعر العامودي الفلسطينيين في تاريخنا الحديث.

ولد إبراهيم في العام 1905 لأسرة طوقان النابلسّية، المعروفة بثروتها الطائلة وبنفوذها السياسي في كل بلاد الشام، حيث امتدت العائلة من حماة شمالًا حتّى يافا جنوبًا، بالإضافة إلى حبّها الجمّ للعلوم والثقافة العربيّة، كيف لا، ومنها أربعة من أعلام الأدب الفلسطيني المعاصر، هم: بهاء الدين طوقان (والد الملكة علياء، ملكة الأردن الراحلة وأول سفير عربي في واشنطن)، والمفكّر العربي قدري حافظ طوقان (أشهر باحثي فلسطين في القرن العشرين) والشاعرة فدوى طوقان، شقيقة شاعرنا الذي نحيي ذكرى وفاته اليوم، إبراهيم طوقان.

نادى طوقان مبكّرًا بالقومية العربيّة، وكتب لها غير ما قصيدة، أبرزها النشيد الوطني الفلسطيني، موطني، المستخدم نشيدًا وطنيًا في أكثر من قطر عربيّ، الذي تظهر فيه حماسة الشباب في السعي نحو التحرير الوطني، التي تتجلّى في مقطع: 'الشباب لن يكلَّ همّه أن تستقل أو يبيد... نستقي من الرّدى ولن نكون للعدى كالعبيد'.

ورغم أن الألفاظ التي استخدمها طوقان في قصائده سهلة ممتنعة سلسة، إلا أنها ساهمت بشكل كبير في دب روح الحماسة بالشباب الفلسطيني الثائر ضد حكومات الانتداب المتعاقبة والعصابات الصهيونيّة التي ارتكبت العديد من المجازر بغطاء كامل من القوات البريطانية، فعلى صغر سن الشاعر حين كتب قصيدته هذه (29 عامًا)، يتضّح أنه كان واسع المعرفة كثير القراءة والاطّلاع.

ومن القصائد التي دبّت روح الحماسة في الثوار، كذلك، قصيدة 'الفدائي' أو التي تشتهر بالمقطع الأول منها 'لا تسل عن سلامته، روحه فوق راحته'، حيث لا زال الفلسطينيّون يتغنّون بها حتى الآن، في المناسبات الوطنيّة والتاريخيّة، بالإضافة إلى قصيدة 'وطني أنت لي والخصم راغم'.

ولم يقتصر نضال الشاعر على مقارعة الاحتلال، إنما حارب عللًا ثلاث نمت معه حتّى قضت عليه، بالإضافة إلى هزل بدنه وضعف جسده منذ ولد حتى توفّي في القدس في الثاني من أيّار / مايو عام 1941.

 أما عن حياته التعليميّة، فقد تعلّم طوقان في الجامعة الأميركيّة ببيروت منذ العام 1923، حيث مكث فيها أعوامًا ستّة إلى أن نال شهادة الآداب من الجامعة، عائدًا إلى نابلس مدرّسًا في مدرسة النجاح النابلسية العريقة، لكنه لم يلبث هناك إلا وقد عاد إلى الجامعة الأميركيّة مدرّسًا حيث درس.

انتقل 'شاعر الجامعة' إلى القدس بعدها مديرًا للبرامج العربيّة، لكن سلطات الانتداب طاردته في عمله، رغم مرضه الشديد، فأقالته من منصبه، ما دعاه إلى مغادرة فلسطين نحو العراق، مدرّسًا في دار المعلمين العالية، قبل أن تشتد وطأة المرض عليه، مفضّلًا العودة إلى القدس والوفاة فيها.

لم تقتصر إنجازات، أو قل مشاريع، إبراهيم على الحياة الوطنيّة فحسب، إنما ساهم في تكوين شخصيّة شاعرة فلسطين الشهيرة، شقيقته، فدوى، التي تقول عنه: “كانت عاطفة حبي له قد تكونت من تجمع عدة انفعالات طفولية سعيدة كان هو مسببها وباعثها.

أول هدية تلقيتها في صغري كانت منه.

أول سفر من أسفار حياتي كان برفقته.

كان هو الوحيد الذي ملأ فراغ النفس الذي عانيته بعد فقدان عمي، والطفولة التي كانت تبحث عن أب آخر يحتضنها بصورة أفضل وأجمل وجدت الأب الضائع مع الهدية الأولى والقبلة الأولى التي رافقتها.

إن تلك الهدية بالذات، التي كانت قد أحضرها إلي من القدس أيام كان تلميذًا في مدرسة المطران، تلك الهدية التي كانت أول أسباب تعلقي بإبراهيم ذلك التعلق الذي راح يتكشف فيما بعد بصورة قوية.

كان تعامله معي يعطيني انطباعًا بأنه معني بإسعادي وإشاعة الفرح في قلبي، لا سيما حين كان يصطحبني في مشاويره إلى الجانب الغربي من سفح جبل عيبال”.

اقرأ/ي أيضًا | في مثل هذا اليوم: رحيل إبراهيم طوقان وإميل حبيبي

التعليقات