صدور 'بدايات زمن التمرد' لغادة السمان يترافق مع كتاب نقدي عنها

من زهرة مرعيكتابان جديدان صدرا حديثاً محورهما الأديبة غادة السمان. الكتاب الأول صادر عن دار الطليعة ويحمل عنوان 'حدثتني البومة، قالت...' وفي تعريفه على الغلاف يوضح بأنه 'مقاربة جمالية نصية' لكتاب غادة السمان 'الرقص مع البوم' قام بها إبراهيم محمود. وفي تصفحنا لهذه المطالعة النقدية برز أن صاحبها تناول الكتاب الذي تقصد البحث فيه صفحة تلو أخرى. وهو بدا موغلاً في البحث والتمحيص عن كل رمز للبوم في الكتاب الذي بين يديه. فالأديبة غادة السمان التي اتخذت من البوم صديقاً خاصاً لها، ورمزاً إيجابياً في أدبها، وأحضرته بقوة في العديد من كتبها، أفردت له في سنة 2003 كتاباً خاصاً أسمته 'الرقص مع البوم'، وإذ بإبراهيم محمود يحاول سبر أغوار الكتاب مفنداً ما أسماه الحالة 'البومية'.
يحصي الباحث للأديبة السمان ما مجموعه مئة وسبعة وثلاثون عنواناً داخلياً في كتابها'... وهي في مجموعها تستضيف البوم وباسمه تسعى إلى تعزيز ' طيفها البومي'. ويستمر في رصد الشغف بالبوم عنواناً بعد عنوان. ومن ثم يتابع رصد ما أسماه ' حالة التداخل / التوحد / والتماثل بين غادة والبوم '. ولا يتوانى عن قلب الأدوار بين البوم والبشر متسائلاً: لماذا تتشاءم بومة غادة من البشر؟ لماذا تكون بومة الخيبة؟ لماذا تنشد أحزانها طوال الليل... وفوق ذلك يتشاءمون منها؟
بين تجليات الكاتبة وبين ما وصله الباحث من تمحيص في عالم البوم وصلتنا الكثير من المعارف عن عالم هذا الطير الاستثنائي في حياة غادة السمان. هو طائر عزلة لا سرب، بعيد 'عن مجتمع الأنداد والأتراب'.
يقرأ الباحث في 'الرقص مع البوم' بتأنّ ٍ وروية. يقرأ في الكلمات والجمل. يسعى لنزعها من مكانها ليجد خلفها كل تلك المعاني الإنسانية والاجتماعية والسياسية التي تريدها الكاتبة من خلال مقارباتها بين القلب والذئب والكذب والغدر. ويرى الباحث في السطور التي عاش بينها أنه أمام نصوص 'تتراءى فيها شهوة المثابرة والممانعة'. ويستخلص بشأن رباط غادة والبومة بأنه أكثر من علاقة جنون طقسية وتضاريسية، أكثر من حلف جمالي لتصحيح مسار التاريخ.
يكتب ما رددته الأديبة نفسها 'أنا بومة تعيش بقلب مزروع'. وهو استوحى لغة خاصة من قراءته الهادفة للكتاب كأن يقول 'الصمت تبويماً'. 'غادة لا تترك مفردة إلا وتبوِّمها'. أو أن يقول 'أو تثبت غادة بفعاليتها البومية المركبة ما يكونه الحب الحقيقي نادر الوجود'.
وعندما تحدثت غادة السمان بلسان البومة قالت:
وهل شاهد أحدهم بومة تضطهد رجلاً كما يفعلون هم بي؟
إتبع رجلاً يدلّك على مذبحة
إلحق بالبوم يدُلك على الليل الجميل..
فالقمر مرآة البوم..
غادة السمان في احتفالية البومة خضعت للتشريح بقلم ولغة إبراهيم محمود الذي أحسن البحث في جزئيات ما تضمنه كتاب ' الرقص مع البوم' من خيال خصب في عالم البوم. ذلك الكتاب الذي اعتمد شكل الشعر النثري أو النثر الشعري. 'حدثتني البومة، قالت..' كتاب في 144 صفحة من الحجم الكبير صدر عن دار الطليعة في بيروت.
'ستأتي الصبية لتعاتبك ـ بدايات زمن التمرد' كتاب يحمل الرقم 17 من ضمن الأعمال غير الكاملة والصادر عن منشورات غادة السمان، وهو يقع في المرتبة الخامسة من ضمن الكتب التي صدرت للأديبة وتتضمن حوارات مع رفاق القلم. السمان أهدت الكتاب إلى ذاتها 'إلى الصبية التي كنتها ذات يوم والتي تأتي باستمرار لتحاسبني كي لا أخون أحلامها وتمردها وجموحها'.
يضم الكتاب بين دفتيه 36 نصاً من الأحاديث والمقابلات الصحافية التي أجريت مع الكاتبة في بداياتها المبكرة. ومنها ما سبق بكثير إصدارها لكتابها الأول 'عيناك قدري'، وكذلك هناك حوارات تلت هذا الإصدار وغيره وجميعها يسبق عقد الثمانينيات.
فتحت غادة السمان كتابها بحوار أثير يحمل عنوان 'غسان كنفاني يستجوب شفهياً'. وفي تقديمه لهذا الحوار يكتب الراحل كنفاني' كلما لقيت غادة السمان، بموعد أو بدون موعد، بدا لي أنها تريد أن تقول الكثير. وحين تقول، يبدو لي أنها خبأت أكثر من الكثير!' ومن هذا الحوار نتوقف عند رد السمان على سؤال: ما رأيك بمستوى النقد والنقاد؟ حيث قالت في ذلك الحين: في بلادي يولد الكتاب لقيطاً ثم يُباحُ دمه لكل عابر مكتبة؟ كل من تعلّم القراءة والكتابة يعتقد أنه حاز رخصة شهر سلاح على أي أثر أدبي من دون أن يقرأه... كي يتخذ من ذلك حجة لتدبيج مقالة نقدية.. أو يكفي أن يكون له مأخذ ما على التصرفات الشخصية للكاتب كي يكون في ذلك تفتيح لبراعم موهبته النقدية.
غادة السمان في بداياتها الأدبية كما هي فيما بعد حظيت باهتمام أقلام صحافية ونقدية معروفة في وطننا العربي.. وفي تلك الأحاديث الأدبية تجلت آراء وأفكار ومواقف السمان. وهي ثابتة، غير مهادنة، ومتمردة حتى زمننا هذا.



"القدس العربي"
.