رحل المعلّم والصديق الكبير د.أنيس صايغ../ رشاد أبوشاور

-

رحل المعلّم والصديق الكبير د.أنيس صايغ../ رشاد أبوشاور
اتفقت أنا والصديق عبد الله حموده على الالتقاء بالدكتور أنيس صايغ، صديقنا المشترك، في مكتبه، عند حضوره إلى عمّان التي اعتاد زيارتها لارتباطه بمصاهرة أسرة سلطيّة أردنيّة تنتسب ليها زوجته السيدة هيلدا الباحثة التي زودت المركز بدراسات وترجمات، وكانت العون والسند للدكتور أنيس الذي ازداد اعتماده عليها بعد أن نجحت محاولة اغتياله الرابعة بإفقاده إحدى عينيه، وعدد من أصابع يديه.

حضر الدكتور ورفيقة عمره إلى عمّان لمشاركة الأصهار بأعياد الميلاد، ولكن أزمة قلبيّة دهمته نقل إثرها إلى مستشفى ( فلسطين)، وفارق الحياة ليلة الأحد 26 كانون أوّل 2009.

سينقل جثمان الدكتور أنيس إلى بيروت ليدفن قريبا من أسرته، والده ووالدته، وأخوته الذي رحلوا قبله.

قبل أيّام أرسلت له الكلمة التي طلبها منّي إسهاما في كتاب يشرف على إصداره بمناسبة رحيل الصديق الكبير الأستاذ شفيق الحوت.

كنت أعرف حرصه، ودقّته، ونفوره من التسويف في المواعيد، لذا عملت على أن تصل الكلمة قبل الموعد بأيّام...

برحيل المعلّم الكبير، المفكّر والباحث والأكاديمي، الذي لم تضعف دوره عملية الاغتيال الصهيونيّة، خسرنا أحد معلمينا الكبار، ولكننا نستلهم حياته هو الذي واصل العمل بدأب، وعناد، وعقل شجاع، مفشلاً هدف تلك العمليّة الإجراميّة، ومبرهنا على شجاعة مثقف ومفكّر كبير كان سلاحه دائما الفكر والكلمة، والذي شكّل خطرا شديدا على عدو يرعبه الفكر المقاوم، فلم يجد بدّا من اللجوء عدّة مرّات لاغتياله...

عرفت الدكتور أنيس مؤمنا بفلسطين وبالأمة وحتمية وحدتها ونهوضها، كاتبا ثاقب النظر، محرّضا على الثبات على المواقف، متصديا لخطاب أوسلو، ولنهج التسوية منذ بدأه السادات، مجابها لحالة الإنهيار الفلسطينيّة والعربيّة الرسميّة.

تتلمذ على يديه عشرات الباحثين في مركز الأبحاث، ومجلّة شؤون فلسطينيّة، ومجلّة شؤون عربيّة، وفي الجامعة اللبنانيّة، ومركز البحوث والدراسات العربيّة في القاهرة...

قبل وصوله إلى عمّان بيوم واحد، كنّا الصديق عبد الله حموّده وأنا نتداول فكرة الإعداد لتكريم ثلاثة من رموز فلسطين: الدكتور أنيس صايغ، الأستاذ بهجت أبو غربيّة ( شيخ المناضلين في الضفتين)، الأستاذ المناضل والكاتب هاني الهندي أحد أقطاب حركة القوميين العرب...

الموت كما يفعل عادةً، غافلنا وفاجأنا باختطاف هذا الإنسان الفذ، المعلّم أنيس صايغ، أحد حُرّاس فلسطين القضيّة العربيّة المقدسة، كما كان يصفها دائما، هو الحريص على عروبتها لحمايتها من معسكر الأعداء...

ترك المفكّر الشديد الكبرياء، والاحترام للنفس، المتواضع، المتقشّف و( الصوفي ) في حياته، الثاقب النظر، منجزا فكريّا هاما ستحتاجه أجيال المناضلين لتحرير فلسطين، ليسترشدوا به، والباحثين والمفكرين الذين سينهلون منه...

كتب عن لبنان الطائفي، وعن القضيّة الفلسطينيّة، ودرس شخصية القائد جمال عبد الناصر - هو الناصري الوفي- في كتابه ( مفهوم الزعامة السياسيّة). درس ميزان القوى العسكريّة بين الدول العربيّة و(إسرائيل)، وكتب (في المقاومة). وعمل على التعريف بالقضيّة الفلسطينيّة في كتابه (الجهل بالقضيّة الفلسطينيّة). ولأنه خبر الإرهاب الصهيوني، وفي وقت مبكّر، كتب ( ملف الإرهاب الصهيوني).. وفي حقبة أوسلو أصدر كتابه الهّام الذي حاجج طروحات جماعة أوسلو:13 أيلول 1994 . ومن بعد أصدر (الوصايا العشر للصهيونيّة).
من حسن الحّظ أنه أنجز مذكراته المدهشة، والتي صدرت في العام 2006.

رحيل المعلّم الدكتور أنيس صايغ خسارة فادحة لشعبنا الفلسطينيين، وأمتنا العربيّة، وللفكر والثقافة العربيّة...
ولكن، ومع هول الخسارة، فقد أبقى الدكتور أنيس لنا - أقصد من يؤمنون بعروبة فلسطين، ومن سيتابعون المشوار جيلاً بعد جيل - زادا فكريا سيلهمنا، وسيرة حياتيّةً مجيدة، ستبقى نبراسا للشرفاء، والصادقين، والأوفياء المخلصين لفلسطين، والأمة العربيّة...

التعليقات