دولة عادل إمام

-

دولة عادل إمام
فاجأ الممثل المصري عادل إمام جمهوره العريض بتصريح أساء فيه للتحرّك الشعبي الذي شهدته مصر، مؤخّراً، <<ضد>> السلطة وسياساتها المختلفة، إذ رأى أنه ليس في <<مصلحة الوطن>>، معتبراً، ضمناً، أن ما فعلته السلطة سابقاً، وما تفعله يومياً منذ عقود طويلة من الزمن، هو <<مع>> الشعب والمجتمع والوطن، و<<لهم>> ول<<مصالحهم>>. بدا إمام، بهذا الموقف، واضحاً في علاقته بالسلطة السياسية الحاكمة: إنه ابن هذه السلطة التي حمته وتحميه، منذ أن بدأ معركة إنسانية وأخلاقية ووطنية وثقافية ضد الأصوليين المتزمّتين الذين عاثوا في مصر قتلاً وجرائم وفساداً وتجهيلاً.

للفنان حقٌ طبيعيٌ في اتّخاذ مواقف سياسية أو وطنية أو اجتماعية أو إنسانية. هذا جزءٌ من وظيفته كفنان أو كمثقف. هذا نوعٌ من معاينة الآنيّ، وقراءة الحاضر، واستحضار التاريخ والذاكرة، واستشراف المقبل من الأيام. لكن، هناك مفارقة: إذا أعلن هذا الفنان أو المثقف موقفاً مناوئاً للسلطة (بأنواعها المختلفة وأشكالها المتنوّعة)، هلّل الناس له، ورأوا فيه مثالاً لهم ونموذجاً يُحتذى في مواجهة القمع والتسلّط. أما إذا انحاز إلى جانب السلطة (لأي سبب كان)، فهو الملعون والمنفيّ من وعي الجمهور، والساقط من حبّ الناس له واهتمامهم به والتماهي معه. ذلك أن هناك <<عُرفاً>> مُتّبعاً منذ سنين طويلة، مفاده أنه لا يمكن (أو ربما لا يجوز) للفنان/المثقف أن يكون إلى جانب السلطة، إذ إن طبيعة وظيفته لا تتلاءم معها، بل تتشكّل من مواجهتها ونقدها ومساءلتها ومعارضتها. لهذا، يبدو المشهد نافراً، حين يقف الفنان/المثقف في الضفّة الأخرى من موقعه <<الطبيعي>>، أي عند السلطة التي عُرفَت باضطهاد الفنانين والمبدعين والمثقفين، بنفيهم وقتلهم وسجنهم وتغييبهم وإرهابهم.

بهذا المعنى، يُمكن القول إن هناك مثقفين ليسوا إلاّ أبواقاً للسلطة، أي خدماً وتابعين لها، لأسباب عدّة: مصالح وعلاقات، أو نفسيات متعطّشة لأن تكون هي أيضاً سلطة. غير أن المشكلة كامنة في أن النتاج الإبداعي لغالبية هؤلاء يدعو إلى السخرية.

تحوّل عادل إمام، منذ وقت طويل، إلى سلطة قائمة بحدّ ذاتها، مدعومة من الرجال النافذين في الأمن والسياسة والاقتصاد. في المقابل، بدا عاجزاً عن المحافظة على مكانته الإبداعية في التمثيل (الكوميدي والدراميّ)، منذ أن ارتضى لنفسه سلوكاً يومياً يتشدّق بالنجومية ولا يأبه بأي شيء آخر. ففي الأعوام القليلة الفائتة، تراجعت المستويات الفنية والجمالية والدرامية والأدائية له ولأفلامه، بعد أن استغلّ <<جرأته>> في مواجهة المتطرّفين، وبات <<نجماً>> يُحسب له ألف حساب.

أن يكون الفنان مبدعاً ومتألقاً، ثم ينغمس في اللعبة السياسية والسلطوية الضيّقة، فأمر يُمكن التعاطي معه بشيء من النقد والمساجلة. لكن أن يفشل هذا الفنان في نتاجه، ويرتبط بالسلطة، فمسألة خطرة للغاية، إذ لا يبقى منه أي شيء يُذكر سوى أنه مجرّد خادم للسلطان. وبذلك، تنتفي صفته كفنان.


(نديم جرجوره)

التعليقات