من قال إن بيروت لم تعد مختبراً../ راجي بطحيش

-

 من قال إن بيروت لم تعد مختبراً../ راجي بطحيش
إضافة إلى الأخبار حول مجلة جسد اللبنانية والتي تخصص عددها الثاني (نفذ العدد الأول من الأسواق بعد 11 يوما) ببساطة لموضوع "القضيب الذكري" وأدبياته... فإنني شاهدت هذا الأسبوع فيلم "فلافل" بطريقة غير قانونية تتمثل بتحميل مباشر للفيلم من موقع غير قانوني هو الآخر.

وأثناء مشاهدتي المرصعة بالإعجاب اللامتناهي سألت نفسي "لماذا يقولون ان بيروت لم تعد مختبرا، وإنها أصبحت عاصمة عربية مظلمة أخرى؟؟" ولا أفهم لماذا يتهافت الكتاب اللبنانيون وغيرهم من غير اللبنانيين على رثاء بيروت في تأبين لانسحاب دورها... وهل تستطيع دبي أو دمشق أن تقدم اقتراحا شبيها لـ"فلافل" هذا لميشيل كمون...

(بيروت هي المدينة العربية شبه الوحيدة ودون منازع والتي لا تزال تحتضن الجانر الإيروسي في الكتابة العربية غير المترجمة وأنا واحد ممن استفادوا من هذه المساحة على الرغم من كوني لا استطيع دخول هذه المدينة فعليا بسبب خيبتي الإسرائيلية)...

عودة إلى الجسد والفلافل...يقدم شريط فلافل شخصية البوهيمي صعلوك الشوارع الليلية للمدينة على حقيقتها وعلى سخريتها وسوداويتها وقذارتها ورقتها و"مسباتها" وحشيشها وجنسويتها في مدينة تتأرجح بين التآكل والألق.. بين العنف والترف.. بين الحب والحرب.. بين التجربة والخطأ...

هذا هو توفيق أو (تو) وجه بيروت الحقيقي... والذي لم تمنعه معايير أخلاقية مزيفة من استبدال "مسبته" بحروفها وموسيقاها الحقيقية بشيء لا هوية له ولا أصل... في "فلافل" يتحرك الشاب/المثقف البيروتي على الشاشة بمصداقية تجعل من صورته أبهى، وخاصة إن دمجنا ذلك بأسلوب كلامي إنساني وغير متكلف أو متفذلك... ولا شك أن فلافل في هذا هو حلقة من أفلام لبنانية أخيرة تصب في نفس الأجواء بل وتتلذذ في ترسيخ فردانيتها فيها.. وأذكر منها "البوسطة"..."تحت القصف".."سكر بنات" وغيرها...

فإن أخذنا مثلا صورة الشاب الحداثي/ المثقف في أي عمل عربي، فإنه وبوصف تعميمي جدا من ناحيتي يكون: شاب سوري يستمع لفيروز ليل نهار ويتكلم بلغة متفذلكة وفسيفسائية ولا حياة جنسية له أصلا.. وشاب فلسطيني لا يزيل كوفيته عنه أبدا حتى لدى استحمامه ويردد طوال العمل شعارات ممجوجة ثم ينهار بطريقة ما أو بأخرى على أحد الحواجز العسكرية الإسرائيلية.. أما المصري فإنه أيضا يستمع لفيروز طوال العمل، ولكنه محكوم سلفا بمعايير أخلاقية زائفة تتجذر لدى صناع العمل أنفسهم فلا نقاش جدي لأي موضوع جنسي.. أو ديني أو سياسي كما هو حادث بالفعل بالشارع... فصناع هذه الأعمال يحكمون على أبطالهم بضوابط أخلاقية مسبقة تزيد وتزيد من ضياعهم...

لا شك أن مشهدية لأبطال شبان في ليل مدينة مركبة كما قدمت في "فلافل" لا تنتج عن مدينة هي ليست مختبرا من الحوارات والثورات والمسائلات والتلون... بينما يتفشى التدين السطحي في المحيط سادا الطريق على أي جدل إنساني ثقافي جريء ....

سألني أحد الأصدقاء... لماذا لا نقوم بفكرة مشابهة لمجلة "جسد" هنا في فلسطين... ضحكت ولسان حالي يقول: يبدو انك صدقت بالفعل.. إن القدس هي عاصمة للثقافة العربية 2009.

التعليقات