ملاحظات عشوائية حول سيرتي الأخوين الصايغ../ خليل نخلة*

-

ملاحظات عشوائية حول سيرتي الأخوين الصايغ../ خليل نخلة*
·  باحث وكاتب فلسطيني مستقل
 
 لقد انتهيت للتو من قراءة السيرتين الذاتيتين للأخوين يوسف وأنيس الصايغ. أثارت هذه القراءة بعض الملاحظات التي أود مشاركة القارئ بها.
 
لم يحصل لي الشرف أن التقيت بأنيس الصايغ، أصغر الإخوة. لكني عرفت يوسف كخبير اقتصادي، وعرفته بالتحديد من خلال تفاعله مع مؤسسة التعاون ومشاركته في مؤتمراتها في جنيف ولندن عندما كنت مديرا للبرامج في تلك المؤسسة.
 
 كنا تستعين بيوسف لمساعدتنا في وضع الإستراتيجيات التنموية لعمل المؤسسة في فلسطين. كنا مندفعين بقناعة في العام 1984 وراء إمكانية إحداث تنمية فعلية في فلسطين بالرغم من الاحتلال الاستيطاني والإحلالي. لأسفي العميق، أعتذر علنيا بأني تجانست، كما يوسف، ولو لفترة، مع منطلق الرأسمال الفلسطيني بأنه من الممكن إحداث تنمية حقيقية في فلسطين تحت الاحتلال، وأنه من الممكن تقليد واستعادة خبرة الوكالة اليهودية الصهيونية في ترشيد رأس المال الفلسطيني (الذي سمي آنذاك "الوطني") وتوجيهه لتنمية المجتمع الفلسطيني.
 
 بشكل مواز، وكمختص في علم الإنسان، عرفت روز ماري، زوجة يوسف، على مدى مسافة أطول. للأسف، بالمقابل لم يحصل لي الشرف أن أعرف أنيس شخصيا. عرفته فقط من خلال فكره وكتاباته وأنشطته القومية.
 
 طبعا عرفت فايز حينما كنت في الولايات المتحدة من خلال نشاطاته النضالية في الأمم المتحدة دفاعا عن جوهر القضية الفلسطينية، وخاصة بعد الهجمة التصفوية على القضية في اتفاقيات كامب ديفيد الأول في العام 1978.
 
 أركز ملاحظاتي على الفصلين الأخيرين من كلا السيرتين: الفصل الذي يتطرق له أنيس بالتفصيل حول مركز الأبحاث الفلسطيني التابع للمنظمة، وحيثيات انفكاكه وانعتاقه من هيمنة عرفات، والفصل الأخير في سيرة يوسف الذي عنونه "في السياسة الفلسطينية"، والذي ينتهي أيضا بانعتاقه وانفكاكه من هيمنة عرفات.
 
في كلا الفصلين برز عرفات بدون مواربة كشخص محايل، مخادع، كاذب، عديم الثقة، غير مؤتمن على أية مقدرات للشعب الفلسطيني، وأن همه الأساسي هو ترسيخ وتثبيت سلطته وهيمنته. لم يبرز عرفات في هذين الفصلين، لا وضوحا ولا تمويها، كقائد وطني يسعى لتحرير شعبه من الإحتلال ولتطوير فلسطين كوطن مستقل ومتحرر من هيمنة الإستعمار الغربي، وبالتحديد الأمريكي.
 
بينما يلتقي الفصلان في هذا الاستنتاج، مع الفارق العمري بالطبع بين الأخوين، إلا أن أنيس، الأصغر عمرا، وصل إلى هذا الإستنتاج بعد خبرته في مركز الأبحاث وتدخل عرفات، فئويا وسياسيا، في قراراته. واستنتج بأن عرفات يعمل كل ما في وسعه للمساومة على فلسطين العربية لكي يحافظ على سلطته ونفوذه.
 
 أما يوسف فكان، نوعا ما، متهادنا أكثر، وربما مغرورا أكثر باهتمام البنك الدولي والرأسمال الأوروبي به كوسيلة لتوفير الدعم منهم لسلطة أوسلو. مع أنه وصل إلى القناعة المفضوحة (بخصوص موضوع تأسيس فكرة بكدار في تونس في 1993) بأن هم عرفات الوحيد هو التحكم بالأموال الخارجية التي ستأتي إلى سلطة الحكم الذاتي بغض النظر عن تبعات هذه الأموال وإسقاطاتها المأساوية على المجتمع الفلسطيني.
 
 ربما ككثيرين منا في مرحلة من المراحل، ظن يوسف (وربما أنيس) بأنه من الممكن التأثير في النظام السياسي-الاقتصادي الريعي، المعتمد على أموال مراكز الرأسمال الغربي، من الداخل. وهذا ما يثير التساؤل حول العلاقة الجدلية بين هذه "القناعة" وبين الوظيفة الإستشارية المربحة. هل خدعنا كلنا، بالرغم من الشهادات الأكاديمية والخبرات المتعددة، بأنه من الممكن أن تسمح لنا القوى الرأسمالية الاستعمارية بإنشاء نوع، ولو محدود ومقزم، من الموجود الوطني (ناهيك عن القومي) المستقل، والتي أدت هي نفسها لتدميره؟
 
 العبرة من هاتين السيرتين، بالرغم من التفاوت بينهما، هي أن ما يسمى بـ"القيادة التاريخية الشرعية" للنضال الوطني الفلسطيني هي ليست "قيادة" وليست "شرعية"، ومن المستحيل إصلاحها من الداخل. العبرة هي ضرورة تثوير طاقات الشعب الأصلانية في تواجد أمكنتها المختلفة، وتعميقها وإعادة هندستها للبدء بنضال جديد لتحرير الذات والوطن.

التعليقات