استطرادًا وليس نقدًا: فيلم "وهلأ لوين؟" لنادين لبكي / بن ثابت صليبا*

"وهلأ لوين؟!"... بما أننا لا نمتلك الإجابة! ربما يكون ذلك محفّزًا للمبدعين للمزيد من الأعمال الفنية الحاضنة لهمومنا،ـ والتي تلسعنا بقليل من التفاؤل، وصولاً إلى صناع القرار، السياسيين، الباحثين والمفكرين، لعله يلهمهم بضرورة إيجاد الحلول لكي لا يمتد الزمن الرديء ويطول.

استطرادًا وليس نقدًا: فيلم

- نادين لبكي في أحد مشاهد "وهلّأ لوين؟" -

وقفوا حائرين في وجهتهم، ونعش الطائفية، الحقد والتشنج على أكتافهم، يشحنهم بما فيه من كراهية، أو ربما يمتص غضبهم الموروث! "وهلأ لوين؟" وكأن الأرض التي عليها واقفون مغروسةً بنزواتهم وحاضنة لفرقتهم ونزاعاتهم..

"وهلأ لوين؟"، كان هذا المشهد الأخير من فيلمها الثاني الذي تسنى لي مشاهدته في عاصمة كتالونيا الإسبانية قبل أيام، ها هي المخرجة الممثلة نادين لبكي تلامس في إنتاجها السينمائي الثاني أبعد المشاعر فوق الحسيّة، تنسال الدموع فرحا تارة، وحزنا تارة أخرى، غارقا في مطابقة المشاهد المتسلسلة من الخيال الروائي مع واقعنا الذي هو أشد بطشا وإيلاما لضحاياه.

"وهلأ لوين؟"، هو سؤال العالق وسط المفترق... كيف نكون بغنى عنه ونحن المحتجزون في بقعته المتقلصة، وهو المرادف الأول لكل خطوة، ويخطر مع كل اصطدام حيوي بيومياتنا الشرقية التي تزداد تأزما بتسارع الأحداث والتقلبات الحاصلة، وهذا ما يعيدنا إلى البداية حيث لم يُكتب النص بعد.

استشففنا إبداعها الفني من خلال إخراجها للأغاني المصورة (فيديو كليب)، التي تركت بها بصمتها المميزة بعيدا عن التفاهة والابتذال، وأدهشتنا "بسكر بنات" التي طوّعت وسخّرت عدستها بتحدٍّ لطرح التناقضات السلوكية في مجتمعاتنا العربية (وما أكثرها).

بالتالي، فإنها بشّرتنا بالجديد والتجديد بعد أن أغرقتنا السينما المصرية في العقدين الأخيرين  بكل ما هو تافه ورخيص!

"وهلأ لوين" بجديدها؟ ودون الخوض بالتفاصيل المملة للنقّاد المختصين فنيًّا، يُمكن الإيجاز هنا كالتالي: قرابة الساعتين كنت جالسا فوق تلك الصخرة بجانب الجسر المهدم، أراقب في الجهة المقابلة تلك الضيعة (الوهمية) بحيوية نسائها وشجاعتهن، تحركات وحركات شبابها الصبيانية، ورجالها المقنَّعين العالقين في الموروث القبلي بجوانبه السلبية، بين هُم ونحن، يهمّون خراب العالم تحت أقدامهم.

سلاسة تتالي المشاهد أنستني فعل المُشاهدة، حيث بقيت هناك عالقا بالمقارنات مع ضيعنا وبلداتنا في هذا الشرق، غيبتني عن واقعي لتُعيدني إليه، والتساؤل لا يفارقني: "وهلأ لوين؟!"، هل هنالك معيار آخر لتقييم العمل بهدف تحديد النجاح؟

طبعا لست ساذجا لأن أعتقد أن العمل يخلو من أي شائبة كالمؤثرات الحسيّة والضرورات التقنية بجوانبها المختلفه (على أهميتها)، إلا أن نجاح المخرجة في الدمج بين العمل الفني من جهة، وطرح القضايا الاجتماعية الانسانية الحياتية بشفافية، ودون مواربة من جهة أخرى، أدى إلى تحجيم تلك العيوب (المهنية) الهامشية، وساهم في إثراء العمل وإضافة تلك النكهة الخاصة التي طالما طلبنا وجودها في الإنتاج الفني على تنوعه.

"وهلأ لوين؟"...

بما أننا لا نمتلك الإجابة! ربما يكون ذلك محفّزًا للمبدعين للمزيد من الأعمال الفنية الحاضنة لهمومنا،ـ والتي تلسعنا بقليل من التفاؤل، وصولاً إلى صناع القرار، السياسيين، الباحثين والمفكرين، لعله يلهمهم بضرورة إيجاد الحلول لكي لا يمتد الزمن الرديء ويطول.

 

* كاتب فلسطيني مقيم في برشلونة.

التعليقات