11/02/2005 - 14:29

بول شاؤول:المجتمع العربي بحاجة إلى مراجعة نقدية ذاتية/ إيفلين الأحمد

-

بول شاؤول:المجتمع العربي بحاجة إلى مراجعة نقدية ذاتية/ إيفلين الأحمد
حين تلتقي بول شاؤول يبدأ الصراع لإثبات الهوية وتعددها، فيَصِل إلى الذات وتدمير الذات، ليرتفع إلى أفق أسمى ويستقر في محطة الحرية بعيدًا عن‏ الأبواق التي تسمعنا ما يريده الآخر، ليكشف لنا رموز البشرية وما يخبئ في غياهب الثقافة. بول شاؤول يسير في رحلة البحث حتى يجد لغة تحاكي كل العقول ليتغلغل داخل المجتمع المديني في أعماق أعماقه.‏

لغة يخشاها الضعفاء, كلام يحاكي الإبداع, مساحة من الفكر لا تتوقف عند حد, اعتراض على كل من استعمل الثقافة والإبداع عكاكيز يتكئ عليها خوفاً من أن تغدو الثقافة كالمرأة المعوقة التي تشفق عليها، وبالتالي تصير عبئًا علينا يجادل بدلائل مدروسة مقنعة تحارب تعدد المصطلحات والثقافات التي تهدف للقضاء على ملامح المثقف العربي، ليوضح صورة المثقف التي ضاعت ملامحه وسط فوضى الإدعاءات التي امتدت بنا أكثر مما ينبغي، حتى أصبح بنقده الحد القوي. أصبح مصدراً يقلق البعض امتلك فطنة ولغة شكلت رعباً وخوفاً للبعض, لغة تخترق كل جدار معتم أو ضوء زائف.

شخصية يتراءى للبعض فيها نزعة نرجسية لا يحملها سوى أعلام عظام تذكرنا بأعلام الأدب الروسي؛ شخصية صلبة وملامح واثقة. يبدأ بكتابة كلماته بريشة من ذهب بأفكار ثابتة. كالقلب يرشد الدماء إلى الأوردة، «هو ذا بول شاؤول»، الذي فرض بثقافته وإلمامه الشامليْن أن يكون مدرسة للنقد، فشكل محوراً بحد ذاته.. سائر على خطا جلجامش العظيم، دائم البحث عن سرّ الخلود ونبته الحياة.. كاتب.. شاعر.. ناقد.. خلق لغة جديدة لمجتمع تائه يبحث عن الانتماء.

* يُقال إنك أديب إشكالي فمن أين جاءتك هذه الصفة?‏

شاؤول: "أديب إشكالي؟؟ كل أدب هو أدب إشكالي... وكل جديد هو إشكالي, لأنه يطرح لغة جديدة تصطدم أحياناً بواقع معين متراكم صلب قديم هش, فيولد هذا النص صداماً مع الذوق السائد أحياناً، مع الجمهور والنقاد، الذين يكونون في مواقع ثابتة, وكل ما هو في موقع ثابت يصطدم بكل ما هو جديد، فيحدث هذا الإشكال وهذا الالتباس أو هذا الصدام إذا صح التعبير.‏"

* هل ثمة إشكاليات طرحتها ندوات هذا المهرجان المسرحي?‏

شاؤول: "لم تكن ثمة إشكاليات كبيرة في هذا المهرجان, لم يكن ثمة صدامات كبيرة مع الصيغ التي وصل إليها المسرح في بداية الستينات والسبعينات والثمانينات. نحن ما نزال نعيش والمسرح مازال يعيش اليوم على خبز الستينات. لم أشاهد ما يشكل إشكالية مع النتاج المسرحي الذي برز بين 1955 و1980 وكل ما رأيناه حتى الآن موجود من حيث الإخراج والرؤية الإخراجية المشهدية أو الرقص أو الحوار أو طريقة إعداد الممثل, كلها موجود في صيغ قدمت في أعمال مسرحية على امتداد ربع القرن الأخير.‏

"كنت أحب أن يكون هناك التباس وكنت أحب أن اصطدم بشيء جديد قوي, في عروض هذا المهرجان المسرحية؛ تلك الصدمات الكبرى التي تقترح لغة جديدة تحطم وتدمر الموجود وتعطي شكلاً يطغى على أي التباس فيه, ولكن هذا لا يمنع أنه كان هناك أعمال جيدة ضمن هذا الإطار.‏ "

- الأعمال التي أخذت حيزاً في نفسك.‏

شاؤول: "هناك عدة أعمال منها المسرحية الأردنية "مصابة بالوضوح" لسوسن دروزة, ومسرحية "شوباش" لهاشم كفارنة لا بأس بها جيدة, والمسرحية اللبنانية "نساء سعد الله ونوس" جميلة ويوجد بها كثير من الإتقان، والمسرحية الجزائرية "التمرين" أيضاً جيدة.‏"

* هل استطاع المسرح العربي أن يرتقي إلى مستوى المهام الملقاة على عاتقه?‏

شاؤول: "في بعض المراحل نعم, ولكن لا يمكن أن نعطي المسرح مهمات العسكر والبرلمان والحكومة والوزارات؛ إنّ مهمته هو كبيرة جداً في المجتمع في المساهمة في تغيير ضائقة المجتمع ورؤيته للأشياء, لكن لا يمكن أن نحمل المسرح وظيفة سياسية حزبية.‏

"المسرح مهما كان الموضوع أو الحالة أو القضية التي يعالجها ينبغي في النهاية أن يخدم عبر هذه المواضيع لغته المسرحية عبر تطويرها- لا يمكن أن تعطيني المسرحية أفكارها كبيرة جداً ولغتها فقيرة، فهي هنا تقع في اللامسرح؛ ولا يمكن أن تعطي مسرحية تقنيتها كبيرة جداً وفارغة وتقع في الشكلانية. إذاً هذا التوازن بين المضمون أو الحالة وبين اللغة المسرحية.. هذا مطلوب لأنني أنا أعمل مسرحًا ولأنني أصوغ مسرحاً, فينبغي أن أكون على علم ودراية بما هو المسرح."‏

- أنت متهم بالنقد الصعب, لماذا?‏

شاؤول: "طبعاً. أنا أنتقد، المجتمع كله بحاجة للنقد, والمجتمع العربي بحاجة إلى مراجعة نقدية ذاتية لكل أحوالنا الحزبية والسياسية والأيديولوجية والدينية. نحن في مرحلة يجب أن نمارس فيها نقداً ذاتياً على أنفسنا- هذا قبل كل شيء, لأنه إذا غاب النقد عند الشاعر سقط شعره، يعني أنه وقع في مستنقع ذاته. نبدأ بالنقد الذاتي, الانهيارات التي وصلتنا اليوم (العالم العربي والأمة العربية) آتية لأنّ الأنظمة منعت النقد, منعت الأحزاب والمجتمع المديني وهذا ينطبق على المسرح."

- كيف يكون النص المسرحي تعبيرًا حضاريًا نابعًا من صميم هذا الشعب?‏

شاؤول: "هذا يعود إلى كل مؤلف. ليست هناك مواصفات للنص؛ كل نص مسرحي تولد مواصفاته بعد كتابته وليس قبلها."‏

- إذاً لا توجد أية رؤية عن النص إلا بعد كتابته وبعد عرضه.‏

شاؤول: لا أقصد أن هذا أولاً, لأن هناك مدارس ونظريات تقييد حرية النص, هذا قتل للنص, قتل لحرية الكاتب المسرحي.‏ كل تجربة لها نصها.. ورؤيتها النصية, وأنا بالنسبة إليَّ, النص عموماً ينبغي أن يكون نصاً مسرحياً أولاً وأخيراً - يمسرح الحالة ويمسرح الذات.‏"

- ما هي أسباب التراجع على صعيد المسرح اللبناني ومتى يمكن أن يعود المسرح اللبناني إلى سابق عهده.. زمن الرحابنة?‏

شاؤول: "المشكلة ليست لبنانية والرحابنة خارج الهامش المسرحي.‏ عندما نتكلم عن المسرح اللبناني لا نقصد الرحباني؛ نتكلم عن تجاربه المسرحية وليس الغنائية مثل: يعقوب الشدراوي, نضال الأشقر, روجيه عساف، ريمون جبارة؛ هؤلاء هم أساس المسرح التجريبي الكبير والسياسي الكبير. منصور الرحباني ينتمي إلى المسرح الآخر الذي هو نصفه مسرحية ونصفه لا مسرح يعني مسرحًا غنائيًا، وفيروز وطرب مع التشديد على أهمية هذا المسرح الغنائي الذي أحياه الرحابنة بعد موت السيد درويش.‏"

- المسرح الغنائي ما علاقة المسرح العربي بالأغنية?‏

شاؤول: "إذا قلنا إنّ المسرح بدأ مع الغناء، فليس غريباً أن يكون المسرح العربي اعتبر الأغنية عنصراً خاصاً من عناصره وحاول إذابتها في بنية المسرحية. خصوصية تأرجحت بين عمل مسرحي فيه أغان وألحان وبين عمل مسرحي يطغى فيه العامل الغنائي عموماً وبين عمل مسرحي لامس الأوبرا والأوبريت معاً وبين عمل مسرحي توافرت فيه شروط المسرحية.‏"

- الجميع يؤكدون أهمية مسرح أبو الخليل القباني الذي كان يعتمد على العنصر الغنائي فكيف تحدثنا عما قدمه هذا المبدع الكبير باختصار?‏

شاؤول: "الحدث البارز كان في مجيء أبي الخليل القباني الدمشقي إلى مصر. والمعروف أنّ القباني كان «الممثل المبدع الشامل, فكان شاعراً وموسيقياً وأديباً وممثلاً». لهذا باتت أعماله أكثر وحدة وأعمق نسيجاً وأشمل خصوصية, وتميزت مسرحياته بعنصر الرقص الإيقاعي إلى العنصر الموسيقي والغنائي, وكان يتناوب على الغناء في مسرحياته عبده الحامولي, وسيد درويش، الذي كان يلحن لفرقة جورج أبيض وحجازي مسرحيات منها: فيروز شاه والهواري وهدى والدره اليتيمة والبروكة والعشرة الطيبة. ويقال عن أبو الخليل القباني أنه "كان في المسرحيات منحى جديداً من إيقاعها الراقص والحبكة الموسيقية المسرحية"."‏

- ما هي الخصائص التي تؤدي إلى نجاح العمل المسرحي الغنائي?‏

شاؤول: "أن تكون الأغنية جسر المشروع الذي يعتمده المسرح للوصول إلى الجمهور وأن يكون النص المسرحي كاملاً أمُترجماً كان أم موضوعاً، وسواءً أخَضَع للتلحين أم أدخلت عليه الأغنية، ويترافق العمل بوجود الفنان الشامل وأن يكون مؤلفو العمل المسرحي الغنائي "ملحنين أو موسيقيين أو مطربين".‏

"وأيضاً تنوع الأغنية بين "تطريبية في المسرح وإقحامية ودرامية داخل العرض" وأن يُقدم المطربون إلى المسرح كمطربين وليس كمسرحيين، بالاضافة إلى العنصر الاستعراضي (ديكورات ورقص وبروز الرقص التعبيري). ويجب أن تتوفر النصوص الأدبية. فقد ساهم الكثير من الشعراء والأدباء باعتبار أنّ الكتابة المسرحية كانت على اتصال بالأدب و الكاتب المسرحي. والمخرج الذي عليه أن يكون حامي الخصوصية وحامي المسرحية واحساسات المؤدي وبراعته وربما الجمهور ومشاهدة المسرحية على الخشبة. "الجسد والصوت" يمسرحان النص ويعطيانه بعده المادي الآخر والمسافة المادية التي يقطعها النص إلى للأخر، أي الانتقال من خصوصية إلى خصوصية.‏"

- عندما نتحدث عن المسرح الغنائي فلا بد لنا أن نقف عند مسرح عاصي ومنصور الرحباني. حبذا لو حدثتنا عن بدايات مسرح الرحابنة?‏

شاؤول: "بدأ الرحبانيان عملهما في المسرح وفي الأغنية والشعر. دخلا في مجالات تكاد تكون مشاركة خصوصاً المسرح، فكانا يبحثان عن شكل يستوعب تدفقهما الموسيقي والشعري خارج إطار الأغنية. وقد جاءت مهرجانات بعلبك الفرصة الذهبية لبداية تحقيق هذه التجارب فكانت هناك إنجازات حققاها في إطار المسرح, كشاعرين يريدان أن يساهما في حركة التجديد الشعرية خصوصاً, وكموسيقين حققا ثورة في مستوى الموسيقى والأغنية العربية وكمسرحيين يريدان أن يؤسسا لشكل مسرحي يكون قادراً على احتواء هذه الإنجازات. فجمعا الشعر والأغنية والفلكلور الشعبي للسعي إلى العرض المسرحي والاسترسال فيما هو استعراض في مستويات الفلكور والرقص بشقيه الفلكوري وغير الفلكلوري.

"الصراع كان بين عناصر التجربة الرحبانية, يخفي في الواقع صراعاً حاداً بين محاولة المسرحة أي التوصل لمسرح غنائي شامل وبين العناصر اللامسرحية التي تهدد هذه المسرحية. هذا الصراع الذي يقدم النجم مطرباً كعنصر أساسي في العمل أمثال وديع الصافي, صباح, نصري شمس الدين, جوزيف عازار, ملحم بركات, وخصوصاً فيروز، نجمة التجربة الرحبانية الكبيرة.."

- هل هناك أي سلبيات في أعمال الرحابنة?‏

شاؤول: "الأغنية الدرامية التي تختلف إلى حد ما في جوهرها عن كتابة الاغنية الجمالية وأن لم تنفصلا، كانت دراميتها لذاتها أحياناً كثيرة, كما الموسيقى التعبيرية, التي تحشد حشراً أحياناً كما في مسرحية «لولو» التي لعبت دور البطولة فيها فيروز. في المسرحية أغنية درامية تشطح لقوتها الخاصة أو تلك التي تأتي من خارج السياق فتقتحم اقتحاماً وتجمد هذا السياق كما في أغنية "راجعين يا هوى راجعين" التي تلي أغنية "الله معك يا هوانا" بعد لقائها الأخير "لقاء البطلة فيروز" مع خطيبها وخيبتها, فكأنّ الأغنية تأتي عكس الجو والموقف "رغم الطابع البحثي عن الشكل والصيغة". وحملت مرحلة التأسيس عند الرحبانيين عمق ملامح المسرحية الرحبانية وقدمت أعمالاً تتسم بحسّ درامي رغم الاهتمام بالشكل والإيقاعات المرهفة، وإن تم ذلك على حساب المضمون.. وتأثر الرحبانيون هنا بميشال طراد وسعيد عقل؛ سعيد عقل الذي لحق أحياناً القصيدة كشاعر ولم يلحق دائماً متطلبات العمل المسرحي ككاتب وشاعر ومسرحي كما في "مسرحية قدموس وبنت يفتاح"."‏

- كيف ترى المسرح السياسي العربي?‏

شاؤول: "كأنما لم يبق من المسرح السياسي العربي أثر يذكر. هذا الانطباع تكرس سواء أعبر المهرجانات أم العروض المنفردة في "مهرجان القاهرة التجريبي" و"قرطاج" و"المهرجات الخليجية" و"عمان"، كأنما تراجع المسرح السياسي أدى إلى حد كبير إلى تراجع المسرح ككل، كما لو أنهما توأمان وكأنما الجمهور بابتعاده عن الحالة المسرحية كان يسجل ارتباطاً بالسياسي.‏"

- كيف تعامل المسرح العربي مع المسرح الغربي وثقافات الآخر المتعددة?‏

شاؤول: "لم تؤدِّ الاستفادة من المسرح الغربي إلى اقتلاع صورة المسرح العربي ولا أحب هنا التكلم عن التأصيل بل إنني أحب الكلمة التي تقترح "الهوية" مفترضة ثابتة وخصوصية تؤدي إلى الانغلاق. التهجين هو وراء ثورة المسرح العربي والتهجين المزدوج هو الذي ساهم في تطوير الآليات الفكرية والوسائل التقنية, حتى نكاد أن نقول إن المسرح العربي ما كان ليكون لا سياسياً ولا أيديولوجياً ولا فنياً لولا الانفتاح الإيجابي على ثقافات الغير. ولأنّ هذه الثقافة قُرئت قراءة إبداعية تأويلية مشروعة مرتبطة بالظروف التاريخية والإرهافات الفنية, فإنها استخدمت البرشتية عند بعضهم بصورة إبداعية؛ فصارت برشتية عربية كمفردات محتملة لصياغة نص جسدي بتقنيات أضافت إليها ضلالات أخرى وهذا ما حدث مع سعد الله ونوس ومحمود دياب ونجيب سرور ومحمد بن قطاف وسعد أردش.‏

"لكنّ هناك من تعاملوا مع هذا "التهجين" من باب الببغائية أسواءً من رواد المسرح والاتجاهات الغربية أم مع الفلسفات والإيديولوجيات الوافدة‏."

التعليقات