31/10/2010 - 11:02

أنا مصري زيّك!/ رشاد أبو شاور

-

أنا مصري زيّك!/ رشاد أبو شاور
هذا العنوان ليس من عندي، فهو العبارة التي ناداني وكرّمني بها أخ مصري وأنا أهّم بدخول الفندق الذي كنت أنزل فيه في العاصمة القطرية الدوحة، ضيفاً علي برنامج (الاتجاه المعاكس)، وكنت عائداً إلي الفندق بصحبة صديقي الشاعر غازي الذيبة الذي يعيش في قطر ويعمل في الصحافة منذ سنوات.

ففي مساء يوم الأربعاء، اليوم التالي لبّث حلقة (الاتجاه المعاكس) حول (التطبيع...) ـ الثلاثاء 5 نيسان (ابريل) الجاري ـ ناداني رجل باللهجة المصرية:
ـ يا أخ، استنّي شويّة، أنا مصري زيّك...
كان الرجل المنادي منهمكاً في تبادل الحديث مع رجل آخر في كراج السيّارت عندما لمحني وأنا أخرج من سيّارة (غازي).
ظننت أن في الأمر خطأ، وأن الرجل شبّه علي بحيث اختلط عليه أمري بمن يعرف، فتلكأت في مشيتي، ولكنني رأيت الرجل يغّذ السير باتجاهي إلي أن صار علي مقربة منّي، ففتح ذراعيه وعانقني بحرارة وهو يردّد العبارة نفسها:
ـ أنا مصري زيّك يا أخ رشاد ...
وليعرّفني بنفسه ـ وقد عرفت من لهجته أنه مصري ـ أضاف :
ـ أنا مدير شركة مصري مقيم في (دبّي)، وجئت إلي (الدوحة) في عمل . شاهدت حلقة (الاتجاه المعاكس) أمس، وافتخرت بأنني مصري زيّك، فأنت عربي وأنا عربي، وأنت ناصري وأنا ناصري، يعني نحن معاً من جيل الستينات الذي يتطاول الجهلة والمغرضون عليه، وعلي معاركه، وشعاراته، ومبادئه. إنهم حقاً كما وصفتهم: إقليميون، وطائفيون، ومرضي، ومهما حاولوا منح أنفسهم أوصافاً أخري تضليليّة.

أنا صديق عبد الحكيم جمال عبد الناصر، الذي يعمل بشركة صغيرة للتعهدات، والذي لم يخلّف له والده قائد الأمّة، ولأخوته وأختيه وأمهم، سوي الكرامة والنزاهة، وصون المبادئ، وطريق العيش بشرف كملايين المصريين.

عبد الحكيم يا أخ رشاد دخل السجن في الإمارات لأنه عجز عن تسديد ديون متواضعة، هو ابن جمال عبد الناصر الذي من سمعة والده يمكن أن يصبح غنيّاً فاحش الثراء، والده الذي أعطي عمره لأمته ورحل بكف نظيف، وسيرة ستبقي أبد الدهر، وترك لنا المبادئ والطريق.

لقد تدخّل الدكتور الشيخ سلطان القاسمي حاكم (الشارقة) لإطلاق سراح عبد الحكيم، لأنه من العار أن يزّج بابن عبد الناصر في السجن لعجزه عن تسديد مبلغ مالي متواضع، وكأنما يعاقب علي اختياره الشغل والعيش من عرق جبينه، وعلي كونه ابن جمال عبد الناصر.

انظر إلي الذين نهبوا مصر، وأغرقوها كما قلت في الديون، ويمتلكون المليارات من دم شعب يغرق في الفاقة والمرض، وبلد تنهكه المديوينة، تربطه أمريكا من معدته ببواخر الطحين والمساعدات المقننة المحسوبة.

أنت الفلسطيني تحّب مصر أكثر من كثيرين يدّعون أنهم أبناؤها، وأنهم مخلصون لها، وحريصون عليها. أنت تريد لمصر أن تكون قائدة الأمّة وسندها و(كبيرها) كما كانت في عهد ناصر، أيام كانت قائدة لأفريقيا، وللعرب، وفي قيادة عدم الانحياز، وشبعانه خبز وكرامة.. مش وسيط بين أخوتنا الفلسطينيين و..شارون! .

عشان هيك يا أخ رشاد أنا بأقلّك أنا مصري زيّك، أنا من مصر اللي كانت تقود، وتطعم، وتعّز، وترفع رؤوس العرب.
اختلج صوت الرجل، وأجهش المواطن العربي المصري، في البكاء، وهو يضرب كفّاً بكف مردداً كلمة: مصر، يا خسارة يا مصر، مصر...

أخذ قلبي يضرب بقوّة، ووجدتني أعانق أخي (محمود إبراهيم)، الذي ناولني بطاقة عليها عنوانه وهاتفه وبريده الإلكتروني في (دبّي)، ملّحاً بأن أكون ضيفه.

مشيت وبجواري صديقي الشاعر غازي الذيبة ـ بلدياتي، فنحن من قرية واحدة: ذكرين القريبة من بيت جبرين، والتي تنتمي لقري قضاء الخليل، والتي علي ترابها خاض الجنود المصريون والسودانيون معارك عام 48 ـ الذي أخذ يتمتم مردداً عبارة أنا مصري زيّك.

وإذ توقفت بعد ارتقائي لدرجات مدخل الفندق، أدرت رأسي فرأيت أن الرجل ما زال واقفاً في مكانه، وهو يضرب كفّاً بكّف، وجسده يختلج، فناديته وقد عرفت اسمه:

ـ يا أخ محمود.. يا أبو حنفي: أنا فلسطيني زيّك.. أنا فلسطيني زيّك يا أبوحنفي.
واختلط صوتانا فما عدت أميّز احدهما من الآخر:
أنا مصري زيّك
أنا فلسطيني زيّك...

التعليقات