31/10/2010 - 11:02

بلغ السيْر الزبى!../ رازي نجّار

-

بلغ السيْر الزبى!../ رازي نجّار
كنت جالسًا في القطار المجنِّب إلى تل أفيف بسرعة تفوق الواحد وخمسين سمة بدن في الساعة، حين اقترب منّي شابٌ يهودي أسمر، أقرع، كهانيّ الملبس، عربي المنبع، كُتبت على قميصه التائق لغسّالة عنيدة ملحاحة، عبارة “المسيح في تل أفيف”. ابتسم لي وسلَّمني منشورًا غزيرَ النص.

رددت الابتسامة بعكسها، ليس لأنّه نتنُ المحضر والمعشر فقط، بل لأنني، عادةً، عابس و”عايف الترين” عندما أكون مشحشطًا على سكة الحديد. أما قبل؛ فسبب مقتي الشديد لقطار إسرائيل – طبعًا إلى جانب أنه يعاني دائمًا من متلازمة “المرحلة الثانية من المونديال” التي تتيح مغط الوقت الرسمي بنصف ساعة كأدنى حد – هو أنه يضعني وجهًا لوجه يوميًا مع ظواهر غرائبية لا معقولة ليست هي موضوعنا الآن، لكن منها أن تجلس مثلاً إلى جانب ثلة من جنود الاختلال العرب (“بدﭬـيم” بالتقسيم الإسرائيلي) فيزعجك تصرفهم لدرجة أن تنشغل عن السؤال الأساس (لماذا تخــدمون؟) لتنحرف نحو محاولة استيعاب كيف أنَّ هؤلاء الضالين لا يجدون أي عيب في الاستماع، وإسماع كل المسافرين معهم، مواويل وأشعار حدّاء يحدو جواهر تشدد على أنّ “هاي التينة بتحمل تين” وتؤكّد على أن “تحت الزفتة في كركار” وتلفت النظر (انتباه!) إلى أن “حب الوطن راس الدين”. وضحت الصورة، وبعد.

بما أنني نسيت صحيفتي في البيت، وتناسيت الصحيفة التحريضية التي توزع في محطة القطار، قلت أشغل بالي بما تيسّر، فالنعاس غير حاضر اليوم (ليل صغيرتي ليلى لم يعاتبني الليلة)، وبدأت بقراءة المنشور الذي كان عنوانه “كلام الله لشعب إسرائيل” - لا أكثر ولا أقل (للمزيد: m424.com).

في البداية شعرت بنوع من الانتصار الخبيث، فها أنا العربي الماكر المخادع أخترق الحصن بلا عناء وأتجسس على كلام الله لشعبه المختار. كان كلام الإله الذي ظهر لي على الريق يبشر بنهاية قريبة وحتمية لإسرائيل (قبل نهاية دورة الكنيست الحالية!!) على شكل صواريخ من إيران وسوريا، وسرعان ما ستنضم إليهما السعودية ومصر (هنا بلّش الهبل) وكل العالم الإسلامي والمسيحي ضد إسرائيل! وما لن تنهيه الحرب ستجهز عليه الهزة الأرضية القادمة لا محالة، لذا على اليهود أن يسارعوا إلى الخلاص الذي ينتظرهم على شكل مسيح مغمور يعيش حاليًا في تل أفيف (الناصرة آوت، تل أفيف إن!).

بعد هذه الافتتاحية التفاؤلية، غير المفاجئة في مضمونها، جاءت الفقرة التي دغدغت كبريائي ومنحتني شعورًا بأنني رجل هام، ابن شعب مهم له حضوره القوي في ملعب الشؤم هذا. ففي الفقرة التالية، والتي شكلت القسم الأكبر من مضمون النص، خصّ المسيح التل أفيفي “عرب إسرائيل” بجلّ طاقاته التحريضية، مكررًا الكلام الذي نعرفه جميعنا ونسمعه ليل نهار قادمًا من الكنيست وغيرها من مؤسسات شعبه المحتل. لكن، بما أن مسيحنا تل أفيفي، فعلى أفكاره أن تكون شبابية ومبدعة ومبتكرة، وهنا كان الادعاء الذي فاجأ حتى من ربّى مع الزمن جلد تمساح، مثلي ومثلكم.

يقول مسيح المنشور المريض في ما يقول: “منذ سنوات يحارب عرب إسرائيل اليهود ويقتلونهم بسياراتهم من خلال حوادث سير مقصودة ينفذونها في الشوارع، ويعدمون الكثير من الإسرائيليين كل يوم وكل شهر”!

هكذا، بين حيفا وتل أفيف، اكتشفت أنني إرهابي كاميكازي مرخّص من وزارة المواصلات، بل سبق أن نفذت قبل سنوات بعيدة عملية فاشلة راح ضحيتها “طمبون” سيارة أبي، وأملك الآن سلاحًا فرنسيا فتاكًا من إنتاج “سيتروان”... زوجتي إرهابية أيضًا، حتى أنها اجتازت دورة “إنعاش” قبل شهرين حتلنت فيها كل ما تحتاجه من معلومات لتقوم بالعملية التالية على أحد شوارع الجليل. أبي أيضًا إرهابي برخصة عمرها أكثر من 40 عامًا، أخي إرهابي طليق، زد على ذلك أنني ولدت وترعرعت في بلدة ذاعت موهبة أبناء الطائفة الرابعة فيها (المجلّسون) في مجال إعادة تأهيل الأسلحة/السيارات المعطوبة. ما هذا، كل الذين أحبهم إرهابيون؟! كنت أظن أن وحده/ا راكب/ة سفن الحرية إرهابي/ة، وتبيّن أن راكب السيارات لا يقل ترعيبًا وترهيبًا بحسب ناموس مهووسي الدولة العبرية، وما أكثرهم!..

الآن فقط فهمت سر الازدواجية التي أعيشها متخبطًا كمشجع لمنتخبين في هذا المونديال. إنها ميولي الإرهابية التي تدفعني لحب فريقين يمثلان الإرهاب العالمي في هذا الحدث العالمي؛ الأرجنتين الذي يقوده مرادونا صديق الإرهابيين هوغو تشافيز وفيديل كاسترو، مرادونا الذي شتم طيب الذكر جورج بوش في كل مناسبة، مرادونا الذي يحمل معه وجه الإرهابي تشي غيفارا وشمًا على ذراعه؛ والبرازيل – الدولة التي يرأسها لولا (لي - الله محيي شوارعنا) حليف إيران الجديد.

قبل أن أنزل في المحطة القادمة، لا يسعني إلا أن أوجه رسالة لجميع القراء أدعوهم فيها من على صفحات هذه الصحيفة، التي لا توزع في القطار، ألاّ يتوجهوا سائقين إلى تل أفيف لكي نقلِّل معًا احتمالات مقتل المسيح التل أفيفي في حادث سير إرهابي، فمن يعرف، قد تتحقق نبوءته، وفي سبيل تحقيق نبوءة كهذه أنا مستعد للتنازل عن سلاحي الشخصي وأدعو للإعلان عنّا مجتمعًا منزوع الأسلحة، البرايفِتات منها والجيبات، فلن يحدث شيء إذا ضحينا مؤقتًا بـالسيارات وزماميرها الممكننة بعد كل فوز للبرازيل واستبدلناها بأبواق طبيعية جنوب أفريقية، فهنا بالذات، الغاية تبرر الفوفوزيلا!

التعليقات