31/10/2010 - 11:02

نعيد الى حيفا نكهتها..

نعيد الى حيفا نكهتها..
يسرني ويشرفني أن أفتتح هذه الأمسية الثقافية التي يلتقي فيها معهد اميل توما ومسرح الميدان لتقديم نشاط ثقافي أردنا له أن يكون مميزا، وأن يكون فاتحة لسلسة نشاطات تليق بحيفا وأهلها وزوارها وثقافتها، وتعيد اليها حيويتها الابداعية ومناخها الفكري وذاكرتهاـ تجمع بين ماضيها وحاضرها وبين ارتخائها وصحوتها، كما تجمع بين الجبل والبحر.

نحتفي بثلاثة كتب عربية حيفاوية، ليس لأن صدور الكتب في حيفا هو أمر نادر بل لأن صدور الكتب في حيفا كان خبزها وكانت حيفا الثقافة نبع عطاء ومحط أنظار، وان أصابها في سنوات القحط وهن واسترخاء فها هم أبناؤها يوقظونها في ثلاثة أعمال لكل ما يميزه ، شكلا ومضمونا لكن الكتب الثلاثة ما هي الا تعبير صادق عن ارادة أبناء حيفا في رؤية مدينتهم تعود الى ربيعها الأدبي.

نادرة كتب الفلسفة العربية الصادرة في بلادنا.

قبل ثلاثة وثلاثين عاما عندما أصدرت كتاب الفلسفة الأول في البلاد بعد النكبة تصورت أنني ومعي آخرون سنقيم الفلسفة في هذه البلاد وسيزداد كتابها وقراؤها، لكن الهموم اليومية والحالة العبثية التي نعيشها أبعدتنا عن الفلسفة التي هي الفكر النظري الصافي وهي التأمل الأعمق في الحياة وأسرارها، ويسعدني شخصيا أن الصديق الدكتور جوني منصور يعيدها الينا ويعيدنا اليها عبر شخصيتين تاريخيتين يونانية وعربية أعطتا الفلسفة أسس الفكر النظري الخالص. أفلاطون والفارابي، المعلم الأول والمعلم الثاني.

في سنوات القحط يهمل الشعراء والمبدعون، لكن يأتي من لا يطيق هذا الغبن التاريخي فيعيد للشعراء الذين رحلوا حضورهم ويجمع أوراقهم المتناثرة وقصائدهم ويقدمهم لنا ليقول للأجيال التي تميل الى اهمال الآباء: من ليس له ماض ليس له مستقبل.

عصام العباسي كان معلم الشعراء في هذه المدينة وهذا الوطن، والمربية عايدة حوراني تصرالله، باندفاع ذاتي، لملمت قصائده المبعثرة بعد أن رحل بعيدا عن حيفا وها هي تقدم لنا شاعر حيفا يوم كثر فيها الشعراء.

حيفا هي ذاكرة أولا، هي ذاكرة في ما تبقى من بناياتها العربية وهي ذاكرة في من ظل على قيد الحياة يوم هاجمها الموت والتشريد والرحيل ، وهي ذاكرة في ما تركه أبو سلمى ووديع البستاني وحسن وجميل البحري ونجيب نصار وخليل بيدس والأب اسطفانس الياس وحنا نقارة واميل توما واميل حبيبي وعلي عاشور وجبرا نقولا وبولص فرح وصليبا خميس ومحمد خاص وعصام العباسي وكثيرون رحلوا ومنهم من جمعت آثارهم لكن الكثيرين ما زال عطاؤهم في الجوارير والخزائن القديمة، وحيفا أيضا هي "مارغاروش"، هي الخرافة وهي الحكاية البسيطة، وهي بائعات الفول واللبن والترمس والثياب العتيقة في أزقة الوادي، وهي الناس البسطاء الذين يحضرهم الصديق الدكتور ماجد خمرة ليقولوا لنا ان حيفا هي رواية عظيمة وتعشق أبطالها الى حدود الجنون.

نعيد الى حيفا نكهتها يوم كان الفكر والصحافة والمسرح والغناء كشكولها الثقافي وكان الخطباء يعتلون المنابر لساعة من التجلي حول قيمة الانسان والوطن والحب والتسامح، واليوم أصبحنا نخاف على هذا الخطاب من هشاشة ما يأتينا من بعيد ليحتل وعينا ومستقبلنا.

نعيد الى حيفا حنينا الى الشاطيء الذي صارت تحجبه عمارات العولمة الرمادية والزجاجية والقصدير الذي يثير الكآبة.

نعيد الى حيفا شيئا من فرحها في زمن الموت المبتذل على شاشات التلفزيون، في صالوناتنا الممخملة.

نعيد الى حيفا حكايتها المنسية وشعراءها الغائبين عسانا نجعلها المدينة الفاضلة أو جمهورية الفلاسفة والحكماء.

فلنتقدم من حيفا الى حيفا


التعليقات