30/06/2011 - 15:54

عَوْدَة !../ ميسان حمدان

استيقظَت مذعورة من صوت الرّصاص، رغمَ أنّها اعتادَت صوتَ الرّصاصِ والانفِجارات إلّا أنَّ ذلك الصّوت لم يكُن عاديًّا

عَوْدَة !../ ميسان حمدان
استيقظَت مذعورة من صوت الرّصاص، رغمَ أنّها اعتادَت صوتَ الرّصاصِ والانفِجارات إلّا أنَّ ذلك الصّوت لم يكُن عاديًّا.
 
عَوْدَة، الطّفلة التي تبلُغُ العاشرةِ من عمرِها، فقدَت والدَيها عندَما كانَت رَضيعة وكبُرَت في بيتِ جدّتها. تلكَ الطفلة، لم تَذهب إلى المدرسةِ قطّ، لم تعرف ما معنَى الطّفولة، لم تنطُق بكلِمةِ "أُمّي" أو "أبي" أبدًا!
 
كانَ موتُها مُتَوَقّعًا في كلِّ لحظةٍ في ظلِّ الاحتِلالِ الصّارِم، تمامًا كأيِّ شخصٍ آخر.
أيُّ حياةٍ هذِه عِندَما تُسلب أبسط الأمورِ من الإنسان؟
أيُّ حياةٍ هذِه الّتي تهدّدُ هؤلاء الأشخاص بانعِدامِها؟
أيُّ حياةٍ هذِه الّتي تجعَلُ شخصًا غريبًا في وطنِهِ؟
 
مَضَت عَوْدَة في طَريقِها إلى عينِ الماء الوحيدة المتبقيّة في المنطَقَة، لتَمْلأ الجرّة، فقَد كان يصعُبُ على جدّتِها القيام بذلِك بسبب البُعد.
 
في طريقِها كانت تسمَعُ وقْعَ أقدامِ الجنودِ من كُلِّ حدبٍ وَصَوْب، وكانت تحسُّ بنظراتهِم المتوَجّهة نحوَها حيثُ ارتعَشَت من الخوفِ ولم تجرؤ على رفعِ نظرها. أكمَلَت طريقها وسَرحت بخيالها السّاذَج... كانت تقول في نفسِها لَو أنَّ والديَّ لا يزالانِ على قيدِ الحياة، فكيفَ يكون شكلهما يا ترى؟ هل أشبِههما؟.. ولو أنّ بلدَتي لم تكُن مهدّمة ومدمّرة ومحروقَة.. هل حقًّا ستكونُ خضراء كما حدّثتني جدّتي؟
 
وفجأة، سمعَت صوتًا يُناديها، فخرَجَت من دوّامتها التّائهة وإذ بِها تَرَى طفلًا بعُمرها كانت قد تعرّفت إليه بجانب العين، فذهَبا سويّة إلى هناك ليَملَأَ كلٌّ منهُما جرّته.
 
جلَسا بجانِبِ العين ولِأوّل مرّة انشَغلا بالحديث، وطال حديثُهُما ثُمَّ طال، ولكن سُرعان ما تذكّرت عَوْدَة أنَّ جدَّتَها تنتَظِرها على أحرّ من الجمر لأنّها بحاجَة إلى الماء، نهَضت مُسرعةً، ودّعَت صَديقَها وركَضت بِأقصى سُرعة.
 
قالت في نفسها: يا الهي ماذا عَساي أن أفعَل، ماذا سوفَ أقولُ لجدّتي، هل ستغضَبُ يا ترى؟ ركضت ثمّ ركضت ورجلاها لا تقويا على الحركة من شدّة الذّعر، وعِندَما وصَلَت... كانت الفوضى عارِمة تَعُمّ المكان، دَخلت إلى بيتِ جدّتِها... ولكن حدث ما لم تأخذه عودة بالحسبان، فهي لم تَجِد سِوى أشلاء!
وكأنّ صوتَ الرّصاصِ غيرِ العاديّ جاءَ لِيُخبّر بشيءٍ غيرِ عاديّ.
 
أجهشت بالبُكاء وبدأت تصرُخ لعلّ أحدًا يسمعها، أخذت تروح وتجيء ولم تدرِ ماذا يُمكِنها أن تَفعل – فهي مجرّد طفلة!
نظرت حولها، فم تجد سوى مفتاح "الشّبه" بيت، احتَضَنته، ثمّ بعَثَت بِنَظرة أخيرة نحوَ ما تبقّى وهربت...
ومُنذُ ذلكَ الحين... لَم تَعُد عَوْدَة !

التعليقات