10/03/2012 - 04:25

عند القفزة، قرب الرمز/ إياد برغوثي

هذا الجبل الرمز سيغذي حكايته بفصل ملاحقة جديد وبدليل حياة آخر لسكانه الأصليين أصحاب التاريخ العريق، ملاحقة أصحاب كلمة الحق لن تثنيهم عن قولها، والعنصرية ضد أهل البلد لن تنجح بمحو وجودهم المتجذّر.

عند القفزة، قرب الرمز/ إياد برغوثي

 

قد نُحمّل الأحداث السياسية معانٍ أثقل من وزرها عندما نربط زمانها ومكانها بأحداث تاريخية أو أساطير رسمت وعي الناس وصاغت ذاكرتهم، لذا أفضّل دومًا الاكتفاء بالإعجاب المضبوط بهذه المصادفات التاريخية والانبهار بها حذِرًا من إقحام يد القدر الخفية في كل صغيرة وكبيرة

لكن المعاني التي يحملها تنظيم مظاهرة اليمين الفاشي العنصري عند جبل القفزة (حسب المعلومات التي بين أيادينا) في مطلع آذار، تجبرني على الكتابة عنها. فجبل القفزة، ذو القمة المنتصبة والانحدار الحاد، هو جبل أسطوري، يرمز في وعينا، كنصروايين وجليليين، إلى القدرة على النجاة من الملاحقة والمطاردة، إلى العناية الإلهية والكونية بأصحاب الرسالة الحقة.

فالمعتقد السائد، المبني على الإصحاح الرابع من إنجيل لوقا في العهد الجديد، هو أنّ السيد المسيح الناصري تمكّن من الاختفاء من أعين ملاحقيه المتشدّدين بعدما وصل إلى قمة هذا الجبل بعد أنّ جرّه سكان قرية الناصرة (وكانوا من العبرانيين) غاضبين من رسالته وكلامه رافضين الاعتراف به ساعين لرميه من هناك، الرواية الشعبية تقول إنّ المسيح اختفى بعدما قفز عن الجبل لينزل على قمة جبل الطور، ولذلك سمي جبل القفزة. على ذات الجبل أقيم دير قديم لرهبانٍ بيزنطيين سموه "دير سيدة الخوف" تكريمًا للسيدة العذراء التي خافت على ابنها بعد اختفائه، كان لهذا الجبل عيد بهيج يحتفل به النصراويون، وفي آذار كان الرهبان الروم يحتفلون بعيد البشارة على جبل القفزة.

لا يكتفي جبل القفزة بمعناه الديني والرمزي، ولا بشموخه، حيث أضافت له الاكتشافات الأثرية معنى الأصالة والتجذّر التاريخي للوجود الإنساني الحضاري على أرض فلسطين، ففي مغارة القفزة وجد علماء الآثار، في عشرينيات القرن الماضي، آثارًا وهياكل عظمية لإنسان العصر الحجري منذ مئة ألف عام، الذي سمي عالميًا ب"إنسان القفزة". 

هذا الجبل الرمز سيغذي حكايته بفصل ملاحقة جديد وبدليل حياة آخر لسكانه الأصليين أصحاب التاريخ العريق، ملاحقة أصحاب كلمة الحق لن تثنيهم عن قولها، والعنصرية ضد أهل البلد لن تنجح بمحو وجودهم المتجذّر.

اختفاء السيد المسيح عند جبل القفزة بعد ملاحقته كان اختفاء مؤقتًا، فقد ظهر مجددًا وأكمل طريقه ونضاله من أجل إيصال رسالته إلى الناس وذهب إلى القدس ليقلب "البسطة" عند الهيكل. يوم الأحد القريب، وعند المظاهرة الفاشية ضد وجودنا، سنظهر عند القفزة وسنكمل مثله دربنا وسنستمر بقلب بسطات الظلم والعنصرية.

 
- جبل القفزة -

التعليقات