08/04/2012 - 13:03

كي تفهم الخليل/ إياد برغوثي

عليك أن تسافر إلى المدينة كي تصير جزءًا من هويتك، كي تفهمها، المعلومات والصور لا تكتفي. عليك أن تشعر بالطريق إليها، أن تقابلها وجهًا لوجه وتلمس حجارتها وتتحدث مع أهلها كي تسمح لك أصلا بالحديث عنها ومعها. كم بالحري الخليل.

كي تفهم الخليل/ إياد برغوثي

قبل أسبوعين، زرت مدينة الخليل لأول مرة. طالما لمت نفسي على عدم زيارتي لهذه المدينة التاريخية العريقة التي تواجه ألأم مشاريع التهويد والاغتيال، لذلك كانت موافقتي على مرافقة طلاب العمارة في ورشة تثقيفية تنّظمها جمعية الثقافة العربية مرفقة بابتسامة الحائز على جائزة، رغم تضحيتي بنصف يوم العطلة الوحيد في الأسبوع، بنهاية أسبوعي المسكينة. وخيرًا فعلت.

عليك أن تقف عند الحاجز الإسمنتي قرب شارع الشهداء المغلق في مركز المدينة تنظر إلى الشارع المقفر إلا من مستوطن ومستوطنة يمشيان الهوينة (الله لا يهوّن عليهم) مع عربة أطفال مزدوجة قرب المحال المغلقة قهرًا، كي تفهم ما معني كلمة أبرتهايد، وكي تفهم الخليل.

عليك أن تنزع حزامك وكل ما يلمع ويرن في جيوبك وتسمع صراخ الصبيان بالبزات العسكرية على النساء والرجال كي تدخل الحرم الإبراهيمي، الذي صادر الاحتلال أجزاء واسعة منه وخصصها لمستوطنين بعد مجزرة جولدشطاين! كي تفهم الخليل.  عليك أن تقف مع تاجر عجوز يعتمر كوفية عرفاتية يحكي لك عن أيام العز والصناعات وقسوة اليوم والإغلاقات، ويؤشر لك إلى شرفات البيوت المستوطنة، ويدعو لك بالتوفيق، كي تفهم الخليل. عليك أن تمشي عشرين دقيقة في عزّ الظهر كي تمر من جهة إلى الجهة المقابلة، كي تفهم الخليل. عليك أن تقف نصف ساعة قرب صانع الزجاج غير آبه بالحرارة منبهر بالمهارة، كي تعرف ما معنى العراقة، وكي تفهم الخليل.  

عليك أن تستسلم لمشهد الجبال والتلال البديعة المترامية والوديان التي تهبط بك إلى أساطير قديمة، كي تغني للخليل، كي تتذكر أن بلادك جميلة، كي تفهم أن البلاد ليست البيوت، وأن المدن ليس الأسواق، وأن الوطن هو هذه الطبيعة المسلوبة بالاتفاقيات والهزيمة رغم التضحيات والعزيمة.

 عليك أن تسافر إلى المدينة كي تصير جزءًا من هويتك، كي تفهمها، المعلومات والصور لا تكتفي. عليك أن تشعر بالطريق إليها، أن تقابلها وجهًا لوجه وتلمس حجارتها وتتحدث مع أهلها كي تسمح لك أصلا بالحديث عنها ومعها. كم بالحري الخليل.

 طلاب العمارة الذين رافقتهم فهموا الخليل وأحبوها، وتعرّفوا على فنها المعماري ومشاريع إعمارها وترميم بيوتها وساحاتها وبينتها التحتية، والعمل المستميت من أجل الحفاظ عليها تحديًا لكل الظروف، وأهم شيء فهموا أنّ القضية جدية وأن الخليل ليست نكتة!  

التعليقات