14/04/2012 - 04:02

يا تونس الأنثى / غيث القرشي

توحّشتُ ابتسامةَ ثغرِكِ، وصباحَكِ الملقى على كتفِ العذوبةِ، والجمالَ المنتشي وطفولتي الّتي اكتشفتُ بِكِ، ولقاءَنا المسروقَ إنْ حلَّ المساءْ للّيلِ طعمٌ آخرُ معَكِ..

يا تونس الأنثى / غيث القرشي

 

مدخلْ:

كمْ مِنْ حبيبةٍ..تشكّلُ وطنًا، وكمْ مِنْ وطنٍ.. يخلّدُ الحبيَة

***

نبضٌ...

ورائحةٌ من العطر الجميل، وبضعُ همساتٍ يبللنَ السَريرْ

وأنا وحيدٌ،

تائهٌ في الحُلم

أمشي بينَ لحظاتِ الهَوى المَضبوطةِ الإيقاعِ، قيثارًا.. يغنّي نفسَهُ

أصحو، وأنظرُ لليسار، لعلّ عيني تنتشي بإلهةٍ نامتْ على صدري، فصارَ الرّملُ أخضرَ في الصّحاري..

أصحو، أمدّ يدًا إلى جهةِ اليمينِ، لعلّ كفّي قد يكونُ الحَظُّ صاحبَها.. فتهوي فوقَ قدٍّ أبيضَ، خصرٍ ينامُ مدلّلًا لا شيءَ يزعجُهُ سوى بلّورةٍ نامت برفقٍ فوقَ سرّتِها اللّذيذةِ

أو يكونُ الحظّ صاحبَها، فتسقطُ فوقَ نهدٍ مرمريِّ اللّونِ أبيضَ، مثلَ رمّانٍ إلهيٍّ أرى في حسنِ صنعتِهِ وجودَ الله..

أو شعرٍ طويلٍ حالكٍ في اللّيلِ.. يبدأ رحلةَ العشقِ الّتي تفضي بأسرارِ الخلودِ إلى عبادِ الله

شلالٌ من اللّيلِ الطّويلِ يدثّرُ الرّوحَ الحَرونَ، يطيرُ مقتنصًا صفاتِ الحسنِ من بغدادَ، من عمّانَ، من بيروتَ، من أرضِ الأناضولِ الأنوثةِ، من بلادِ الفُرسِ، ثمَّ يعيدُ تشكيلَ الجمالِ:

يصبُّهُ خلقًا جديدًا، في رُبَى قرطاجْ

أصحو، وحيدًا

تائهًا في الأمسِ

في مدٍّ وجزرٍ، في لِحاظِ الرّيم

في كحلٍ تجمّلَ حينَ باتَ بعينِها

أصحو على شفةٍ، لو انَّ البحرَ ذاقَ رِضابَها لتنفَسَ الصُّعداءَ، ثمَّ لصارَ بحرًا... من عسلْ!!

أصحو وحيدًا، لا أرى حولي سوى طيفٍ وذاكرةٍ تحرّكُ في نواحي البيت

لا شيءَ يثيرُ شهيّتِي

لا ما يساعدني على التّركيزِ في يومي، ولا أحدًا يجيبُ تساؤلاتي:

من أنا؟ ما الوقتُ؟ ما هذا المكانُ.. وأين أيني الآن؟

كلُّ شيءٍ أخرسٌ حولي:

أثاثُ الغرفةِ الصّمّاء

تلفازُ المساءِ

ملابسي، موسُ الحلاقةِ

ما يحبُّ الصّبحُ من صوتٍ لفيروزَ الوجودِ

وسادتي، جسدي، خريرُ الماءِ في "ماسورةِ الحمّام"

أو صوتُ العصافيرِ الجميلةِ

كلُ شيءٍ أخرسٌ..

حتّى ضجيجُ الدَمِ في شريانِ قلبي، حينَ أذكرُها، توقّفَ صوتُهُ

أصحو

ولا شيءَ يعيدُ لِيَ الحنينَ سوى ملابسِها الّتي قدْ عمَّدَتْها، حينَ لامسَها الجسدْ!!

لا صبحَ إلاَّ ما أراهُ بمقلتيْكِ مِنْ شعاعِ الشّمسِ، حينَ "أفُضُّ" ذاكرةَ الأماكنِ كلّما استيقظتُ في يومٍ جديد..

شابكًا كفًّا بكفٍّ،

حاضنًا جسدًا... بِيَدْ

 

يا تونُسَ الأنثى، أتيتُكِ حالمًا ## وحيًا سيرسلُهُ الضّبابُ رسولا

 إنّي المسافرُ للحنينِ، يشدُّني ## أملٌ بأنْ يغدو البعادُ قتيلا

 أرهقتِ ذاكرةَ الأماكنِ، والهوى ## ريحٌ تُغذّي صمتَها، ليقولا

 أرنو لنسيانٍ، يضمّدُ عاشقًا ## أودَتْ به بعضُ الجراحِ عليلا

 لكنّهُ حلمُ الفقيرِ، إذا رأى ## نجمًا، تعالى في السَماءِ، بتولا

 يا تونُسَ الأنثى، هواؤُكِ ديدنٌ ## للباحثينَ، عنِ الخلاصِ سبيلا

 شعبٌ تنفّسَ صبحُهُ حرّيّةً ## هو كالحمامِ، محلّقًا، وهديلا

 لا يرتضي ضيمًا، ويثأرُ إنْ رأى ## وغدًا تلاعبَ في البلادِ، عميلا

 شعبٌ، يُنمّي المجدَ في أبنائِهِ ## فيصيرُ للمجدِ الرّفيعِ سليلا

 هذا مقامُ العشقِ، يرمي حرفَهُ ## ليقولَ للوَجهِ الجميلِ، جميلا

 فأنا حصانٌ أدهمٌ، أطوي المدى عشقًا، وأحتضنُ النّجومَ، صهيلا

 وأنا المسافرُ، مثلَ طيرٍ زاجلٍ ## مهمَا ابتعدتُ، فلنْ أغيبَ طويلا

 

أشتمُّ رائحةَ الحياةِ إذا اقتربتُ مِنَ الأماكنِ نفسِها

هي ذاتُها تلكَ الأماكنُ، حيثُ سجّلنا خلودَ اللّمسةِ الأولى

وقبلةَ عاشقٍ فوقَ الجبينِ المستديرِ، وملمسِ الخصرِ النّحيلِ

وعطرِكِ الغافي على الجيدِ الّذي درّبتُ فوقَ دروبِهِ شفتيَّ في شبقٍ رقيق

هذا المساءُ مميّزٌ بالمهملاتِ منَ المهمّاتِ العظيمةِ:

يَشْتَفُّني صمتُ الملامحِ، في شتاءٍ أعزبَ

صوتٌ لخرخشةِ النّدى الغافي على ورقِ الشّجَرْ

ضحكاتُ ريمٍ عابرٍ فوقَ الرّصيفِ المتخمِ المملوءِ بالقَصَصِ الغريبةِ

شَكلُ طعمِ الشّايِ، حينَ يجيءُ مِنْ شفةٍ لغانيةٍ تُلَقِّنُ يومَ صاحبِها دروسًا في أساسِ العشقِ

أجلسُ حالمًا

جسدي تبخّرَ من مَدَايْ

فلا أحسُّ بأيِّ إحساسٍ يثيرُ خليّةَ الذّكرى

ولكنّي أراكِ

في الكراسي الظّامئاتِ لحضنِ خصرِكِ

عبرَ دربٍ قدْ توضَحَ نورُهُ حينَ امتشقتِ يدي وسرتِ كالمَليكةِ في يدِ السُّلطان

ألمَحُكِ

إذا سرقَ الشّتاءُ الدّفءَ منْ جسدي

ولمْ أظفرْ سوى بغنيمةِ الوجعِ الّذي احتضنَ القصيدةَ عابثًا يلهو بقلبي، مثلما يلهو المقامرُ إنْ يخالفه الزّمان

يَشْتَفُّني خوفٌ عديمُ اللّونِ أبيضُ

باردُ الخطواتِ، يأتيني ويلبسُ روحي الظّمأى لوجهِكِ، كلّما ابتعدتْ خطاكِ

مفعمٌ بالصّحوِ في نومي وحلمي

كلّما أغمضتُ عيني زارني طيفٌ ودقَّ رتاجَ قلبي في عجلٍ

مفعمٌ بالمهملاتِ مِنَ التّفاصيلِ الصّغيرة:

كفّكِ الصّغرى

انحناءاتُ الملابسِ فوقَ جسمِكِ

حاجباكِ، خدُّكِ المحميُّ منْ غمّازتين

هواءُ منزلِكِ الصّغيرِ يمرُّ حولَكِ حينَ تنشغلينَ في ترتيبِ مخدعِكِ الجميلِ

تنهُّداتِكِ في الدّجى المملوءِ بالقبلِ الغزيرةِ

بضعُ قطراتٍ منَ العرقِ اللّذيذِ، وماؤُكِ العذبِ الفراتِ كأنّه خمرٌ تُدَقُّ كؤوسُهُ كيْ ننتشي برذاذِهِ الفضيِّ في وضحِ القمرْ

يمضي الزّمانُ بنا، وتتّسع المسافةُ بيننا، ويضيعُ في الدّربِ الأثر

يا تونُسَ الأنثى..

توحّشتُ ابتسامةَ ثغرِكِ، وصباحَكِ الملقى على كتفِ العذوبةِ، والجمالَ المنتشي

وطفولتي الّتي اكتشفتُ بِكِ، ولقاءَنا المسروقَ إنْ حلَّ المساءْ

للّيلِ طعمٌ آخرُ معَكِ..

وللذّكرى الحنينُ، وللتّفاصيلِ الوحيدةِ ما نريدُ مِنَ الشّتاءْ

 

يا تونُسَ الأنثى

وفاءً...

فليجدْ نبضيَ المعـنى

بالجميلِ مِنَ الحروفِ

لعلَّهُ يومًا سيوصلُ..

بعضَ آياتِ الوفاء

 

* شاعر أردني.

التعليقات