07/05/2013 - 17:06

أسيل / الدكتور إلياس عطا لله

بينَ رصاصتينِ وَعَقِبِ بندقيّهْ تـُختصَرُ قضيّهْ

أسيل / الدكتور إلياس عطا لله

 

الشّهيد أسيل عاصلة (06.05.1983 - 02.10.2000)
 

إلى ولدي أسيل في يوم ميلادَيْهِ


بينَ رصاصتينِ 
وَعَقِبِ بندقيّهْ
تـُختصَرُ قضيّهْ

* * *
بينَ رصاصتينِ منْ حقدٍ وغدرِ
في العُنُقِ الأسيلِ، في شمخةِ الصدرِ
وبندقيّةٍ تجوسُ في لؤلؤِ الثغْرِ
تنطفي عينانِ منَ اللوزِ
وتشحَبُ شفتانِ منَ الكرزِ
ويرعَفُ أنفٌ يضجُّ منَ الكِبْرِ
وأسيلُ البهيُّ
الأبِيُّ 
يسيلُ
وأسيلُ الجميلُ
النبيلُ
يسيلُ
وأنا ، كبِدي يا أسيلُ !
أسيلُ 

* * *

قبلَ يومينِ منَ ارتقائِكَ
قرعْتَ بابي فانفتحْ
على جبهةٍ كالسّنا
وضِحكةٍ هي الغِنا
وبريقِ عينينِ يُزيحُ العَنا
وحدّثتَني عنْ لبنانَ والمجزرة
وعنْ أبي خالدٍ يزاحمُ الشُّهبا
باذلا أنفاسَه كي يجمعَ العُرْبا
وعلى وعدٍ باللقاءِ خرجْتَ
تاركًا في غرفتي عَبَقًا وخِصْبا
خرجْتَ
وما دَرَيْتُ ولا دَرَيْتَ
أنَّ الغدَ يحمِلُ الموتَ
ثمَّ التقينا جُـثـَّـتينِ
أنا... وأنتَ

* * *

بُنَيَّ أسيلُ!
كوْكَبَةُ الأحبابِ في الطابقِ الرابعِ 
تـَوَثــّبٌ وصهيلُ
والمقعدُ شوْقٌ
والساحةُ تَوْقٌ
والردهةُ تشتاقُ خطى كالنسيمِ
تنتظرُ
والانتظارُ يطولُ.

* * *

سلامٌ بُنَيَّ، سلامٌ أسيلُ
سلامٌ بنيَّ والسلامُ قتيلُ
أنا لن أنبيكَ عمّا يسيلُ
وعمّا إليهِ الأمورُ تؤولُ
وما قالوهُ وما لمْ يقولوا
بنيَّ المُغمَدُ المسلولُ
أكبرْتُ يومَكَ أنْ يكونَ عويلُ
فالقُدسُ عُرْسٌ والعروسُ أسيلُ
أكبَرْتُ يومَكَ أنْ يكونَ عويلُ
فالأرضُ عِرضٌ والنّجيعُ سبيلُ

***

بنَيَّ أسيلُ... والحديثُ يطولُ
أما زلتَ تلاعبُ الأبجديّة
وتداعبُ الضادَ العصِيّة
والبحرَ والشراعَ والقواربْ
والفضاءَ مشعشَعًا بالشموس 
مفضّضًا بالكواكبْ 
أما زلتَ 
تكتبُ رثاءَكَ حيّا وميْتا 
تطارد الأزهارَ والأقمارَ، تسابق الصوتا 
وتفيءُ إلى زيتونة تزنِّرُ البيتا 
أما زلتَ؟

* * *

خبّر بنَيَّ، خبّرْ أسيلُ
عنِ الرحمنِ الرّحيمِ الثاكلِ الحزينْ
أوَأوكلَ المختارينَ مُلْكَ يومِ الدينْ؟
خبّرْ أسيلْ
عَنْ سِدْرَةِ المنتهى
عنِ النبيّينَ والصالحين
أرأيتَ صلاحَ الدينْ
على أهدابهِ غبارُ معاركِ القدسِ
وعلى صدرهِ سنابلُ منْ حطين؟
خبّر أسيلْ
أما زال فتى الحلـّةِ صَفِيُّ الدّينْ
يلملِمُ الأطيافَ والألوانَ والحُلـُما
وينسِجُ العَلـَما
وتندفقُ من أصابعِهِ 
معاركُ الأمسِ
وبيارقُ الشمسِ؟
أشْفِقْ بُنَيَّ عليْهِ
وامسحْ بجرحكَ دمعَتيْهِ
وإن ساءَلكَ عنْ ألوانِهِ الأربعة
وراياتِنا المُشـْرَعَة
فبشّرهُ أنْ سيراها بعدَ قليلْ
تلـُفُّ أسيلًا بجنبِ أسيلْ
وخبّئ في جرحِكَ المستحيلْ
حقيقةَ أنّا
بيضٌ بيارقــُنا
سودٌ صنائعـُنا
خضْرٌ مراتعُنا
حُـمْـرٌ ليالـيـنـا

* * *

تسائلـُني أسيلُ عنِ العرَبِ 
وعمّا فعـَلـَتْ أمّةُ النُّجُبِ 
أما زالوا على العهدِ ؟
ماذا أقولُ في أحوالِهِمْ ولدي؟
دَفقٌ شبابُهُمُ، فالأرحامُ لمْ تلِدِ
صُفقٌ كبارُهُمُ، فالأنسابُ لمْ تـُفـِدِ
تنادَوْا إلى قاهرةِ المُعِزّ وأطلقوا
خطابًا قويّا يُعتِقُ
وفتحوا ذخيرَتَهُمْ عن أخضرٍ عَفِنِ
وفتحْتَ صدْرَكَ عنْ خافِقٍ لدِنِ
وماذا أقولُ في أحوالهمْ ولدي 
ألا اعفِني
تنتحرُ الكلماتُ في جسدي
فاحقِنْ دموعَكَ 
وانثرْها بلا ثمنِ
تـَساقـَطُ مطرا على ثرى الوطنِ
لتبزُغَ منْ وضاءةِ الكفنِ
شمسُ الغدِ الآتي
محمّلةً بالمنِّ ممزوجًا مع الشهدِ 

* * *

ويا أختيَ الملوّعة
إنْ سألوكِ عنْ أسيلَ فقولي
خرجَ لمَهَمَّةٍ مسرعا
ليذودَ عن ألوانهِ الأربعة
وعمّا قليل سيعودُ
حاملا الزوبعة
وراية مُشرَعة
مرصّعهْ
بدم قانٍ
وزيتونةٍ 
وياسمينةٍ
وأرضٍ بأنفاسهِ مترعة

***

بعضُ عزائيَ فيكْ
إجماعُ اللوعةِ عليكْ
ولأنّ الشهيدَ بدفقِ الحبِّ يُقاتُ
باقٍ أنتَ
ونحنُ، بعدَنا الموتُ
فدمُكَ المنسابُ في أوصالنا
وَقودٌ وزيتُ
فلكَ عدْنٌ والسدرةُ
ولنا في المنتهى وطنٌ وبيتُ
وبينَ رصاصتين
وعقبِ بندقيّة
تنتصِرُ قضيّة.

التعليقات