27/05/2014 - 19:26

"بردقانة" تنبش صفحات التاريخ/ جوني منصور

ليست مسألة العودة إلى نبش الماضي سهلة على الإطلاق، خاصة عندما يكون التنبيش في محور الغوص في تفكير شخص ما وقراراته بالقيام بعمل ما في لحظة زمنية محددة. لكن العمل الروائي بما يوفره من مساحة لتحقيق ذلك قد اتاح الفرصة أمام كتابه ورواده القيام بهذه المهمة.

ليست مسألة العودة إلى نبش الماضي سهلة على الإطلاق، خاصة عندما يكون التنبيش في محور الغوص في تفكير شخص ما وقراراته بالقيام بعمل ما في لحظة زمنية محددة. لكن العمل الروائي بما يوفره من مساحة لتحقيق ذلك قد اتاح الفرصة أمام كتابه ورواده القيام بهذه المهمة.

"بردقانة" هي العمل الروائي الأول للكاتب الفلسطيني المبدع اياد برغوثي. والحدود الزمنية لهذه الرواية هي فترة الانتداب البريطاني على فلسطين، وعلى وجه التحديد في سنواته الأخيرة.

أما موضوع الرواية فهو ما لم يتطرق إليه الروائيون الفلسطينيون والعرب عامة من قبل بهذه الصورة المركزة والموجهة مباشرة إليه. والموضوع هو رياضة كرة القدم. حيث تمتعت فلسطين بقسط بارز من المباريات الرياضية التنافسية بين فرقها وانديتها اسوة بعدد من البلاد العربية المجاورة، وخاصة مصر.

وتطرقت الرواية إلى تفاصيل فرق واندية رياضية فلسطينية في حيفا ويافا وعكا والناصرة وغيرها من مدن فلسطين بصورة تفصيلية وفرّت  للقارئ فرصة التعرف على أحد مشاهد الحياة الرياضية والاجتماعية والثقافية للفلسطينيين تحت الاحتلال البريطاني. ومن جهة أخرى اظهرت تفاصيل الرواية مدى اهتمام الفلسطينيين بهذه الرياضة.وقدّم الروائي برغوثي صورًا جميلة لمباريات متميزة خاضها منتخب فلسطين وما جذب من جمهور واسع لمتابعته.

لكن ليست الرواية عند هذه الحدود، إنها رواية مسيرة تاريخية في البحث عن الحقيقة وإظهارها وكشفها من خلال العودة إلى الوراء والتنبيش عنها بأدوات يستخدمها المحققون الصحافيون وحتى تلك التي يميل إلى استعمالها الشرطيون في بعض الاحيان.

ما هي إذن نواة الرواية؟ بنظرنا النواة او جوهر الرواية هي في عملية فتح صفحات حقبة زمنية مثيرة للاهتمام بل مثيرة للبحث الدقيق. إنها عودة إلى الماضي من أجل كشف وفهم الاحداث وتحديد المسؤولين عن القيام بها. إنها ليست عودة من اجل العودة فقط، لغاية دراسة اكاديمية أو ترفيهية عابرة.

هناك حيّز قوي وفعال في هذه الرواية لمحاسبة تاريخية لتهم الصقت بأشخاص معينين اعتبرتهم الحركة الوطنية او القيادة السياسية انهم عملاء وأصدرت أحكامها بقتلهم وتصفيتهم بشتّى الطرق لمجرد كونهم عبّروا عن رأي آخر مخالف، أو قاموا بخطوة أخرى مغايرة لما هو مقرر من طرفهم.

كان الصراع على اشدّه في فلسطين بين الحركة الوطنية والمقاومة الفلسطينية من جهة وبين الحركة الصهيونية حاملة المشروع الاقتلاعي والاستعماري المدعوم والمعزّز من قبل بريطانيا زعيمة النشاط الاستعماري العالمي. وفي الوقت ذاته، وقع صراع مرير في أوساط القيادات الوطنية والحركات الوطنية على خلفية صراعات زعامات تقليدية لم تبصر اكثر من ثقب بابها. ووقع الفلسطينيون ضحايا هذا الصراع المرير والقاسي والمؤلم، والذي فتح جرحا كانت حصيلته نزيف دموي قاتل وفتّاك.

ماذا يريد صاحب "بردقانة" أن يقول لنا في روايته الجميلة هذه؟  إنه يريد فتح باب التحقيق في عملية تصفية والد بطل الرواية فايز غندور الذي اتهم بالخيانة والعمالة لتظهر الحقيقة. لكن عندما يشرع الصحافي نجيب بالبحث عن الحقيقة ويكتشفها يواجه تهديدات قاتلة من مصادر تخاف على روحها ومصالحها ونفوذها.

الرسالة التي ترسلها بردقانة انه من الضروري على الروائيين والمؤرخين والباحثين في الشأن التاريخي الفلسطيني العودة إلى الماضي لمعالجة قضايا تاريخية مهمة لفّها الكتمان والتغييب، أو محاولات التغييب لمآرب مقصودة.

وبرأيي أن هناك حاجة ماسّة إلى العودة إلى تلك الحقب التاريخية المركزية في تاريخ الشعب الفلسطيني، وفي تاريخ قضيته لإعادة النظر من جديد في التفسيرات والتأويلات والتحليلات.

لا أقصد من وراء ذلك محاولة نزع المسؤولية عن فاعل الجريمة – الحركة الصهيونية – وادواتها، إنما محاسبة ذاتية لدور القيادات والمسؤولين عن كثير من الاحداث والخطوات التي لربما ساهمت مباشرة أو غير مباشرة في وقوع المآسي والآلام.

"بردقانة" رواية تستحق القراءة من هذه الزاوية التاريخية والواقعية في المسيرة النضالية للشعب الفلسطيني.

التعليقات