14/02/2016 - 20:29

الحب المحاصر منذ النكبة.../ ناهد درباس

فالحب ثورة وامتداد وتواصل، فكيف يمكن أن نضع القوانين مع العاطفة فيريدوننا أن نهذب ونهندس مشاعرنا، بين مناطق المحظورة والمسموحة. فمقولة لا يوجد قوانين بالحب والحرب انتهت صلاحيتها من 48.

الحب المحاصر منذ النكبة.../ ناهد درباس

الحب والعشق حالة مفروغ منها وجزء من صيرورتنا الإنسانية في الحياة، وأمر طبيعي وبديهي. لكن أن تستدرك بأن الحب رسمت له السياسة الإسرائيلية خارطة ومساحة ومحيطًا محددًا هذا أمر مرفوض وغير مفهوم ضمنًا لعاطفة البشر والإنسانية. فَرُسِمَتْ لنا، نحن فلسطنيي الداخل، خارطة سياسة لمساحة الحب المسموحة والمحظورة منذ النكبة. فمثلًا، عندما تتواجد في مدينة نابلس يجب أن توجه لقلبك أمرًا 'بالتوقف' هنا، ممنوع النبض، فالحب ممنوع، ووفِّر على نفسك هذا الجهد، حتى بأن تعجب 'بِ'، وكذلك رام الله، بيت لحم، والضفة الغربيّة وقطاع غزة. فهذه مناطق محظورة علينا وتقوننت منذ 2003 بقانون يدعى 'منع لم الشمل' بين مناطق 48 و67. لكي تحافظ على أغلبية يهودية داخل الخط الأخضر.

أن تحب ابن عمك اللاجِئ في بيروت أو في مخيم البارد، أو اليرموك في سوريا محظور، أصلا إنها دولة عدو، حسب تعريف قوانين دولة إسرائيل.

فجميع الفلسطينيين، أبناء حيفا ويافا وعكا وقيسارية وقرى الساحل والجليل الذين تهجروا منذ النكبة محظورون.

فمناطق الحب تضيق وتنحصر يومًا بعد يوم منذ النكبة، فوالدي، جمعة درباس، رحمه الله، كان قد خطب شابةً من مدينة حيفا، وفي عام النكبة والاحتلال وسقوط حيفا في شهر نيسان، تهجّرت مع عائلتها إلى الشام، وأُجبرا على الافتراق، ومن هناك انطلقت الإشارة الأولى لحصار منطقة الحب.

فبغداد والبصرة وحلب وبيروت والشام والقاهرة مناطق الحلم 'والفنتازيا' أن نرى، أن نتصور، رجلًا عربيًا من 'بلادُ العُربِ أوطاني منَ الشّـامِ لبغدانِ ومن نجدٍ إلى يَمَـنٍ إلى مِصـرَ فتطوانِ؛ فـلا حـدٌّ يباعدُنا ولا ديـنٌ يفـرّقنا، لسان الضَّادِ يجمعُنا، بغـسَّانٍ وعـدنانِ'.  فتبعد ههذ الأوطان بمساحة ضئيلة عننا وهي مناطق امتدانا العربي الطبيعي والجغرافي، فنحن منصاعون للمسموح والممنوع من الجلاد. فلن أدخل في تفاصيل عائلتي التي هجرت بالكامل بعام النكبة ولم أتعرف إلا على القليل منهم في الأردن، بعد اتفاقية السلام وجهًا إلى وجه.

فالحب ثورة وامتداد وتواصل، فكيف يمكن أن نضع القوانين مع العاطفة فيريدوننا أن نهذب ونهندس مشاعرنا، بين مناطق المحظورة والمسموحة. فمقولة لا يوجد قوانين بالحب والحرب انتهت صلاحيتها من 48.

لقد استعمرت فلسطين بالسابق، ولكن لم تغلق الحدود بين دمشق والناصرة وبين القدس وبيروت وبين بغداد وحيفا بين يافا وحلب، فالحمائل تنقلت في بلاد الشام بحرية وقطنت أينما شاءت.

فالاحتلال يأخذ ويختلس منك الحب، يحدد لك المساحة، يحرّم منطقة أو دولة، ويسمح منطقة أخرى، والأنكى من ذلك، يحرمك من أبناء جلدتك حتى من عروق الدم الواحدة والـDNA وبلدتك ومدينتك وريفك.

ومن ثم جاءَت ثورة التكنولوجيا والإنترنت 'والإعلام الاجتماعي' وانتفضت على الحدود السياسية المرسومة، فكسرت وحطمت الحدود، وفتحت افتراضيًا، بالصوت والصورة والدردشة. وبقي اللمس والشم فلم تستطع هذه الثورة المساهمة بذلك. أن تقول لي نرجس من بيروت 'أنت تشبهين أمي أمنة درباس وخالي' عند نشر صورة لي على حائطي في الفيسبوك بانفعال ودهشة، فأمها بنت عم والدي، و'الدم لن يصير ماي' رغم إغلاق الحدود.

ويبقى المقدسيون ملفهم الخاص كما شأنهم وتعريفهم القانوني مقيمين وليس بمواطنين كحالة خاصة، فغالبية العائلات لا تقبل وترفض تزويج بناتها إلى خارج الجدار أي الضفة، فهذا هو المصطلح المتداول بينهم، خوفًا من سحب هوية القدس وهذا ما يحصل بالفعل، وعدم دخولهم مرة ثانية إلى القدس.

التعليقات