29/06/2016 - 23:03

يا ليتني وُلدت عصفورًا...

يأتي صوت أم كلثوم وهي تسترجع قلبَها: "كان لك معايا، أجمل حكاية، في العمر كله..." كشيءٍ قادر على اقتحام الصمت بيننا. كان باستطاعتي الشعور بدقّاتها وهي تقف أمام جمهورها الذي ينصت إليها وكأنّها إله آخر، الست أو "سيّدة قلبي" كما نحب تسميتها.

يا ليتني وُلدت عصفورًا...

يأتي صوت أم كلثوم وهي تسترجع قلبَها: 'كان لك معايا، أجمل حكاية، في العمر كله...' كشيءٍ قادر على اقتحام الصمت بيننا. كان باستطاعتي الشعور بدقّاتها وهي تقف أمام جمهورها الذي ينصت إليها وكأنّها إله آخر، الست أو 'سيّدة قلبي' كما نحب تسميتها. كانت الشمس تودّع وجهَ الرب، أمّا نحن فنتشارك بؤسنا مع روايات دوستويفسكي التي تحتضر في أيدينا. 

- أتدرين؟ لطالما حاولت انتزاعك من قلبي، لكنّي أفشل دائمًا. تقبعين في جلدي كما لم تفعل أي فتاة من قبل.

- هاها! وهل تعتقد أنّك تستطيع التخلّص منّي بهذه السهولة؟!

- لا. أنا لا أبحث عن التملّص منك، أنا مصابٌ بك كمرضٍ مزمن. لا، في الحقيقة أنا لا أقوى على طردك من رأسي، أحاول جاهدًا التشبّث بك كما لو أنّك آخر أطواق الفرح.

- لا أصدّقك.

- أفهمك. لكنّي أحبّك، أتتبّع ظلّك في الفراغ، أشتمّ رائحتك كما لو أنّك بقربي. أميّز صوتك في الضجيج كأنّك تهمسين في أذني.

- أتدري؟ يسيطر القبح على هذا العالم بشراسة. يأكل قلوبنا ويرميها على قارعة الشارع بلا شفقة. معك، يهرب القبح من قلبي، ويبتعد عنّي مسافات شاسعة.

- أشتاق لقلبك.

- أشتاق لأصابعك.

- أتدركين معنى أن ينقاد الرجل لإحداهنّ بهذه الطريقة؟ تسيطرين على جسدي بصورة مخيفة. أخاف على نفسي منك، أنساقُ إليك كما تفعل الضباع مع فرائسها.

- نحن جبناء يا صغيري، جبناء بالفطرة. نبحث عن الحجرات المغلقة كي نفرغ ما فينا من حزن. نلجأ إلى الكتب وأوراق الكتابة البائسة، نبصق عليها أشياءَنا الصغيرة، القابعة في جوفنا. أنا مثلًا، أحتاج أن أقبّلك تحت الشمس، على مرأى من الناس، أحتاج أن أحفر اسمك على الأرصفة والطرقات، على جذوع الشجر، فوق مآذن المساجد وأجراس الكنائس.

...

كانت الست لا زالت تنقش الحب على جدران الغرفة. النافذة اليتيمة تداعب الريح الخفيفة في الخارج، وكلانا يدّعي أنّه منغمس في القراءة. صوتٌ في صدري كان يهمس: يا ليتني وُلدت عصفورًا.

التعليقات