عزمي بشارة: بعد تاريخ حافل وجذور ضاربة... كان عليّ فجأة أن أقتلع نفسي

الحلقة الرابعة والأخيرة التي ننشرها هنا اليوم، هي الفصل الثاني عشر من كتاب "في نفي المنفى... حوار مع عزمي بشارة" للكاتب والصحافي صقر أبو فخر، الذي يصدر قريبا...، والذي يحمل عنوان "تجربة الكنيست والخروج من فلسطين".

عزمي بشارة: بعد تاريخ حافل وجذور ضاربة... كان عليّ فجأة أن أقتلع نفسي

الحلقة الرابعة والأخيرة التي ننشرها هنا اليوم، هي الفصل الثاني عشر من كتاب 'في نفي المنفى... حوار مع عزمي بشارة' للكاتب والصحافي صقر أبو فخر، الذي يصدر قريبًا عن المؤسسة العربية للدراسات والنشر في بيروت، والذي يحمل عنوان 'تجربة الكنيست والخروج من فلسطين'.

في هذا الفصل يجيب د. عزمي بشارة على أسئلة تتعلق بنشاطه البرلماني وقراره الاستقالة من البرلمان، والملاحقات التي تعرض لها، وخروجه القسري إلى العالم العربي وعلاقاته فيه، ويتطرق إلى مشاريعه الحديثة التي أسسها بعد خروجه إلى المنفى القسري، وصولا إلى قوله بأنني 'أصبحت أكثر قناعةً بأن أهم ما يجب أن نعمل عليه في الفلسفة هو علم الأخلاق. هذا ما تبقى من وظيفتها فعلًا. وهو ناقصٌ عربيًا وإسلاميًا. وأتمنى أن يتاح لي الوقت لذلك، فلدي مشروعات غير منتهية. كما أصبحت على قناعة بأن العمل السياسي النضالي حاليًا يجب أن يتركز في المسألة الأخلاقية القيمية'.


• كيف تقوّمون تجربتكم في الكنيست؟

لم أتمكّن من إنجاز الحساب الختامي لهذه التجربة. والتحدي بالنسبة إلينا كان، كما سبق أن أخبرتك، مسألة تنظيم العرب في الداخل على أساس قومي ديمقراطي، من دون إهمال قضاياهم المعيشية وخصوصية حالتهم كمواطنين.

شخصيًا، كنت أعيش صراعًا داخليًا كبيرًا في الكنيست؛ صراع على تقدير مدى الفائدة من وجودي في ذلك المنبر. تذكّر أن العرب في الداخل يولدون فلسطينيين عربًا ومواطنين في دولة إسرائيل في الوقت ذاته. ولا معنى لكلمة تطبيع في ظروفهم. ففي ظروف المواطنة الإسرائيلية أعتبر التطبيع هو التخلي عن الهوية الوطنية والأسرلة وتبني الرواية الصهيونية. وكنت مُقتنعًا سياسيًا بأن من الضروري أن يكون للمواطنين العرب في الداخل تمثيل في الكنيست، وأن نحافظ على الحركة الوطنية في الداخل كي نحافظ على الهوية الوطنية، ونمنع الأسرلة في الواقع الاقتصادي الاجتماعي، ونواجه محاولات التحوّل إلى تأسرل سياسي وثقافي. ووجودنا في ذلك المنبر يمكِّننا من طرح بعض القضايا باسم الفلسطينيين في الداخل. كنت أعتبر الكنيست منبرًا، مع أن لهذا المنبر ثمنًا. وأنا، العروبي الديمقراطي، كنت أدفع ثمنًا داخليًا أكبر من غيري، وتحديدًا أكبر من الثمن الذي يدفعه المتأسرلون، أو ممن يعتبر الذهاب إلى الكنيست طموحًا شخصيًا أو مجرد وظيفة، أو يعتبرون عضويتهم في الكنيست ذروة أمنياتهم في الحياة. بالنسبة إلي، لم أكن أبحث عن مهنة أو وظيفة أو نجومية، ولم أحتج إلى ذلك كله. ولم يضف إلي العمل البرلماني شيئًا من هذا الجانب. وكان علي، بصفتي عروبيًا ووطنيًا فلسطينيًا، أن أحافظ في الأوقات كلها على خطوطٍ حمر لا أتجاوزها، كي لا أفسح في المجال لشبان كثيرين في الذهاب بعيدًا في العلاقة مع هذه المؤسسة. وكنت أريد الحفاظ على الهوية الوطنية الفلسطينية، وفي الوقت نفسه، أسعى إلى تبني خطاب المواطنة في تحدٍّ للمؤسسة الإسرائيلية، وإلى نيل حقوق مدنية. ولم يكن هذا الأمر سهلًا على الإطلاق. ومع ذلك أسّس وجودي في الكنيست، بحسب معظم المحللين الإسرائيليين، مدرسة جديدة في العمل النيابي، من سماتها: إتقان العمل بشكل علمي، وإدارته بحسب آخر أصول العمل البرلماني، وفي الوقت نفسه، التعبير عن مطالبنا بكرامة، وحتى أكثر من الكرامة، أي بكبرياء. فكنت أردّ على الإسرائيليين بكبرياء على الرغم من عنصريتهم، وفي تحد معاند لهم وللعنصرية. كان موقفي أننا لا نستجدي منهم أي شيء، وأننا نخوض حربًا يومية من أجل استعادة حقوق لنا سُلبت بمشروع استعماري استيطاني. لقد سيطرت على عقولهم لعقود عدة عقلية المستعمر الأبيض الذي وصل غروره ووقاحاته إلى الظن أنه يعرف ما مصلحتنا، وما هو الأمر الأفضل لنا. إنهم لا يعرفون معنى أن نتصرف معهم بكرامة وكبرياء. وهذا ما أثار بيننا وبين المؤسسة الإسرائيلية حربًا غير مسبوقة. وكنت أتجاوز الخطوط الحمر كلها التي يضعونها أمامي، فيحاولون وضع خطوطٍ جديدة، فأتجاوزها، ويتجهون ضدي إلى المحاكم. كانت هذه معركة وقضية لا تنتهيان، وحربًا مستمرة على ما هو المسموح وما هو المتاح، وهل من حقي أن أدعم المقاومة وحق الشعوب في تقرير مصيرها وحق الشعوب في المقاومة أم لا. وأعتقد أننا وسّعنا هامش حرية التعبير بشكل استثنائي، وصار الناس يقولون ما لم يكونوا يجرؤون على قوله في الماضي. وثمّة مصطلحات قلناها تحديًا للإسرائيليين مثل «المقاومة حق وواجب» و«المساواة تسوية نقبلها وليست معروفًا تصنعونه معنا» و«الدولة لجميع مواطنيها»، وهذه المصطلحات لم تلهج بها الألسن قبل ذلك في الكنيست وفي الحياة السياسية العربية، فأصبحت من المسلمات تمامًا، مثلما حولنا رفع علم فلسطين إلى أمر عادي، بعد أن كان يرفع بسرية وكانت عقوبة رفعه السجن.

أما خارج البرلمان، فاغتنمت حصانة موقعي لإحياء ذكرى النكبة ورفع علم فلسطين. في الماضي، كان بعضهم يرفع علم فلسطين سرًا بوجهٍ ملثم، أما نحن فحوّلناه إلى نشاط طبيعي ومعتاد في المناسبات كلها. كان العمل البرلماني بالنسبة إلي تحديًا مزدوجًا؛ تحديًا للحفاظ على التوازن السياسي من ناحية، وتحديًا في معرفة حدود قدرتنا على التأثير في داخل البرلمان الإسرائيلي ضد الأوهام كلها من ناحية ثانية. فقد راجت أوهامٌ كثيرةٌ عن قدرة العرب في الداخل على تغيير الواقع، وهذه الأوهام يجب تبديدها. فالكنيست في النهاية برلمان إسرائيلي، وفيه أغلبية صهيونية صلبة ترفض أي شراكة حقيقية مع العرب، وترفض فكرة دولة المواطنين، وتصر على دولة اليهود، ووجود عرب في الكنيست هو وجود لملحقين بدولة اليهود[1]. بعض العرب مستعد لأن يقبل ذلك، وهؤلاء يؤدون دور المعتدلين بالمفهوم الصهيوني طبعًا، أما نحن فقمنا بتحدّي ذلك في كل يوم. المهم أن تجربتي في الكنيست كانت مهمةً جدًا على المستوى الشخصي، ولا سيما أن الحفاظ على التماسك أمام الواقع الصهيوني لم يكن سهلًا على الإطلاق. وفي المرحلة الأخيرة، وصلت الأمور لديّ إلى حدها الأقصى، خصوصًا بعد الحرب على لبنان في عام 2006، وتجاوزتُ الخطوط الممكنة كلها، وأصبح من الصعب عليّ العمل في داخل البرلمان الإسرائيلي. ولا تنسَ أني مثقف وباحث وكاتب، وكان من الصعب التوفيق بين هذا كله، والعمل البرلماني والعمل الحزبي والشعبي والانتخابي الذي يتطلبه وجودي في ذلك الموقع.

• هل فكرت في الاستقالة؟

كنت أخطّط للاستقالة، وكان ذلك قراري بالتأكيد، فقد تعبت من العمل البرلماني وأصبح عملي كله مشوبًا بالتوتر، وأبلغت الحزب بذلك. لكن جاءت التطورات المعروفة والاتهامات الأمنية التي وجهوها إليّ وهي «مساعدة العدو في زمن الحرب»، الأمر الذي سرّع اتخاذ قرار الاستقالة، لكن القرار في ذاته كان قائمًا قبل ذلك. وكنت قد تعبت من أجواء العنصرية السائدة، وتعرّضت لحملات تحريض متواصلة، وأصبح من الصعب عليّ أن أعمل في تلك الأجواء، ورغبت في العودة إلى التفرغ للعمل الفكري. ومع ذلك، كنت أمرّر بعض القوانين المدنية المفيدة للعرب في الداخل نتيجة حسن اختيار الموضوعات التي أردت أن أمرّرها آنذاك. وفي المحصلة، حاولوا أن يصنعوا إجماعًا صهيونيًا ضدي، خصوصًا بعد الانتفاضة الثانية، ثم بعد الحرب على لبنان في عام 2006. وحتى تلك الفترة، كانت الأمور أسهل قليلًا. صحيح أن خطابي السياسي كان مرفوضًا تمامًا لدى الصهيونيين، لكن الأمور ظلت أسهل إلى حين اندلاع الانتفاضة الثانية في عام 2000، ثم الحرب على لبنان في عام 2006.

• يكاد لا يمر يوم إلا وتستخدم فيه قوى سياسية عربية مسألة التطبيع. عرب الداخل يحملون الجنسية الإسرائيلية التي من دونها لا يمكنهم البقاء في الوطن إلا كسائحين، كما قلتَ مرة. وبالتالي، فإن موضوعة التطبيع برمتها لا تنطبق عليهم. فكيف تناقش مسألة التطبيع؟

الأصل في رفض التطبيع هو رفض تطبيع الدول العربية علاقتها بإسرائيل كأنها دولة طبيعية: سفارات وسياحة وتبادل تجاري وثقافي... إلخ. هذا هو أصل الكلمة. وقد وقع كل من الأردن ومصر لا اتفاقات سلام مع إسرائيل فحسب، بل اتفاقات لتطبيع العلاقات أيضًا. ومن هنا، نشأت معركة شعبية اجتماعية حاولت فيها القوى الوطنية تعبئة المجتمع ضد التطبيع، وعدم المساهمة فيه ومقاطعة خطواته، وتميزّت من بينها النقابات واتحادات الكتاب... وغيرها.

التطبيع في فلسطين المحتلة عام 1967 هو التعامل مع الاحتلال باعتباره حالة طبيعية. النضال ضده هو رفض التطبيع. أما التعامل مع الدولة العبرية وأجهزتها فهو اضطرار يومي لتدبير حياة الناس. ويُفترض خفض هذا التعامل إلى الحد الأدنى الممكن. وفي حالات معينةٍ، وصل رفض مثل هذا التعامل إلى حد العصيان المدني، ورفض دفع الضرائب في بعض البلدات في أثناء الانتفاضة الأولى. لكن التعامل مع إسرائيل واقتصادها وأجهزتها وحدودها ومحاكمها لم يتوقف يومًا منذ عام 1967، فهذه هي ضريبة الحياة في ظل الاحتلال. المهم في هذه الحالة هو رفض قبول الاحتلال كحالة طبيعية، ورفض التعاون مع المؤسسات الإسرائيلية كأن الحالة طبيعية كالتعاون بين الجامعات والنوادي الرياضية والكتّاب... إلخ. عمومًا رفض الفلسطينيون ذلك، واعتُبر كل من تجاوزه مطبعًا مع الاحتلال، ونبذوه مهما فلسف الأمر.

حتى المقاطعة الاقتصادية لا تعني الكثير في هذه الحالة، فلا توجد طريقة لمقاطعة الاقتصاد الإسرائيلي بالكامل. وإذا أمكن مقاطعة المنتوجات، فلا يمكن مقاطعة الكهرباء والموانئ والجمارك والمصارف والمواد المستوردة للصناعة الفلسطينية البديلة. مقاطعة البضائع الإسرائيلية، في هذه الحالة، ربما تساهم في تقوية اقتصاد فلسطيني بإنتاجٍ بديل. وأعتقد أن الشكل الرئيس من أشكال التطبيع في المناطق المحتلة عام 1967 هو التنسيق الأمني مع إسرائيل. وما دام التنسيق قائمًا، فإن الحديث عن المقاطعة معنوي ليس إلا. لا يمكنك أن تقاطع، وألا تنتقد التنسيق الأمني الذي تقوم به السلطة الفلسطينية كجزء من اتفاق سلام مع المحتل لم يطبق في الواقع. ولذلك تجد بعضهم يقوم بحملات ضد اللبن المصنع في إسرائيل، وفي المقابل لا يُشار إلى التنسيق الأمني. مقاطعة منتوجات إسرائيلية في ظل توفير بدائل منها مهم لبناء اقتصاد وطني (لا لمسألة التطبيع)، لكنه يصبح كذر الرماد في العيون عندما لا تنظم حملات جدية ضد التنسيق الأمني، وهو أخطر العلاقات التطبيعية، لأنها مساندة مباشرة للاحتلال.

أما في داخل أراضي 1948 فالعرب مواطنون إسرائيليون. وهم يعيشون في ظل حكم الوزارات والمؤسسات الإسرائيلية وعملية الإنتاج الإسرائيلية، وهم يطالبون بالمساواة في المواطنة الإسرائيلية، ويتعاملون مع الدولة بحقوق المواطن المنقوصة، ويحملون جوازات إسرائيلية، ويتعاملون مع وزارة الداخلية حين يحتاجون إلى أي ترخيص، ويعيّنون في وظائف حكومية، أصوّتوا للكنيست أم لم يصوّتوا. لا معنى هنا للتطبيع ورفضه. الفارق بين الوطني وغير الوطني هنا هو الموقف السياسي، ومدى الاستعداد للتأسرل، وتبني الرواية الصهيونية والتخلي عن السردية الفلسطينية والتاريخ الفلسطيني، وقبول فكرة الأقلية التي ترضى بحقوق الأقلية كأنها مجموعة مهاجرين، وتبني الخطاب الإسرائيلي ضد العرب وفلسطين، والتخلي عن كبرياء السكان الأصليين. ومع أن الجميع يحملون جواز السفر الإسرائيلي فثمّة فارق في التعامل مع هذا الواقع، وثمّة اختلاف حتى بين الأحزاب العربية في الكنيست. والفارق هو بين التأسرل في دولة يهودية ليست دولة لجميع مواطنيها، والإصرار على الهوية الفلسطينية وعلى مناهضة الصهيونية والطبيعة اليهودية لإسرائيل. الموضوع معقد جدًا، لكن المهم هو البوصلة الأخلاقية، لا التشنج الأيديولوجي.

• يدور نقاش مطوّل في شأن هذا الموضوع في العالم العربي بين المثقفين بشكل خاص. وأحيانًا يتعلق الأمر بالتعامل مع الإعلام الإسرائيلي، أو الظهور مع مثقف إسرائيلي في ندوة ما... إلخ. وأعتقد أن كثيرًا من المثقفين العرب يهمهم رأيك في هذه المسألة؟

لا أدري من يهتم برأيي حين تبدأ المزايدات. حديثًا انتشرت المزايدات في التطبيع نفسه بسبب تردّي الحالة العربية وتفكّكها والتشكيك بالمرجعيات. فبذريعة افتضاح أمر الممانعة والمقاومة في قمع ثورة الشعب السوري، نلاحظ عند البعض استغلالًا للفرصة للتحلل من كل ما له علاقة بالامتناع عن التعامل مع إسرائيل ومؤسساتها، كأن شعارات هذه الأمور ممانعة. وأصبح كثيرون يتجنّدون للدفاع عن كاتبٍ عربي ظهر في التلفزيون الإسرائيلي، حتى لو كان هذا الكاتب يبدي تعاطفًا مع إسرائيل، لا مع الفلسطينيين. وهكذا وقعنا بين مزايدين يتهمون كل خصم سياسي بالتطبيع من جهة، كما يفعل شبيحة النظام السوري، ولا يلاحظون مفاوضات النظام مع إسرائيل في الماضي، ولا تحالفه مع روسيا التي تنسق مع إسرائيل في قضايا سورية. ومن الجهة الأخرى، هناك مزايدين يؤيدون كل مثقف عربي يطبع العلاقة مع إسرائيل.

ليست لدي معادلة سحرية. الأفضل والأسلم الامتناع عن العلاقة مع المؤسسات الإسرائيلية، ولا حتى لغرض شرح وجهة النظر العربية. والحقيقة أن المثقف العربي (كاتب أو شاعر... إلخ)، إذا لم يكن متعاطفًا مع إسرائيل، فإنه يظهر في وسائل الإعلام الإسرائيلية لإثارة إعجاب الإسرائيليين. وهذا تعبير عن عقد نقص متعددة الوجوه. لكني لن أخوّن مثقفًا عربيًا ظهر في الإعلام الغربي مثلًا، أو أمام جمهور جامعي لمناقشة أكاديمي إسرائيلي يعبر عن الموقف الصهيوني في القضية الفلسطينية وفضحه. المهم أن يكون النقاش في موضوع الصراع العربي - الإسرائيلي وفلسطين، وأن يكون مفتوحًا أمام الجمهور، لا حوارًا مغلقًا أو نقاشًا بدعوة من مؤسسة إسرائيلية. في تلك الحالة، أعتبر هذه المناقشة مواجهةً، وجزءًا من الصراع والدعاية للموقف العربي.

لا حدود للأمثلة العينية التي يمكن أن تُناقش في هذه الحالة، وهي كثيرة. ولا يمكن الإجابة عنها جميعها، والمفتاح هو الموقف السياسي والفكري ضد الصهيونية وإسرائيل، وأن يفعل الإنسان ما يمليه عليه عقله وضميره في هذا السياق. أما العربي المتعاطف مع إسرائيل، فلا يمكنني توقع سلوكه، ولن يستمع إلى نصيحتي في أي حال. وفضحه ونقده ضروريان، لأنه يقف مع الظلم والاحتلال. وأستغرب موقف المثقفين العرب الذين يدافعون عن أمثاله بذريعة رفض شعارات المقاومة والممانعة. كأن متاجرة الأنظمة والحركات السياسية بقضية فلسطين هي ذنب الفلسطينيين.

• هناك تخوف دائم لدينا في الخارج من أن إسرائيل ربما تُقدم في ظرف ملائم على تنفيذ «ترانسفير» في فلسطين؛ في المثلث مثلًا[2]. إلى أي حدٍّ يمكن اعتبار هذا التخوف حقيقيًا؟

إذا قلت إن الترانسفير صعب جدًا اليوم، فأخشى أن نستبعد ذلك من سياسات إسرائيل وخططها. السؤال هو: هل ترغب إسرائيل حقًا في الترانسفير؟ إسرائيل ترغب، أو لنقُل إن جزءًا رئيسًا من المؤسسة الصهيونية، عماليًا أَكان أم ليكوديًا، يرغب في أن تكون إسرائيل مقصورةً على اليهود وحدهم. ومع ذلك أرى أن إسرائيل باتت غير قادرة على ذلك. هم فعلوا ذلك في حرب 1948 لضمان أكثرية يهودية. الآن، لا توجد حروب مع إسرائيل. ثم إن إسرائيل موجودة اليوم وقائمة على أنقاض الشعب الفلسطيني. أما أن تقوم اليوم بعملية ترانسفير أخرى، ولسكان أصبحوا مواطنين فيها، فهذا باعتقادي صعب جدًا.

• الترانسفير غير وارد في الأحوال العادية، هذا صحيح. لكن، ماذا لو تطورت الأوضاع في فلسطين، في لحظة ما إلى صداماتٍ واسعة، أو إلى حرب سورية - إسرائيلية؟ لنتذكّر أن إسرائيل نفذت ترانسفيرًا في الجولان في حرب 1967.

نعم، نفذت إسرائيل ترانسفيرًا في الجولان في أثناء حرب 1967، ونزح فلسطينيون كثرٌ من الضفة وغزة. ولا أدري كم هو عدد الذين خرجوا من ديارهم قسرًا في تلك الحرب. وبالتأكيد، ففي حالة الحرب الشاملة من الصعب توقع ما قد يحصل، ومن بين ذلك الترانسفير. لكن، في الأحوال العادية، الترانسفير صعب جدًا. ولا يجوز أن يخطر في بال الإسرائيليين أن هذا الخيار ممكن، وأننا نناقشه كخيار واقعي.

• كيف خرجت إلى المنفى؟

دعيت إلى التحقيق مراتٍ عدة بشأن زياراتي إلى لبنان بعد حرب عام 2006. وكان واضحًا من التحقيق أن جهاز الأمن الإسرائيلي قد سجل مكالمات لي من هاتفي المنزلي وهاتفي النقال، بما في ذلك محادثات مع أصدقاء وصحافيين لبنانيين في أثناء الحرب. وادّعوا في التحقيق أن هؤلاء «وكلاء لعدو أجنبي»، وأنني أمددتهم بمعلومات قبل الحرب وفي أثنائها. قلت، في التحقيق، إن ما تسمعوني إياه من مكالماتي الهاتفية هو كلام سياسي أقوله في أي مكان، وحتى من على منبر البرلمان. لكنهم قالوا إن لديهم تسجيلات إضافية. وقد فهمت إلى ماذا يرمون منذ بداية التحقيق. كما ضغطوا على صرّاف ليعترف بأني كنت أحوّل بوساطته، لحسابي، مبالغ من الخارج، وكان هذا صحيحًا. فقد كنت أحوّل أموال تبرعات من الخارج إلى الداخل لأغراض مختلفة، ولدعم نشاط سياسي وإنساني، كما كنت أصرف عنده مكافآتي عن مقالاتي في صحيفتي الحياة والأهرام ويكلي وغيرهما، وأتبرع بها لصحيفة فصل المقال في الداخل. ولا أستبعد هنا وشاياتٍ من خصوم سياسيين عرب.

في الوقت ذاته، صدر تصريح لناشطة في مجال حقوق الإنسان شولاميت ألوني (كانت سابقًا وزيرة ونائبة وتميزت بمواقفها الراديكالية) يقول إن أجهزة الأمن تحاول القضاء على عزمي بشارة. ويبدو من رسالةٍ أرسلتها إلي أن بعض مصادرها أخبرها أنهم (أي السلطات الأمنية الإسرائيلية) يحاولون تصفيتي فعلًا.

لم ينته التحقيق... وقلت في نهاية إحدى جولاته إنني مضطر إلى السفر في اليوم التالي لإجراء مقابلةٍ في قناة «الجزيرة» للتعليق على القمة العربية من الاستوديو في الدوحة بدعوةٍ من القناة. كان ذلك في 20 آذار/مارس 2007، وإنني سأعود. لم يكونوا قد كشفوا أوراقهم كلها، كما أنهم كي يمنعوني من السفر، كان عليهم نزع حصانتي البرلمانية، وهذه عملية طويلة يجب أن يقدموا فيها لائحة اتهام. وهذه هي الفجوة التي مكّنتني من المغادرة. كانوا يعتقدون أني لا أعرف تمامًا ما يخبئون لي، وبالتالي فسوف أعود. ولم يكن في وسعهم منعي من السفر قبل استكمال التحقيق وتقديم طلب نزع الحصانة البرلمانية. وأنا خرجت بحملٍ خفيف، قميص وسروال وسترة وملابس ليومين. تشاورت مع بعض المقرّبين وسافرت. وبعد أن وصلت إلى عمان، قرّرت عدم العودة، لكني لم أعلن ذلك، وألقيت محاضرة في اليوم ذاته بدعوة من رابطة الكتاب الأردنيين، ولا أدري كيف تمكنت من التركيز لألقيها، ولأقبل دعوة العشاء بعدها. وبت ليلتين في عمان ثم واصلت سفري إلى الدوحة، وشاركت فعلًا في التعليق على القمة في قناة «الجزيرة». وتشاورت مع أمير قطر، الشيخ حمد بن خليفة الذي رحب بوجودي في الدوحة ريثما تتضح الأمور، وسهّل إقامتي بشكلٍ يشكر عليه. لقد كان الشيخ حمد صديقًا، وكنت قد تعرفت إليه في عام 1998 في الدوحة، والتقيته في باريس، كما استقبلني في الدوحة مرات عدة.

كانت فترةً صعبة جدًا. كنت في الحادية والخمسين، لا أفكر بالهجرة إطلاقًا، بل بالانتقال إلى العيش في قرية والدي (ترشيحا – عرب ٤٨) والتفرغ للعمل الفكري قدر المستطاع. وبعد تاريخ حافل وجذور ضاربة في عمق الأرض، كان علي فجأة أن أقتلع نفسي، وأن أبدأ من جديد. كنت دائمًا أنتمي إلى العالم العربي، وكنت معروفًا فيه. لكن، لم أفكر في الانتقال إليه. اجتمعت إلى أعضاء المكتب السياسي للتجمع الوطني الديمقراطي مرات عدة، واتخذنا القرار معًا، حفاظًا على «التجمع». قدّمت استقالتي من الكنيست في القاهرة، ثم قابلت أخي مروان الذي كان قد بدأ العمل في قناة الجزيرة الإنكليزية، وأيد قراري بقوة، وأذكر أنه استخدم ساخرًا عبارة بالإنكليزية، كنا نكتبها على رسائل الأصدقاء وبطاقات المعايدة في شبابنا:  Today is the first day of the rest of your life. والحقيقة أنني كنت أشعر أنه اليوم الأخير في حياتي. لكننا ضحكنا كثيرًا من هذا الشعار/الكليشيه الذي تبين، في النهاية، أنه صحيحٌ بمعنى ما. عائلتي القريبة صُدمت. زوجتي رنا وطفلاي عمر ووجد بقوا في البلد، أما أختي روضة الوحيدة التي بقيت في فلسطين، فكانت تدير جمعية الثقافة العربية، فأعتقد أنها لم تخرج من صدمتها حتى وفاتها. كنتُ كلَّ شيء بالنسبة إليها، وتوفيت وأنا في الخارج، وكانت آخر من بقي في فلسطين من عائلتي الصغيرة. وكان علي أن أتابع تشييعها من الخارج. في تلك الأيام ذقت مرارة المنفى. وكان قد توفي أصدقاء آخرون لي وأنا في الخارج. وهذه هي اللحظات الأصعب التي تدرك فيها معنى الحرمان من وطنك.

في الصيف الأول بعد المنفى، كتبت المسألة العربية في بيت في عمان أعارني إياه صديق فلسطيني كان يسكن في أبو ظبي. كنت في تلك الفترة التقي عددًا من الأصدقاء في عمان أمثال طاهر كنعان ومحمد المصري وياسر أبو هلالة ومصطفى الحمارنة، وأختي الصغرى سامية التي كانت تعمل في عمان، وأقارب وغيرهم ممن جعلوا حياتي محتملة. وكانت القيادة السورية (الرئيس بشار الأسد شخصيًا) قد عرضت علي أن أسكن في دمشق. ودعاني الرئيس اللبناني إميل لحود إلى السكن في بيروت. وألقيت عددًا من المحاضرات في لبنان، وشغلت كرسي جمال عبد الناصر في مركز دراسات الوحدة العربية. ثم بدأ فصل جديد في حياتي، وباقي القصة سبق أن ذكرتها أنت في فقرة «السيرة العاصفة». استقرّت الحال أخيرًا في قطر حيث تمكّنت من تأسيس مركز بحوث، وحصلت على الدعم اللازم لذلك، وكذلك الحرية الأكاديمية اللازمة. وكان لي دوري الذي تعرفه في الثورات العربية لناحية قوة الظهور الإعلامي والكتابة والاتصال المباشر وغيرها. وأعتقد أني ما زلت أمارس دورًا ديمقراطيًا آمل أن يكون تنويريًا أيضًا. لكن همي الأساس هو الانصراف إلى العمل البحثي.

• بعد خروجك من فلسطين بادرت إلى بناء المؤسسات، كأنك تعيد دائمًا بناء ما بدأت به، لكن في مكان جديد. في فلسطين أسست «ميثاق المساواة» في عام 1992، ثم التجمع الوطني الديمقراطي في عام 1995، ثم صحيفة «فصل المقال» في عام 1996، فموقع عرب 48. وساهمت في تأسيس مركز مدى الكرمل للأبحاث، ومؤسسة مواطن الفلسطينية لدراسة الديمقراطية، وغير ذلك. وها أنت في غربتك تؤسس المركز العربي للأبحاث ودراسة السياسات ومعهد الدوحة للدراسات العليا والمعجم التاريخي للغة العربية، وجريدة «العربي الجديد» وتلفزيون العربي وغيرها. ماذا تقول في هذا الجهد كله؟

ممتع ومحفز وشاق جدًا. أنا مدمن العمل كما يعرف كثيرون. تذكّر أن علي أن أقرأ وأبحث وأكتب خلال هذه المهمات كلها. من الأسهل أن يلتحق الباحث بمؤسسةٍ قائمةٍ ويعمل فيها، لأن إنشاء مؤسساتٍ في المجتمع العربي مسألة ليست سهلة على الإطلاق. من ناحية العمل في الداخل، كنت أعتقد أن الجواب عن فقدان المدينة العربية هو بناء مدينة افتراضية[3]. ومن بين عناصر هذه المدينة الجديدة الحزب والجامعة ومراكز البحوث والصحف. وبناء ذلك كله يشبه بناء ثقافة المدينة. وكنت أرى في ذلك أهميةً كبرى. وأنا سعيد أن معظم هذه المؤسسات تعمل في غيابي، غير أن الأمر كان مضنيًا ومجهدًا. البناء في مجتمع تقليدي ليس أمرًا سهلًا، ولا سيما في ظل عدم توافر القدر الكافي من النُخب الفكرية والبحثية، وحتى السياسية، الذي يشكل الكتلة الحرجة الضرورية لإحداث التغيير. لكن، كان لدي دائمًا هاجس محدّد هو أنني كنت أرفض نمط القيادي الذي يبنى كل شيء حوله شخصيًا، وعندما يغادر لا يترك شيئًا وراءه؛ فلا مؤسسات ولا هيئات. كان هذا هاجسي دائمًا. ولذلك، بنينا مؤسساتٍ تعتمد نظمًا إدارية متجدّدة وقيادة جماعية. إنها نوع من الديمقراطية الداخلية التي تنتج وتدرب بشرًا على القيادة. أما في المنفى، فقد أتيحت لي في قطر الفرصة، فضلًا عن حرية العمل والتفكير والدعم، لتأسيس مركز بحوث يُعنى بالقضايا الاجتماعية والسياسية والنظرية للأمة العربية.

في المركز العربي للأبحاث نهتم بالمجتمعات والبلدان العربية، ونؤسس، بشكل علمي، أي بالبحث والتحليل، لخطاب ديمقراطي، فضلًا عن الانغماس في تحليل المجتمعات وبنيتها، وتحليل تاريخها، بما في ذلك علاقة التراث بالحداثة، والفكر الديني والصراعات في داخل المجتمعات العربية، والقضايا الطبقية والاجتماعية والسياسية والجيو - استراتيجية. هذه القضايا كلها يجب أن تكون جزءًا من عمل مركز بحوث، ينظر إلى العالم العربي بشكل شامل. وهذا الأمر غير متوافر تمامًا حاليًا. طبعًا هناك جامعات لا بأس بها، وثمّة مراكز قامت بدورٍ ما في هذا الميدان. لكن مراكز بهذا الحجم والسعة غير موجودة حتى الآن. وبسبب هذا الافتقار، بادرنا إلى تأسيس المركز العربي للأبحاث ودراسة السياسات. وقد قدّمت المشروع للمسؤولين في الدوحة. وفهم بعض الناس أن المركز يتبع دولة قطر. وما كان يهمهم ذلك كثيرًا في الماضي، ولا سيما قبل عام 2011. والواضح أن هناك مشكلة لدى مثل هؤلاء الناس في النظر إلى هذه القضايا، فهم ينظرون إلى الأمور انطلاقًا من الواقع القائم في دولهم، ويعتقدون أن علاقتي بقطر مثل علاقتهم بدولهم. والحقيقة أن قطر لم تفكّر في إنشاء مركز للبحوث من هذا النوع. وهذه الفكرة أتيت بها أنا شخصيًا للشيخ تميم بن حمد حين كان وليًا للعهد. واستغرقت المناقشات أكثر من عام، إلى أن تحقق هذا الدعم، وهو مشروع عربي لإقامة مركز للبحوث حظي بدعم دولة قطر، وليس مشروعًا قطريًا أُنفذه أنا. ليست العلاقة بين الطرفين هكذا. وهذا ينطبق على المشروعات العلمية الأخرى. التوجه إلى صندوق فورد أو فولبرايت أو صناديق الدعم الإنكليزية والألمانية مثلًا مشروعٌ في نظر هؤلاء. أما التوجه إلى دولةٍ عربيةٍ، وعلى أرض عربيةٍ، فهذا مدعاة للغرابة ورفع الحواجب واللغو والكلام الفارغ، إلا إذا حصل المنتقد نفسه على الدعم، فعندها يصبح مشروعًا.

يجب أن أفرح لأن الإصرار أتاح لي تأسيس مركز بحوث عربيًا بدعم عربي، وعلى أرض عربية. ودائمًا كنا ننتقد الدول العربية لأنها لا تنفق على البحوث العلمية، وإنها لا تتيح الحرية للبحث العلمي. هنا وجدنا من ينفق على البحث، ويتيح الحرية في البحث في الوقت نفسه. وهذا يفترض أن يكون موضع تقدير. لم تُفرض علينا أي شروط، ولم يجر التدخل قط في عملنا العلمي أو في منتجاتنا المنشورة. والغريب أن كثيرين يسارعون إلى الصناديق الغربية للحصول على دعم مشروط. وجميع الصناديق الغربية تدعم بشروط، كما أن دولًا عربية أخرى، وإيران وتركيا وغيرها، تدعم بشروط. المهم لدينا هو مستوى البحث العلمي وموضوعيته واستقلاليته، وعدم حياديته في ما يتعلق بقضايا حقوق الإنسان وكرامته والديمقراطية في البلدان العربية. هذا هو الموضوع الوحيد الذي يجب أن يُبحث نقديًا، وأن يحاسب مركز الأبحاث عليه.

بعد الثورة السورية، راح الجميع يتهم الجميع في كل شيء. ولذلك لا أنصت إلى الاتهامات، لأن بعضًا ممن يتهمنا الآن كان يطلب وساطتنا عند القطريين لدعمه قبل الثورة السورية بأشهر معدودات، ومن بين هؤلاء أصحاب صحف لبنانية وفصائل فلسطينية مؤيدة لسورية، وكتّاب أفراد، وآخرون راغبون في تأسيس مراكز بحوث. وحتى في هذا لم يفهموا أن علاقتي بالقطريين هي علاقة صداقة واحترام متبادل، لكنني لست وسيطًا لأحد، ولا مستشارًا لأمير قطر على سبيل المثال. والمركز العربي للأبحاث ودراسة السياسات، فضلًا عن معهد الدوحة للدراسات العليا، مركز مستقل فعلًا. وأتيحت لنا الفرصة كي يكون مستقلًا حقًا، لأن لدى الأخوة في قطر رؤية في هذا الشأن، ولا يضيرهم أن يعمل المركز بحرية أكاديمية. وهذا ما يحتاج إليه أي جهدٍ لإقامة مؤسسة أكاديمية في بريطانيا أو في سنغافورة أو في أميركا. هناك أيضًا تحتاج إلى حرية أكاديمية وإلى دعم مادي. وأظن أن علينا أن نفخر أن حرية البحث العلمي والدعم غير المشروط قد توافر في بلد عربي، من دون شكر وإشادات ومدائح، ولم يطلب أحد منا ذلك. وعلى هذا الأساس، مضينا في التأسيس، وبدأنا العمل من هذا المنطلق، ووجدنا الترحيب من النخبة الأكاديمية العربية، حتى قبل أن يبدأ العمل في المركز. فبدأنا سلسلة مشروعات، منها المعجم التاريخي للغة العربية، والمجلات الدورية الخمس (عمران، تبين، سياسات عربية، أسطور، استشراف). وبات المركز أهم مراكز البحث العلمي في الوطن العربي في فترة قصيرة، وله فروع في بيروت وتونس وواشنطن، وتمكّن من أن يسد فراغًا كبيرًا في الثقافة العربية. وأخيرًا، صار يوجد مركز يقدم وجهة نظر عربية من التطورات في المنطقة العربية والعالم، أي إنه ينطلق من فهمنا لقضايانا ومن منطلق تحقيق مصالح المواطنين في المنطقة العربية، أعاش هؤلاء في تونس أو في السودان أو في الكويت. كانت أوراق التحليل السياسي تأتي إما من مراكز غربية أو من مراكز محلية لا ترى القضايا المدروسة من منظور عربي شامل، ولا تصل إلى جميع المتابعين والمهتمين، ونحن قلبنا القاعدة.

أسّسنا المعجم التاريخي للغة العربية، وهو مشروع ضخم، مشروع أمة، ثم عكفنا على تأسيس معهد الدوحة للدراسات العليا الذي استغرق تأسيسه أقل قليلًا من أربعة أعوام. والآن، انطلق نحو الاهتمام بما أهمل في العلوم الاجتماعية والإنسانية والعلوم الإدارية بمنهجٍ عابر للتخصصات، وبنخبةٍ تدريسية من الدول العربية كلها، بعضهم استقطبناه إلى المعهد بعد أن كان يدرّس في جامعات غربية. ونتطلع إلى أن يتحول معهد الدوحة مكانًا لتبلور مثقفين عرب، مفكّرين ونقديين.

هذه مشروعات كبرى، نقوم بها خدمة للعلم والثقافة. والأمر الصعب أنني أقوم بهذا كله وأجد، في الوقت نفسه، وقتًا للكتابة والتفكير والتأمل. وأحار كثيرًا بين أن أكرّس وقتي كله للكتابة والتفكير، أو لإنشاء مؤسساتٍ لا تمنحني إلا القليل من الوقت للكتابة. لكن، إذا لم أفعل ذلك، بعد أن أتيحت الفرصة، فمن سيفعل؟ الأنانية التي يفترض أن يتميز بها باحثٌ منتجٌ مثلي يجب أن تدفعني إلى أن أغلق الباب علي وأكتب، ولا شيء غير الكتابة. ألم يفعل عدد من أصدقائي المعروفين ذلك؟ لكن الواجب الاجتماعي للمثقف العمومي في بلادنا يجعلني لا أتردّد في اقتحام غابة التأسيس، أو صحرائها إذا شئت. فالنخب العربية قليلة جدًا إلى درجةٍ لا تستطيع إطلاقًا أن تنعزل عن واجبها التاريخي، وأنا لا أستطيع أن أقول إن المطلوب مني سيفعله غيري. إذا اكتفى كلّ منا باختصاصه فحسب، فلن يكون هنالك من يقوم بواجبات التنمية البشرية. ومجتمعاتنا تحتاج إلى تنميةٍ بشريةٍ ملحة، والتنمية تحتاج إلى مؤسسات، والمؤسسات يجب أن ينشئها أناسٌ لديهم التنور الكافي. فإذا مضينا إلى تخصصاتنا وحدها، ولم نفعل أمرًا من هذا القبيل، لن يقوم أحدٌ بما يجب أن يقوم به. لذلك، أحاول أن أحافظ على توازنٍ ما، أي أن أنشئ مثل هذه المؤسسات، وفي الوقت نفسه أمارس عملي البحثي والفكري. وهذا هو التحدّي الكبير الآن. ثمة كثيرون يمكنني الاعتماد عليهم حاليًا، وبدأت أجد وقتًا أكثر للكتابة، عدا ساعات الليل المتأخرة والصباح الباكر.

• قلت إنك لست مستشارًا لأمير قطر. كثيرون رددوا ذلك ولم ترد عليهم أو توضح ما يُقال. لماذا؟

هذا ليس الأمر الوحيد الذي لم أرد عليه. حين أُسأل بغرض المعرفة أجيب عن السؤال. كما أرد على النقاش بالحجج. أما الغمز واللمز والتحريض فلا أرد عليها. ولم يحدث أنني قمت يومًا بالرد على أي تهجم من أحد، لا بأسلوب الدفاع، ولا بأسلوب التهجم على الآخرين. ليس لدي وقت لهذا الكلام الفارغ. أما حين يسألني أحد بشكل موضوعي بهدف المعرفة فأجيب دائمًا. وأنت سألت، وسوف أجيبك.

لا، لست مستشارًا لأمير قطر. ولو قرأت مقالتي عن المثقف التي أعدت نشرها في كتاب الثورة والقابلية للثورة، لرأيت كيف أميز بين المثقف العمومي والخبير. أنا لست خبيرًا. بل صاحب تخصص ومثقف نقدي عمومي في آن. هل سمعت عن مستشارٍ لأمير ينشر مقالاته ويقول رأيه بحريةٍ لغير من يستشيره؟ هل سمعت عن دولةٍ تتحمل مستشارًا يدعو علنًا إلى الإصلاح، أو إلى الثورة من أجل الديمقراطية؟ بمعنى ما، أنا أقلّ من مستشار وأكثر من مستشار؛ أنا صديق، ولأنني صديقٌ، ليست لديه أجندات سياسية في قطر، يحترمون ما أقول. أقول له رأيي بحرية، وأعبر عن رأيي بحرية في كتبي وبحوثي، وفي الإعلام. ولا يمكنني أن أمثل موقف دولة قطر، أو أي دولةٍ أخرى. ولا هم كدولة يتحملون أن تعتبر مواقفي وأفكاري الحرة والنقدية محسوبةً عليهم. وأنا لا أنسى وقفة الأميرين السابق والحالي معي في أثناء خروجي إلى المنفى، وعدم تدخلهم في حياتي، وعدم محاولة تقييدي بأي شيء، علاوة على دعم المشروعات التي ذكرناها من دون شروط في الوقت ذاته، ولا أنسى موقف الشعب القطري عمومًا.

يقول بعضهم إن قطر تستفيد من ذلك. حسنًا، يحق لها أن تستفيد. لماذا لم يحاول الآخرون أن يستفيدوا. وإذا كانت دولة تستفيد من وجود مثقف عربي ومن منحه الحرية ليعمل وينتج، ويبني مؤسسات فكرية وتنويرية لتنتج وتبقى، فهذا جيد، ويُعتبر نقطة لمصلحتهم وليست ضدهم، والفائدة متبادلة. هذا أفضل من الأنظمة التي لا تستفيد إلا من وضع المثقفين في السجون.

وما دمنا في تفنيد الشائعات، فأنا أيضا لم أعمل يومًا في قناة الجزيرة، خلافًا لما روجه البعض.

• اخترت الدوحة مقرًا لك. لماذا ليس بيروت أو عمّان أو القاهرة أو دمشق؟

الحقيقة أنني تردّدت في هذا الاختيار. وفي النهاية أقمت حيث أعمل. أنا أحب دمشق كثيرًا، وكذلك بيروت وعمّان، ولي في هذه المدن أصدقاء كثر. لكن، هناك أمر مهم هو علاقتي بعرب الداخل.

ترددت كثيرًا على بيروت ودمشق وعمان. ولو أنني ذهبت وعشت في لبنان، فكأنني أؤكد التهم التي وجهها الإسرائيليون إليّ، مع أنني لستُ مهتمًا بما يقوله الإسرائيليون، لكني أتخوف على رفاقنا في الداخل، فهذا كان سيؤدي إلى ضرب إطار الحركة الوطنية في الداخل. وينطبق الأمر نفسه على سورية. وفي سورية، من غير الممكن تصور وجود حرياتٍ أكاديمية، فضلًا عن السياسية. كانت لي آنذاك علاقات ممتازة مع الرئيس بشار الأسد، لكن، كنت أتخيل لو أنني سكنت في سورية، فسيتولى أحد الضباط من الاستخبارات العلاقة معي. بالتأكيد سيحترمونني بدايةً كواحد من العرب الضيوف. ولا أعتقد، من تجربتي مع المنفيين السياسيين في سورية، أن الأمور كانت ستقف عند هذا الحد، مع أنهم عرضوا عليّ أن أسكن في دمشق. والآن، أفكّر في ما لو عشت حقًا في دمشق، ثم حدث ما حدث، فماذا كنت أفعل؟ وحتى في بيروت، لا أعتقد أن الحرية مصانةٌ، مع تدخل زعماء الطوائف وحساسياتهم، فضلًا عن الأمان الشخصي.

أتيحت لي فرصة العمل بحرية والتنقل بحرية، وحصلت على أوراق تمكنني من التنقل، وتأسيس مركز بحوث في الدوحة. فأقمت حيث أعمل. ومنذ البداية، رحب بي القطريون، وأقمت في عمان فترة، ثم في قطر. وسكنت عائلتي في عمان. وظللت أربعة أعوام متنقلًا بين عمان والدوحة. ثم انتقلت العائلة إلى قطر التي وفرت لنا فيها تسهيلات الإقامة.

• أتخيل أنك كنتَ ستغادر حتمًا دمشق أو بيروت، بعد اندلاع الحريق العربي، وانقسام الناس عليه. وحتى أمنيًا، ما كان في إمكانك العيش في بيروت لأسباب أمنية جلية.

السكن الدائم في بيروت غير ممكن أمنيًا. أما عمان فأنا أزور هذه المدينة باستمرار، وعائلتي سكنت فترة في عمان، واستُقبلتُ فيها بشكل ممتاز، وأنا أحب الشعب الأردني، ولا توجد مشكلة للفلسطينيين في عمان. إلا أن وجودي هناك يعرّضني لمخاطر شتى. فالإسرائيليون يدخلون ويخرجون في كل يوم، وهم عرب ويهود، ويحق لي أن أحسب حساب كل ما هو غير متوقع، فإسرائيل تلاحقني، وما زال التحريض يطاولني شخصيًا كلما حصلت مشادة كلامية في الكنيست أو في الإعلام. أما في قطر، فالأمور مختلفة تمامًا، لأن علاقة صداقة تربطني بالأمير حمد الذي تعرفت إليه قبل أن أعرف ولي العهد، الأمير حاليًا، الشيخ تميم. ثم إن نصيبي أن أكون في العالم العربي، وألا أغادره إلى أوروبا. وقد أتيح لي العمل بحريةٍ هنا، ولا سيما في أثناء العدوان على غزة في عام 2008، فتحدّثت إلى وسائل الإعلام كما أريد. غير أن الاستخبارات الأردنية لم ترحب بظهوري إعلاميًا. ولم يرحبوا بالدعوات التي وجهتها إلي مؤسسات مختلفة في الأردن لإلقاء محاضرات. واضحٌ أنهم لم يرغبوا آنذاك في استفزاز الإسرائيليين، فبالنسبة إليهم كان يكفي الإقامة في الأردن. وعندما بدأت أفكّر في إقامة مركز للبحوث، وجدت أن في الإمكان تدبر الأمر في الدوحة، وهذا يتيح لنا البقاء في العالم العربي وضمان الاستمرارية والحرية الأكاديمية في الوقت ذاته. وأعتقد أن هذا الخيار كان صحيحًا، وظلت عائلتي قادرةً على العودة إلى عمان، ومنها إلى فلسطين.

• ما الأفكار التي تخليت عنها؟

تخليت عن كثير من الأفكار، لكنني لم أتخلَّ عن القيم والمبادئ. الأفكار يجب أن يتخلى عنها الإنسان حين تبرهن التجربة إنها خاطئة. وحياة الإنسان، أي الإنسان الناضج، هي سلسلة من التخلي عن الأفكار، وتبني أفكار جديدة. الأفكار في المراهقة غير الأفكار في مرحلة البلوغ. والأفكار في البلوغ غيرها في مرحلة الكهولة. وكلما ازداد الإنسان علمًا لا يتعلم أفكارًا جديدة فحسب، بل يتخلى عن أفكارٍ قديمة. لكن، لا أتخلى عن القيم والمبادئ، فهي الأساس في الوجود الإنساني. فإذا اتضح للإنسان أنه عانى ضيق أفق أو قصور نظر وعدم تسامح في القيم والمبادئ فلا بأس، ففي الإمكان تطوير القيم والمبادئ أيضًا. والتغلب على التناقضات بين القيم والسلوك هو التحدي الأكبر أمام الإنسان. لكن، لا يجوز التخلي عن النواة الأخلاقية الرئيسة. فمثلًا حب الخير للناس ورفض الظلم هما جزء من تركيبة بنيتي الشخصية. أنا لدي شعور بالحرج أو شعور بالخجل، ويمكن تخجيلي بسهولة في أمور معينة. والتخلي عن هذه الأمور صعبٌ، لأنه جزء من البنية الشخصية. وثمة أمور عادية يقوم بها الناس أعتبرها عبئًا كبيرًا وتشعرني بالحرج الشديد لو قمت بها. ثم إنني أشعر بتأنيب ضمير شديد لأي ضرر يلحق بأحد. وهذا الأمر بنية راسخة في الشخصية لدي؛ إذا أسأت إلى أحد، ولو عن غير قصد، أُصاب بضيق شديد. أما القيم الرئيسة، مثل حب الخير للناس أو الصدق أو كره الكذب والنفاق، فضلًا عن رفض التمييز ضد البشر، ورفض أي احتقار للبشر وإذلالهم، والنضال في سبيل المساواة بين البشر، ومعاداة العنصرية، والسعي إلى الحرية واعتبارها جزءًا من جوهر الإنسان، فهذه قيم مكونة بقوة لحياتي، لم أتخلّ عنها يومًا.

لدى بعضهم أفكار ناجمة عن آراء مسبقة، أو عن عقائد حزبية، تجعلهم يحبون أناسًا معينين من دون معرفة؛ تحبهم لأنهم ينتمون إلى التيار السياسي نفسه الذي تنتمي إليه، ثم تكتشف كم كنتَ مخطئًا، وأن هذه المواقف مجرد عصبياتٍ ضد أناسٍ لا تعرفهم، ثم تكتشف أنهم أناس طيبون ودوافعهم سليمة إجمالًا، وأن الآراء المسبقة غير سليمة. هنا، بالطبع، تتخلى عن الآراء المسبقة. وأنا تخليت عن كثير من هذه الأمور. وما زلتُ أتخلى عن مثلها كلما تقدمت في العمر، واكتشفت وجود بقايا منها في نفسي، والتجربة تجعل الإنسان أكثر تسامحًا. المشكلة الكبيرة أن نتعلم أن التعصب والغرور هما نوع من الغباء. الغرور يقيّد القدرة الذهنية على التفكير. وأي مسحة تعصب، ولو قليلة جدًا، إذا اكتشفتها أحاول التخلي عنها. وأي مسحة غرور، أو بقية من عدم التواضع المعرفي، أتخلص منها. وأعتقد أنني تخلصتُ من قسمٍ كبير من هذه العناصر، ولدي استعداد أكبر للتعلم في هذا العمر، وأصبح لدي استعدادٌ كبير للتسامح مع المختلف الآخر. والأمر الذي أرغب في الكلام عليه هنا هو أن البنية الأخلاقية للإنسان مهمة جدًا. فمن المحال أن أقبل اليوم أي إنسانٍ، مع أن مواقفه السياسية ممتازة، ووقف معي في إحدى الفترات، لكنه نذل يسرق أو يضرب أو يحتقر البشر أو أنه نصاب أو مخادع. الإنسان وحدة واحدة، والعنصر الأساس في تقويمي له هو النزاهة. الناس الجيدون يتصرفون تصرفًا جيدًا، والإنسان السيئ، حتى لو مُنح فكرةً جيدة ليدافع عنها، يسيء إليها. لذلك، أصبحت نوعية الإنسان الذي أتعامل معه (أو معدنه كما يقول أهلنا) مسألةً جوهريةً فوق الأيديولوجيات، وفوق جميع العقائد بالنسبة إلي.

من المشكلات الرئيسة والملحة اليوم في المجتمع العربي هي مشكلة الأخلاق. وتهميش المعايير الأخلاقية في التعامل، وعدم وضوح المنظومة الأخلاقية للمجتمع العربي هي مصيبة، بل دعني أقل إنها الكارثة. إنه العطب الأخلاقي الموجود في سلوك النخب وسلوك الناس. وتدفعني هذه المشكلة إلى التفكير كثيرًا. وعلى فكرة، أصبحت أكثر قناعةً بأن أهم ما يجب أن نعمل عليه في الفلسفة هو علم الأخلاق. هذا ما تبقى من وظيفتها فعلًا. وهو ناقصٌ عربيًا وإسلاميًا. وأتمنى أن يتاح لي الوقت لذلك، فلدي مشروعات غير منتهية. كما أصبحت على قناعة بأن العمل السياسي النضالي حاليًا يجب أن يتركز في المسألة الأخلاقية القيمية. ولهذا ابتعدت عن العمل السياسي المباشر الذي يقسم الناس في العالم العربي حاليًا إلى معسكرات تهمش الأخلاق، وتخضعها للانحيازات السياسية، أو تُتبِعها للعصبيات على أنواعها.


هوامش الفصل

[1] يؤكد عزمي بشارة أن وصول فلسطينيين إلى مناصب وزارية (غالب مجادلة وصالح طريف على سبيل المثال)، أو إلى وظائف عليا في الدولة الإسرائيلية لا يعني أن ذلك خطوة نحو المساواة، وإنما هو إجراء لتجنب معركة المساواة.

[2] المثلث هو تسمية أطلقها البريطانيون في فترة الانتداب على المنطقة الواقعة بين جنين ونابلس وطولكرم. وكانت هذه المنطقة تسمى المثلث الكبير. أما المثلث الصغير فهو الكرمل أو مثلث الساحل. بينما المثلث العربي هو المنطقة التي سُلخت عن المثلث الكبير في أيار/مايو 1949 وضُمَّ إلى إسرائيل، وهو لا يشبه المثلث على الإطلاق، ومن بين قرى المثلث كفر قاسم والطيرة والطيبة وقلنسوة وكفر قرع وأم الفحم وبرطعة وباقة الغربية وعرعرة وعارة.

[3] يشرح عزمي بشارة عملية التحديث القسرية التي خضع لها الفلسطينيون الذين ظلوا في بلادهم فيقول إن هؤلاء خضعوا للتحديث من دون أن يكون لهم مدينة، أي إنهم تحولوا إلى بروليتاريا من دون أن تكون لهم مدينة. وعملية التحديث الاسرائيلية كانت مصادرة للأراضي وقطع علاقة الفلاح الفلسطيني بأرضه، الأمر الذي أدى إلى تهتك ترابط المجتمع والخضوع للأسرلة في الوقت نفسه. وفقدان الأرض والمدن ومهاجرة النخب إلى الخارج أديا أيضًا إلى تحول المجتمع الفلسطيني إلى مجتمع قروي يعيش على المدينة اليهودية، وإلى اندماج الفلسطينيين في مناطق 1948 بالاقتصاد الاسرائيلي كعمال هامشيين. وهكذا وجد الفلسطينيون أنفسهم فجأة في مجتمع جديد تمامًا، وتحولوا من كونهم السكان الأصليين إلى غرباء.

التعليقات