الحاضر فينا../ د.محمود محارب

-

الحاضر فينا../ د.محمود محارب
تمكن التجمع الوطني الديمقراطي خلال فترة وجيزة للغاية أن يصبح غداة تأسيسه حزباً مركزياً في مجتمعه، ونجح في نشر خطابه السياسي بسرعة ليصبح الخطاب السائد في صفوف العرب الفلسطينيين داخل الخط الأخضر. لقد اجتمعت العديد من العوامل الموضوعية والذاتية، مقابل العوائق الجمة، التي مكنت التجمع الوطني الديمقراطي من انجاز ذلك. وكان من ضمن هذه العوامل وجود جمهور وطني واسع غير منظم وغير مؤطر، يتطلع إلى إيجاد بوصلة وطنية وحركة وطنية عصرية تقود نضاله لنيل حقوقه المدنية والقومية وتقاوم سياسة الأسرلة وفرض العدمية القومية التي سعت المؤسسة الإسرائيلية إلى تعميمها لتستشري في جسد العرب الفلسطينيين داخل إسرائيل.

إلى جانب ذلك، منح وجود الدكتور عزمي بشارة في رأس قيادة حزب التجمع زخماً كبيراً للحزب، وشكل الرافعة الأساسية الهامة في نشر وانتشار خطاب التجمع السياسي وتوسيع صفوف الحزب وتجذيره كقوة مركزية أساسية بين صفوف العرب الفلسطينيين داخل الخط الأخضر. وهذا لا يعني بأي حال التقليل من دور قيادات التجمع الأخرى. فقيادات التجمع تمتعت وتتمتع، في الوقت الحاضر أيضاً، بقدرات تمكنها من قيادة التجمع والمضي قدما في النضال.

علاوة على كونه مفكراً وقائداً سياسياً فذاً ومناضلاً وطنياً ذا إرادة حديدية، تمتع الدكتور عزمي بشارة بقدرة فائقة في نقل وإيصال فكره وموقفه السياسي بأفضل وأوضح الأساليب في وسائل الإعلام، وبكاريزما وحضور قوي أينما حلّ. لقد نأى الدكتور عزمي بشارة بنفسه بعيدا عن الجمود العقائدي، وظل في حالة غليان فكري يجترح الأفكار وأساليب النضال ويأتي بالمبادرة الواحدة تلو الأخرى.

لقد أحدث نشاط الدكتور عزمي بشارة الفكري والسياسي نقلة نوعية في الخطاب السياسي للعرب الفلسطينيين داخل الخط الأخضر وفرض أجندة جديدة على المجتمع الإسرائيلي، طالما تجنب التطرق إليها، وأحدث اختراقاً في الخطاب السياسي الإسرائيلي، واحتل مكانة بارزة في الخطاب السياسي في الوطن العربي وخاصة في المسألة القومية العربية والديمقراطية والمواطنة.

منذ تأٍسيس حزب التجمع في العام 1995 لم يعرف الدكتور عزمي بشارة ولا التجمع لحظة راحة من التحريض والاستهداف، بغية القضاء على حزب التجمع او عرقلة نموه والحد من توسعه. فلأهميته ومحوريته في تأسيس وقيادة التجمع، ولفكره ومواقفه الوطنية والشعبية غير المسبوقة التي حظي بها، تعرض الدكتور عزمي بشارة إلى هجوم وحملة تحريضية ضده من قبل المؤسسة الإسرائيلية وأدواتها من الفسادين والمرتزقة، من ناحية ؛ ومن قبل قوى الماضي التي عارضت أصلاً ووقفت ضد ظهور حركة وطنية وعربية فلسطينية داخل الخط الأخضر، وربطت وحصرت نضال العرب الفلسطينيين باليسار الإسرائيلي.

بعد هبة أكتوبر وانتفاضة الأقصى في العام 2000 دخل هجوم وتحريض المؤسسة الإسرائيلية على الدكتور عزمي بشارة والتجمع مرحلة جديدة وخطيرة لم يسبق لها مثيل ضد أي قائد سياسي عربي في الماضي. لقد شمل هجوم المؤسسة الإسرائيلية العرب عموماً والأحزاب العربية بنسب متفاوتة، بيد أنه في الوقت نفسه وجهت المؤسسة الإسرائيلية جميع سهامها إلى الدكتور عزمي بشارة والتجمع بهدف نزع شرعيته وإجراء قتل شخصيه له. كان التحريض المنفلت من أي قيد، والذي قادته المؤسسة الأمنية الأسرائيلية، منهجياً ومنظماً، وظهر في جميع وسائل الإعلام الإسرائيلية وفي تصريحات النخب الإسرائيلية الأمنية والسياسية. وتشكل إجماع صهيوني من أقصى اليمين إلى أقصى اليسار ضد الدكتور عزمي بشارة وحزب التجمع.

وفي هذا السياق وبعدما أدركت المؤسسة الأمنية أن سياسة التخويف والترهيب والتحريض، بعدما استعانت بأدواتها العرب من الفسادين والمرتزقة في الدس واختلاق الأكاذيب وتشويه السمعة، إن كل ذلك لم يزد الدكتور عزمي والتجمع إلا صلابة وقوة ؛ لجأت المؤسسة الأمنية الإسرائيلية إلى محاولة تجريم الدكتور عزمي بشارة في المحاكم فبدأت في اختلاق " الملفات ".

في العام 2001 وجهت السلطات الأسرائيلية لائحتي اتهام ضد الدكتور عزمي وقدمته للمحاكمه على مواقفه السياسية، وفي الوقت نفسه سعت إلى منع الدكتور عزمي والتجمع من خوض انتخابات الكنيست؛ ولكنها فشلت في كل مساعيها.

أثناء عدوان إسرائيل على لبنان في العام 2006 وقف العرب الفلسطينيون داخل الخط الأخضر بوضوح ضد هذا العدوان وأدانوا جرائم الحرب التي ارتكبتها إسرائيل بحق لبنان وبحق مواطنيه المدنيين، وطالبوا بوقف الحرب. لقد كان موقف الدكتور عزمي بشارة والتجمع واضحاً ومميزاً، حيث استثمر الدكتور عزمي كل منصة إعلامية من أجل وقف العدوان وجرائم الحرب الإسرائيلية. وكان لمواقفه تأثيراً سياسياً ومعنوياً ليس في داخل الخط الأخضر فحسب وإنما أيضاً في البلاد العربية. في هذه الفترة بالذات كثفت المؤسسة الأمنية الإسرائيلية جهودها لتلفيق ملف أمني خطير ضد الدكتور عزمي بشارة، بعد فشلها في إدانته في المحكمة على موقفه السياسي الداعم لحق الشعب في مقاومة الاحتلال.

بعد ابتعاد الدكتور عزمي بشارة القسري والمؤقت، استمرت المؤسسة الأمنية الإسرائيلية، مستعينة بأدواتها وزبائنها من العرب في كثير من الأحيان، في التحريض الأرعن على الدكتور عزمي بشارة والتجمع. وفي الشهور الأخيرة بدأت سلطات الأمن الإسرائيلية بملاحقة قادة وكوادر التجمع في محاولة لترهيبهم ومنعهم من الاتصال أو الحديث مع الدكتور عزمي بشارة.

لقد أثبتت التجارب الماضية أن التجمع الوطني الديمقراطي خرج بعد حملات السلطة الإسرائيلية التي استهدفته اكثر قوة وصلابة. وبعد مرور عام على ابتعاد الدكتور عزمي بشارة القسري، الحاضر بفكره وإرثه النضالي في وجدان شعبه، يستمر حزب التجمع بحزم وإصرار في المضي قدما في النضال لتحقيق المشروع الوطني. ومن أجل تحقيق ذلك لا بد من الحفاظ على وتعزيز وحدة قيادة الحزب، وبث وتعزيز قيم الحركة الوطنية في المجتمع.

التعليقات