رمضان بين الماضي والحاضر: أين اختفت العادات الجميلة؟

رمضان بين الماضي والحاضر: أين اختفت العادات الجميلة؟

تمر السنين بسرعة، وخلالها، تتغير جوانب كثيرة من الحياة، مثل أعراف كانت دارجة واصحبت من الماضي، وفي عداد الذكريات الجميلة.

ولا شك أن الأمور اختلفت بصورة كبيرة بين الماضي والحاضر، إذ ينظر البعض إلى هذا الاختلاف بصورة سلبية، مطالبين 'عودة الأعراف والتقاليد والقيم والأخلاق التي كانت قديما، وتُفتقد في عصرنا هذا'.

يقول الحاج صبحي ناطور (أبو الوليد) لعرب 48، إن 'رمضان في الماضي (الخمسينات) كان يخلو من الأحداث العنيفة، حيث كان المتخاصمون والمتنازعون يعلنون الهدنة، وذلك احتراما لحرمة الشهر الفضيل، على عكس ما يحدث اليوم، مع الأسف الشديد، إذ يزداد العنف في شهر رمضان'.

يعيش الحاج صبحي ناطور في مدينة قلنسوة، وله ثلاثة أبناء، و21 حفيد وحفيدة، كما عمل كمدرس للغة العبرية لمدة 45 عاما، ويقضي معظم وقته في القراءة والكتابة.

وعايش ناطور، عدة حقب زمنية، وشهد الكثير من الأحداث التي غيّرت وتغيّرت في تاريخ الشعب الفلسطيني.

ويستذكر الحاج ناطور، شهر رمضان الكريم في الزمن الماضي، رجوعا إلى منتصف القرن العشرين، ويقول، 'عندما نتذكر رمضان في السابق، نجد أنّه يختلف تماما في كثير من الجوانب، وللأسف الشديد، نحن نرى في واقعنا حاليا، أنّ حوادث العنف تزداد في شهر رمضان، ولا أدرى ما هو السبب الرئيسي، غير سبب واحد يتردد في ذهني، وهو التفكك العائلي'.

وعن العادات القديمة التي ولّت عن عصرنا اليوم قال، 'أذكر جيدا في شهر رمضان، قبيل الإفطار، كنا نأخذ أطباقا من المأكولات الشعبية التي كانت تجهزها العائلة إلى الجيران، والعكس صحيح، كنا نتبادل الطعام على موائد بعضنا البعض'.

وأضاف، 'كان طبيعيا أن يكون على مائدة الإفطار أربعة أنواع من الطعام، بسبب تبادله مع الجيران، وكانت هذه العادة تُزيد اللُّحمة بين أبناء البلدة والحارة، إذ إنها تزيد من الترابط الاجتماعي، كانت اللقمة مشتركة بيننا، وكان لرمضان رونقا جميلا'.

وتابع الحاج ناطور، 'كان الجيران يساعدون بعضهم بعضا، حتى في أعمال المنزل، وحتى في أعمال الحراثة والزراعة، كانوا يساعدون بعضهم في البيادر، أو في أي أمر يحتاجه الجار. كانت صليبة القمح تترك في الفراغ ويعود أصحابها إلى منازلهم، ولا يتجرأ أحد على سرقة حبة قمح واحدة، كانت الصداقة والأمانة، ولم نكن نرى أحدا يعتدي على الآخرين'.

وعن أنواع الطعام التي كانت على مائدة الإفطار في رمضان الخمسينات، قال إنّ المأكولات كانت بسيطة جدا، مثل الفول المطحون، الملوخية، ومرقة من الحبوب أو الأعشاب التي كان يزرعها الناس، وكنا نأكل على الأرض'.

وأضاف، 'كنا ننتظر يوم الخميس من أجل غسل الملابس، لم يكن لدينا ملابس بالكميات الموجودة لدى الأطفال اليوم، كان صندلي مربوطا بسلك حديدي، أغسله عندما يتسخ كي أحافظ عليه، الحياة كانت حياة فقر، لكنها كانت سعيدة بفقرها وطيبتها'.

وعن المسحراتي قال، 'كان صوت المسحراتي جميلا، أما اليوم، فقد اختفت هذه العادة كليا. كان المسحراتي يجوب شوارع وأزقة القرية، ويعطي رونقا جميلا لرمضان، وصوته يصدح (يا نايم اصحى ووحد الدايم) (تسحروا فإن في السحور بركة).

وقال حول قدوم العيد، 'كنا ننتظر العيد بفارغ الصبر لنشتري كل شيء جديد، وعلى الرغم من أنّه ليس باستطاعة كل الناس شراء الجديد، إلا أنّ للعيد كانت فرحته وبهجته التي اختفت اليوم.

وتابع، 'في السابق، كانت العائلة مكونة ومتينة لها قائد، يقول كلمة، يوحد العائلة، وكانت لها عنوانا. اليوم، نرى ان كل فردٍ في المجتمع عائلة، حتى أصبح ليس هناك عنوانا حين يخطئ'.

وأضاف، 'تؤلمني الأسباب التي ترتكب على أساسها جرائم القتل، أسباب تافهة وسخيفة بمجملها، أذكر على زماننا، أن شهر رمضان كان يمضي دون خلاف واحد، وحتى لو حصل خلاف بين طرفين، فقد كان ينتهي على الفور احترامًا للشهر الفضيل، ببساطة... لم يكن في زماننا ما يحصل اليوم'.

وخلص بالقول إنّه 'في السابق، كان هناك معنى للاحترام، كنا نستمع إلى الأكبر منا سنا في العائلة، كنا نحترم الصغير قبل الكبير ولا نهين أحدا... أما الآن، فإنّ ما أتمناه من المجتمع، أن تعم روح المحبة والسلام والتسامح فيما بيننا، وأن نحب بعضنا، كما كنا في يوم من الأيام'.

التعليقات