سنة أولى سياسة..

 تشكّل السياسة والعمل السياسي داخل الحرم الجامعيّ جزء لا يتجزأ من العالم الجديد الذي ينفتح عليه الطالب العربي مع دخوله هذه المؤسسة الواسعة، فالحراك الطلّابي السياسي داخل الجامعات فضلاً عن كونه يشكّل جزءا أساسيا في عالم الأكاديميا والجامعة، فهو يشكّل أيضاً مرآة للحراك السياسي خارج الجامعة، فيحمل هؤلاء الطلاب هموم مجتمعهم، ويشكّلون قيادة مستقبلية، ويشكّل الحراك الطلابي في الجامعات مرآة للشعوب في أماكن عدة، فحركة طلابية نشطة، تحرّك وتؤثر على الشارع السياسي والأجيال الوافدة إلى الجامعة، هي دليل تفاؤل.

وقادت الحركات الطلابية التغيير في أماكن عدة في العالم، فانطلقت وكانت المبادرة والشرارة، وإن بشكل غير مباشر من داخل أسوار الجامعات وحراكاتها السياسية إلى الشارع العام خارجها، ففي مصر على سبيل المثال، كان للحركة الطلابية دور كبير، فتأسست مجموعة 'طلّاب ضد الانقلاب' من داخل الجامعات ومن الأوساط الطلابية عقب انقلاب ٣٠ يونيو، وحتى أن المؤرخ الفرنسي والتير لاكير قال: 'لم يلعب الطلاب دورا في الحركة الوطنية مثل الدور الذي لعبه الطلاب في مصر'، وذهبت الحركة الطلابية في تشيلي لجولة في المحافل الدولية لتوفّر الدعم الخاص بها. وتشكّل انتخابات جامعة بير زيت الفلسطينية مقياساً لقوة الأحزاب في الشارع العام الفلسطيني.

وفي ظل الوضع الخاص الذي يحيا فيه الفلسطينيون في الداخل، ومحاولات الدولة المستمرة لتشويه هويتهم الوطنية، وفصلهم عن هموم شعبهم وتفريقهم، ومسح ذاكرتهم الجماعية، وصراعهم الدائم على الهوية، تصبح الحركة الطلابية داخل الجامعات أكثر ضرورة، والالتحاق بها جزء لا يتجزأ من المسيرة الأكاديمية ذاتها لأهمية عناصر الطلّاب الجامعيين ونوعيتهم، فالحركة الطلابية حركة نوعية أكثر من كونها كمية، ويشكّل الطلّاب الجامعيون عاملاً مؤثراً على الشارع الفلسطيني خارج أسوار الحرم الجامعي.

ومع دخول الطالب العربي إلى الحرم الجامعي، ينكشف سريعاً على هذا العالم، حيث يشكّل الطالب جسما يمثله، ويعمل على إحياء ذاكرته وهويته الجمعية، بالإضافة إلى كونه الممثّل الذي يطالب للطالب العربي بحقوقه، ويشكّل الوسيط بينه وبين إدارة الجامعة.

ومنذ اليوم الأول للطالب داخل الحرم الجامعي، يرعاه ممثّلو العمل السياسي الطلابي ويرشدونه، ويتحول الناشطون في هذه الحراكات الطلابية من سنوات سابقة إلى مرشدين وحاضنين للوافدين الجدد.

الجو السياسي داخل الجامعة، وتأثيره على الطالب الجديد فيها:

في العام الأول للطالب العربي داخل الجامعة، ينفتح على هذا العالم السياسي، ويتعرّف عليه عن قرب، وينخرط فيه وبهمومه وبصراعاته، ويلحظ التأثير المتبادل على الجو السياسي داخل الجامعة وخارجها، فاشتداد حدة الوضع السياسي خارج جدران الجامعة، يؤثر بشكل مباشر وغير مباشر على الجو العام داخل الجامعة، ويغدو الجو العام داخل الجامعة متوتراً، أو هادئاً بحسب الجو العام في الخارج، نظراً للطلّاب الوافدين من مناطق عدة وثقافات مختلفة وآراء مختلفة واحتدام النقاشات داخل قاعات المحاضرات، والمظاهرات الإحتجاجية الرافضة.

وفي المقابل تقوم الحركات السياسية الصهيونية داخل الجامعة بمظاهرات تعبّر عن دعمهم لهذه السياسات التي يرفضها الطالب العربي، كمظاهرات تنظّمها الأحزاب الإسرائيلية لدعم الحرب على غزة، أو مظاهرات لقمع نشاطات سياسية في الداخل أو القدس والضفة، على سبيل المثال، فتولد عند الطالب العربي حالة اغتراب عن هذه المؤسسة وطلابها الذين يدعمون قتل أبناء شعبه، ما يثير عديدا من الأسئلة التي تواجهه في السنة السياسية الأولى.

كل هذه الأسئلة والأجواء العامة داخل الجامعة، تجعل من هذا العالم شيئاً جديداً بالنسبة للطالب، وصدمة في الوعي، خاصة لدى طالب حضر من قرية أو مدينة غير مختلطة، تشكّل بالنسبة له هذه الأجواء مكاناً جديداً مليئا بالتساؤلات التي عليه أن يحسمها، مما يجعل الانخراط في العمل السياسي داخل الجامعة فرزاً وجواباً وموقفاً لهذه الأسئلة الكثيرة.

وبالإضافة إلى الجو السياسي العام داخل الحرم الجامعي بين الطلاب، وصراعهم على هويتهم الوطنية، تشكّل الجامعة في بعض الأحيان أداة قمع عندما تحتدم الأمور خارجها، فيرى الوافد الجديد إلى هذا الحرم الجامعي قمعاً تمارسه الجامعة وأذرعها الأمنية بحق الطلاب العرب الذين يخرجون تعبيراً عن رفضهم لسياسات الحكومة، فقدّمت الجامعة العبرية عددا من طلابها هذا العام للجنة الطاعة بسبب النشاط السياسي، وقدّمت جامعة حيفا أيضا ثلاثة طلاب هذا العام للجنة الطاعة بسبب نشاطاتهم لإحياء ذكرى النكبة، بالإضافة إلى تجميدها عمل الكتل الطلابية كافة باستثناء الحركة الإسلامية لفترة من الزمن امتدت لأشهر، وكانت جامعة حيفا قد قدمت 5 من الطلاب للمحاكمة بسبب مظاهرة ضد العدوان على غزة في العام 2009.

ويباشر بعدها الطالب بالدراسة الأكاديمية والتجربة السياسية بالموازاة، ليكون، فضلاً عن كونه طالباً جامعياً، أيضا عنصراً فعالاً في المجتمع السياسي وهموم شعبه، ومؤثراً على مجريات الأمور.

الحركات السياسية داخل الجامعة:

ولا تحضر الحركات السياسية داخل الجامعة من اللّامكان، فهي امتداد للنشاط السياسي خارج الجامعة، وممثلة للأحزاب والحركات السياسية في الشارع العربي عامة، حيث تتقسّم الكتل الطلابية داخل الجامعة إلى أربعة أحزاب في كل من جامعة حيفا وجامعة تل أبيب وبئر السبع، وهي كتلة التجمع الطلابي الديمقراطي، التي تعد امتداداً لحزب التجمع الوطني الديمقراطي خارج الجامعة، والجبهة الطلابية التي تعد امتداداً للجبهة والحزب الشيوعي، وحركة 'إقرأ' التي تمثّل امتداداً للحركة الإسلامية بشقها الشماليّ، بالإضافة إلى حركة الرسالة التي تشكّل امتداداً للحركة الإسلامية بشقّها الجنوبي، وحركة أبناء البلد.

أمّا في جامعة القدس، فبالإضافة إلى الكتل الطلابية التي ذكرت سابقاً، تنشط حركة 'وطن الطلابية'، وهي حركة مقدسية حديثة التأسيس، تنشط في القدس فقط ولا تشكّل امتداداً سياسياً لتنظيم معيّن خارج جدران الجامعة.

وتعمل الحركات الطلابية داخل الجامعة تحت مظلة لجنة الطلاب العرب، التي تعتبر الممثّل الشرعي والعنوان للطالب العربي في الجامعة، وتنتخب بشكل سنوي في الحالة الطبيعية، بالإضافة إلى كون بعض الأحزاب تنخرط في صفوف نقابة الطلاب التابعة للجامعة وسط جدل كبير فيما بين الأحزاب الناشطين حول خوض انتخابات النقابة، أم البقاء خارجها.

بالإضافة إلى كون هذه الحركات السياسية داخل الجامعة ترعى الطالب وتحتضن هويته الوطنية والسياسية، فهي تشكّل عنواناً لتقديم الخدمات للطالب، وكما ذكرت سابقاً تشكّل الحركة الطلابية وناشطوها في الجامعة عنواناً لإرشاد الطالب العربي منذ اليوم الأول، وتشكل الحركات السياسية الفاعلة في الجامعة أيضاً خلال تواجد الطالب الجامعي في الجامعة ككل مرجعاً للمساعدة من الناحية الأكاديمية والتوعوية والتثقيفية والترفيهية أيضا. فمن ينظم الفعاليات والنشاطات الثقافية والتوعوية الخاصة بالطلاب العرب هي الأحزاب السياسية ذاتها، ومن المفضّل على الطالب الجديد أن يشارك فيها، نظراً لقيمتها الوطنية والثقافية التي تكسبه العديد من المواد اللازمة لبناء هويته الوطنية داخل هذا المكان الذي يعج في الصراع على الهوية، وبناء الوعي الوطني.