جفرا تحتفي بذكرى تأسيس التجمع بمحاضرة لمطانس شحادة، وأمسية غنائية راقية بجامعة تل أبيب

بمناسبة الذكرى الـ 16 لتأسيس التجمع الوطني الديموقراطي، الحركة الوطنية القومية في الداخل الفلسطيني، نظمت جفرا، الذراع الطلابي التجمعية في جامعة تل أبيب، أمسية ثقافية احتفالية في جامعة تل أبيب.

جفرا تحتفي بذكرى تأسيس التجمع بمحاضرة لمطانس شحادة، وأمسية غنائية راقية بجامعة تل أبيب

بمناسبة الذكرى الـ 16 لتأسيس التجمع الوطني الديموقراطي، الحركة الوطنية القومية في الداخل الفلسطيني، نظمت جفرا، الذراع الطلابي التجمعية في جامعة تل أبيب، أمسية ثقافية احتفالية في جامعة تل أبيب.

واستضافت جفرا خلال الأمسية، محاضرة للسيد مطانس شحادة، الباحث في مدى الكرمل، وعضو التجمع الوطني، وذلك في محاضرة عنوانها: "الثّورات العربيّة: أثرها في الخطاب القوميّ ودور التجمّع حزبًا قوميّا في هذه المرحلة".

كما استضافت جفرا بعد انتهاء المحاضرة، كلا من الفنانين المتألقين، أكرم عبد الفتاح (عزفا)، وسماح مصطفى (غناء)، حيث قدما باقة من الأغاني الوطنية الملتزمة، والطربية، احتفاء بالمناسبة، وقد شاركهما الطلاب الجامعيون الحاضرون فقرتهم بأجواء فنية راقية، يغنون أغاني الشيخ إمام، وميادة الحناوي، وأم كلثوم، وناظم الغزالي وغيرهم.

وقد ارتأى موقع عــ48ــرب نشر محاضرة مطانس شحادة بهذه المناسبة:

افتتح مطانس شحادة حديثه عن أهمية الحركة الطلابية بصفتها دفيئة مناسبة للعمل السياسي، لما توفره من احتكاكات وعلاقات يومية بين مختلف الأحزاب والتيارات السياسية في الداخل افللسطيني، وما ينتجه ذلك من تفاعل ونقاط لقاء مشتركة بشكل دائم.

لم يقم الخطاب السياسي في الداخل الفلسطيني بتعريف آليات تحقيق المساواة بشكل دقيق وعلمي إلا بعد ظهور التجمع

وقال إنه من الصعب الحديث حول الوضع الفلسطيني دون التطرق إلى المسألة العربية، والتغاضي عن المنظومة العربية المتكونة، نتأثر بها ونؤثر فيها، فكريا وسياسيا، بوسائل مختلفة، وخصوصا بعد تطور وسائل الاتصالات عالميا.

وأشار شحادة إلى أننا تعودنا في الداخل الفلسطيني، وعلى مدار 40 سنة، على شعار إنهاء الاحتلال وتحقيق المساواة بين اليهود والعرب، لكن لم تعرف المساواة بمعناها الايجابي، إنما بالسلبي، ولم يبحث أحد في الكيفية التي يمكن أن تتحقق فيها المساواة، كما أنه قبل التسعينات، لم يقم أحد بتعريف ما هي المساواة التي نريد، أو كيف نصل إليها بشكل دقيق.

حتى جاء التجمع، الذي انطلق في فترة حساسة، وقال إنه لا يمكن تحقيق المساواة إلا بتحويل دولة إسرائيل إلى دولة جميع مواطنيها، وقد كان هذا الشعار في سنوات التسعينات سابحا ضد التيار تماما، جمهوره قليل جدا، في ظل انجارف العالم وانبهاره الواهم بـ "السلام" الموعود، بعد أوسلو.

لقد غدا الكثير من الفلسطينيين خلال عمليات التفاوض يعانون من الوهم بأن مشاكلنا تم حلها بمجرد اعتراف اسرائيل بمنظمة التحرير، واعتراف الأخيرة بإسرائيل، وبدأنا نلمس شيئا من الهروب من السياسة، أو اللا تسييس، وعدم رغبة الناس في الحديث بالسياسة، وكان حينها من الصعب جدا أن تطرح في الشارع خطابا قوميا وطنيا ديموقراطيا ضد سابحا ضد التيار.

وكان الاعتقاد السائد أن هذا الخطاب هو خطاب لمجموعة من الأكاديميين النخبويين والمفكرين، وبأنه غير واقعي أبدا يعد أوسلو، وبأن طروحات هذا التيار الناشئ رومانسية بطروحاتها وغير واقعية وقومجية.

عندما تم استثناؤنا خلال عملية أوسلو، فهم بعضنا أنه يجب علينا تحمل مسؤولية أنفسنا بأنفسنا، فسأل التجمع: ماذا عن فلسطينيي الداخل ومسألتهم؟ وماذا سيكون مصيرهم؟

لقد طرح التيار الوطني القومي متمثلا بالتجمع سؤالا مهما حينها: فلنفرض أن الدولة الفلسطينية قامت، ولم يعد هناك احتلال في الضفة الغربية وغزة، فماذا سيحدث معنا حينها في الداخل الفلسطيني؟ هل هناك مشكلة فلسطينية في مناطق الـ 48؟ وإن كانت هناك مشكلة فعلا، فكيف تحل هذه المشكلة؟ هل تحل المشكلة بمجرد أن تمنحنا إسرائيل ميزانيات؟

لقد اكتشف القوميون الوطنيون أنا تركنا لوحدنا، فلا الحركة الوطنية الفلسطينية التي قادها ياسر عرفات تريد أن تتحمل مسؤوليتنا بعد أن أقحمت نفسها ضمن معادلات سياسية وقوى عالمية ضغطت عليها، كما أن إسرائيل اشترطت خلال المفاوضات بأن فلسطينيي الداخل قضية اسرائيلية داخلية ولا نقاش عليها؟

وهنا كان لا بد لنا من أن نتحمل مسؤولية أنفسنا بأنفسنا، فانطلق التجمع بسؤال: ماذا معنا نحن؟ كيف، وبأي الادوات يمكننا تغيير حالنا؟

لقد توقعنا بأننا في حال تمت إقامة الدولة الفلسطينية وإنهاء الاحتلال، وفقط، توقنا بأننا في الداخل سنعيش على هامش الحياة الاسرائيلية الاقتصادية الثقافية، وبأننا في ظل المشهد السياسي اللا تعددي في الداخل الفلسطيني، سنعدو متنازلين عن الهوية القومية والسياسية التي نريدها لأنفسنا، وهنا بدأت عملية بحث تعريف المساواة بشكل حقيقي وعلمي، دقيق وتقني.

التجمع قال إن تغيير طبيعة النظام هو ما ينهي الاحتلال ويحقق المساوة الحقيقة، لا العكس كما كان نادي غيره لعقود، وإنهاء الاحتلال لا يحقق المساواة

تعتبر إسرائيل نفسها دولة اليهود في كل العالم حتى غير المواطنين فيها، وفي الوقت نفسه، لا تعتبر دولة من فيها من العرب، رغم أنهم مواطنين فيها، علما أنها مع قيام الدولة، تعاملت معنا كرعايا في وثيقة الاستقلال، أي أننا لا نملك الحق في التأثير على القرار السياسي فيها.

التقط التجمع هذه النقطة في طبيعة النظام الاسرائيلي بذكاء، وأبرز التناقض بين طبيعة الدولة اليهودية، وبين ادعاءها أنها ديموقراطية، إذ أن الديموقراطيات الحقيقية لا يمكن أن تكون مبنية على أسس دينية وعرقية، وبالتالي يجب تغيير نظام الدولة، أو إسقاط هذا النظام، وفقا للتعبير الشائع اليوم، حتى تتحقق الديموقراطية.

لقد أثبت اليوم، وبعد تجربة 20 عاما من المفاوضات، أن المطالبة بإنهاء الاحتلال فقط، لا تنهيه أبدا، وأنه لا يمكن أن ينتهي الاحتلال إلا عندا يتم تغيير طبيعة دولة إسرائيل، كما أن الاحتلال لا يمكن أن ينهي طبيعة دولة إسرائيل.

لقد عكسنا في التجمع الوطني الديموقراطي المعادلة، تغيير النظام ينهي الاحتلال، وليس العكس

لقد التقت عوامل عدة في فترة واحدة ساهمت في إنشاء التجمع، وعلى ما يبدو فإن مشروع التجمع كان ذو قابلية كبيرة ليؤيده الناس، لكن كانت تنقصه الثقة من الناس بسبب تاريخ طويل من تشويه الوعي السياسي والهوية، وقد خرج التجمع في ظروف متحدية كبيرة، كان يعتبر إقناع الناس به، أو إعادة الثقة بالخطاب القومي الديموقراطي، أعجوبة.

ونحن في التجمع لا ننكر دور غيرنا في النضال، وقج حكمت الظروف بأن يكون الحزب الشيوعي حزبا وحيدا في الداخل الفلسطيني، وقد كان هذا الحزب في وقت من الأوقات ملاحقا سياسيا، وفي سنوات الخمسينات والستينات، إن كنت شيوعيا، كنت مهددا على الأقل في لقمة عيشك وتوظيفك، والملاحقة السياسية والسجن، والحالة تغيرت من  فترة إلى أخرى.

خطاب التجمع حدد مسالك الخطاب السياسي في الداخل، وأثبت أن التعددية أكثر فائدة لمجتمعنا وشعبنا

لقد حدد نشوء التجمع ملامح الخطاب القادم في الداخل الفلسطيني، ليكون ليس وطنيا فقط، إنما قوميا، وليس منحصرا في الحديث عن إنهاء الاحتلال وحسب، والحديث عن المساواة دون البحث في جوهر تحقيقها، إنما عن تغيير طبيعة الدولة لينتهي الاحتلال ولتتوفر الفرصة لتحقيق المساواة.

لقد ساهم التجمع بتغيير الوعي السياسي، والفكر السياسي، والممارسة السياسية، لا في الداخل الفلسطيني وحسب، بل في كل فلسطين؛ وقد أثبت الواقع أنه ومنذ عام 1996 في الداخل الفلسطيني، انخفضت نسبة التصويت للأحزاب الصهيونية بشكل مطرد، وكانت في تراجع مستمر، حتى أن آخر انتخابات بلغت فيها نسبة التصويت للأحزاب الصهيونية في الوسط العربي 19%.

 لقد أثبت ظهور التجمع أن التعددية أفضل لمجتمعنا، فزاد عدد الممثلين عن الأحزاب العربية في البرلمان، وتم كنس الأحزاب الصهيونية من قرانا ومدننا العربية، وهذا إنجاز رهيب للحركة الوطنية القومية في الداخل.

خطاب التجمع ساهم مساهمة مركزية في جعل الناس يخرجون لأول مرة عام 2000 منتفضين من أجل مقولة سياسية

لأول مرة عام 2000، وبعد مراكمة هذا الخطاب، خرج الفلسطينيون إلى الشارع منتفضين دونما حشد وتعبئة وتخطيط، وبصورة عفوية، لا لمطالبتهم بمقولة اجتماعية، إنما لمقولة سياسية.

عام 1982، خرج الفلسطينيون في الداخل الفلسطيني أيضا، خرجوا، في مظاهرات كبيرة من أجل مقولة سياسية، بعد مجزرة صبرا وشاتيلا، لكنها لم تكن انتفاضة، ولم تكن المقولة السياسية لها علاقة مباشرة بالداخل الفلسطيني.

الفكر الشيوعي أراد دائما أن يفسر القضية الفلسطينية طبقيا، والغريب أننا ولا مرة في الداخل الفلسطيني انتفضنا، أو خرجنا مظاهرة ضد البطالة، ضد الفقر، ضد تغيير الأحوال المعيشية، لكن على موقف سياسي، كان يوم الأرض، وعام 2000.

تم عام 2000 كسر مقولة حاجز الخط الأخضر، بين الداخل الفلسطيني والأراضي المحتلة عام 1967، كما تم كسر حاجز الخوف بعد عام 2000 لدى الفلسطينيين في الداخل، ويجب أن نشيؤ إلى أن كل القيادات السياسية خافت على الناس حينها، لأنهم كانوا يقتلون، فلمسنا تراجعا بسبب ذلك، لكن الشعب سبق القيادات السياسية من حيث المواقف الوطنية والسياسية، ونحن جميعا نعلم، ولا يمكن لأحد أن ينكر أن لجنة أور اتهمت صراحة التجمع والحركة الاسلامية الشمالية بتثوير الناس ودفعهم للخروج إلى الشوارع.

مأساة أحداث أكتوبر، أن الهبة الجماهيرية السياسية اختزلت إلى مطالب مدنية وحقوقية وميزانيات فقط

لقد كانت المأساة الكبيرة بعد انتفاضة أكتوبر 2000، أن المطالب السياسية، والخطاب السياسي الذي تبنته هبة جماهيرنا، تحولت إلى مطالب مدنية، واختزلت في ميزانيات تمنح للوسط العربي، وبـ 4 مليارات دولار، إذ كان التفسير لدى البعض، ومن بينهم شوقي خطيب، بأن سبب الانتفاضة هو إهمال وتهميش الوسط العربي، وكأن كل أحداث أكتوبر حدثت بسبب شح الميزانيات.

من المشكلات والتحديات التي تواجه التجمع الوطني، خطابا قوميا ديموقراطيا، أنه حتى الآن لم يخترق السلطات المحلية، ولم يتمكن من فرض خطابه في لجنة المتابعة لوجود معيقات، وأنه وجد نفسه وهو يتحدى النظام الصهيوني للدولة أمام خصومات داخلية.

الثورات العربية لم تكن تقليدية، وقد أسقطت كل نظريات الغرب والمستشرقين وأجهزة التجسس حول الشعوب العربية

من أهم الأمور التي ميزت الثورات العربية عن كافة ثورات الشعوب في تاريخ البشرية، أنها لم تكن ثورات تقليدية، كما هو الحال مثلا مع الثورة الامريكية، والإيرانية، والبلشفية، والفرنسية، لأن تلك الثورات جميعها كانت دموية، من الجهتين، وحتى في الحالة الليبية، فإن القتل واستخدام السلاح لم يكن نهج الثورة منذ البداية، إنما بعد أسابيع من القتل والتذبيح بهم.

ومما يميز الثورات العربية أيضا، أنها جميعها بدأت بهبات شبابية، وبوعي قومي، وديموقراطي، ووعي بالمواطنة، بضرورة إنهاء الأنظمة العربية الشمولية الحاكمة.

لقد أثبتت الثورات العربية، أن كل مراكز الأبحاث "العظيمة" في العالم، وأجهزة المخابرات، وأنظمة التجسس والتنصت، والدول الغربية، وجامعاتها، لم تتوقع أبدا ماذا سيحدث في الدول العربية.

وهذا ينسحب على مراكز الابحاث الاسرائيلية، والأكاديميا الاسرائيلية، التي طرحت دائما وأصرت على أن الشعوب العربية فاشلة، والدول فاشلة، وكانوا يدرسوننا من منظور استشراقي بحت، وقد أسقطت الثورات كل كل هذه النظريات السخيفة، وأعادت الثقة لأنفسنا عربا، وفلسطينيين.

الأنظمة العربية كانت تستمد بقاءها من موقفها المشين تجاه القضية الفلسطينية وليس العكس

لقد قالت الثورات، إن العربي ليس من طبيعته "وليس في جيناته" أن يكون غير ديموقراطي، إنما حرم من الديموقراطية لأنه مقموع قمعا مضاعفا، قمع الحاكم المستبد، وقمع الغرب الذي يساند الحاكم لمصالحه الخاصة، الاقتصادية والسياسية.

أما أثر هذا على إسرائيل، وعلينا بالتالي، فهو أن الأنظمة التي سقطت، منحها الغرب أوكسوجين بقاءها لأنها كانت الحامي لإسرائيل، والساكت عن سلوكياتها الاستعمارية، وهي أنظمة بقيت واستمرت كل هذا الزمن، لا لأن موقها مشرف من القضية الفلسطينية، إنما لأنها عكس ذلك تماما، بصفتها ضمن محور الاعتدال، وسقوطها يعني سقوط محور الاعتدال في الشرق الأوسط، وبالتالي انفراجا في آفاق القضية الفلسطينية.

 

المخاوف من انهيار النظام الرأسمالي الليبيرالي كان له أثر كبير في زعزعة الأنظمة العربية

خلال عامي 2008 – 2009، كانت هناك خشية كبرى من انهيار النظام الاقتصادي الرأسمالي الليبيرالي، التي اختارت الأنظمة العربية أن تكون خليفة معها، وفي معسكرها نفسه، وتلك الأنظمة، وإن كانت ديموقراطية في شكلها، فهي لا تخلو من الفساد والاستغلال، وإن لم يكن الفساد فيها يتم من عائلة حاكمة مثلا، أو سلطة سياسية وحاشية، فإنه يتم من خلال تحالفات مع شركات كبرى، حيث تعطى الرشوة من خلال صيغة دعم انتخابات شخص ما، أو حزب ما، وهناك قاعدة تقول، إنه أينما تواجد المال وتواجدت معه السلطة، مع غياب المراقبين، تواجد الفساد.

أما علاقة ذلك بالثورات العربية، فهو لأن الخوف من سقوط النظام الرأسمالي الليبيرالي أثر على الشعوب وثوراته، لأن الأنظمة العربية الحاكمة تلخلخلت هي أيضا بتخلخل صورة هذا النظام الضخم المهول.

لقد ساد في السابق الخطاب القائل إنه لا يمكن تحقيق نمو وازدهار في الدول الفقيرة، ومن بينها العربية، إلا إذا استجابت الأنظمة الحاكمة لمطالب إسرائيل، ويعني ذلك بالتالي الخضوع للغرب وللمشروع الامبريالي المتمثل بإسرائيل.

أما اليوم، وبعد الثورات، فلا يمكن أن يتصور أحد عالما عربيا يقتنع بأن التطوير والتنمية تمر عبر إسرائيل وبرعاية الغرب، لأن هذا يخلق طبقة سياسية مستفيدة، مواقفها عكس مواقف شعبها تماما.

سياسة "السلام الاقتصادي" التي أعلنها بيريز في كازبلانكا، مقابل تنازلات سياسية عربية عام 1994 انهارت بالثورات

لقد أعلن عن هذه السياسة الاسرائيلية في تحقيق مصالحها من خلال الاقتصاد منذ مؤتمر كازبلانكا في المغرب، والذي أعلن فيه شيمعون بيريز فكرة "السلام الاقتصادي"، ومفاده أن إسرائيل يمكنها أن تضغط على الغرب، وتطلب منه دعم اقتصادات الدول العربية مقابل تنازلات سياسية، وقد سقطت بالثورات العربية هذه السياسة، والتي بدأها السادات مع ما يسمى بـ "سياسة الانفتاح الاقتصادي"

إن مصر ليست فقيرة كما كان يدعي النظام، كل شهر تجني مصر 500 مليون دولار فقط من قناة السويس، غير السياحة، وقد دمر النظام قطاع الزراعة، كما أن ثروة مبارك وحاشيته التي نهبت من الشعب، لو وزعت من جديد على الشعب، لجعلته غنيا ومرفها.

وفي مصر قطاع تبادل عملات أجنبية نشط وكبير جدا، وذلك لأنها أكبر مورد لتصدير القوى العاملة الرخيصة، ومن المؤسف أن يكون أهم شيئ تصدره مصر هو أبناءها، لقد أفقر النظام مصر لأنه مرضٍ عنه دوليا واسرائيليا.

مواقف الأنظمة العربية من القضية الفلسطينية كانت سببا لمراكمة الغضب وبالتالي الحاجة إلى الثورة عليها

إن من يعتقد أن التحولات في الدول العربية حصلت لأسباب داخلية في كل بلد كان مخطأ، وأنه فقط لأسباب اقتصادية، لأنه ليس من المصادفة أبدا أن تحصل انتفاضات في عدد كبير من الدول العربية، حتى في دول خليجية غير فقيرة مثل البحرين، وهذا التحليل يعتبر خاطئا لأنه تنقصه بعض التفاصيل، ويمكننا أن نقول، إن موقف الأنظمة من قضية فلسطين، كان جزءا من عملية الثورة عليها، فهذه الأنظمة بقيت ثابتة حتى وقت سقوطها بسبب موقفها من القضية الفلسطينية، فهي لطالما كانت ضمن محور الاعتدال المدعوم غربيا بشكل كبير.

إن النقاش الفكري الآيدولوجي في التعامل مع الأحداث بيننا تيارا قوميا وديموقراطيا، وبين تيارات فكرية أخرى، وخاصة الفكر الشيوعي، أن الفكر الشيوعي يعتمد قوالب فكرية جاهزة، وكل ما يحدث في العالم يمكنك أن تضعه في هذا القالب أو تطبقه عليه، بينما الفكر القومي فهو غير ملتزم فكريا ونظريا لأدوات تحليلية مسلم بها وقائمة، وحتى في الطروحات الاقتصادية أنت غير ملزم باستيراد تيارات نقدية وفكرية لتفسر حالة العالم العربي، ولهذا فتفسير كل شيء في العالم على أنه صراع ونضال طبقي وفقط، وأن الثورة هي بين الطبقة المسحوقة والرأسمالية، هو أمر غير صحي وغير صحيح، ففي مصر الطبقة الوسطى والفقراء والأغنياء معنا ثاروا ضد فقراء وأغنياء وأناس من طبقة وسطى كانوا في صف النظام.

ومن المهم إدراك الأمر الذي مفاده أنك عندما لا تكون مقيدا بنماذج فكرية معينة جاهزة، وتدرك أن لكل موقع خصوصياته، فإنك حينها يمكنك أن تقدم الحلول وتطرح آليات للخروج من المشكلا بطريقة أنجع، لكن النظرية الشيوعية لا تتعامل مع الخصوصيات.

لقد كان كان عند المؤسسين الأوائل للتجمع، ومنهم من جاء من الحزب الشيوعي والجبهة، الجرأة في أن يراجعوا التجربة بشكل نقدي، وقالوا إن النموذج الشيوعي لا يصح لمعالجة حالتنا في فلسطين، لأن الصراع لدينا هو صراع بين قومية صهيونية، وبين شعب قومي عربي فلسطيني.

التعليقات