اغتيال البراءة: التحرش الجنسي بالأطفال

المتحرش دائما يكون شخصا منقادا لدافع الشهوة، لا يملك قراره بيده لتحقيق شهواته عند شعوره باختفاء دور الأسرة، بالإضافة إلى أصدقاء السوء التي تدفعه إلى ارتكاب هذا الفعل، مشيرة إلى أن وزارة التربية والتعليم فقدت الدور الرئيسي لها في تطبيق شع

اغتيال البراءة: التحرش الجنسي بالأطفال

من أهم الظواهر التي انتشرت مؤخرا والتي تعتبر غريبة نوعا ما على أذهاننا هي ظاهرة التحرش بالأطفال واغتصابهم في المدرسة من قبل المدرسين أو من زملائهم، فقد وصل مستوى تدني المدرسة ودورها في أن يتحول المدرس إلى مجرم، ولم يعد هو المثل الأعلى الذي يقتدي به التلميذ، بل أصبح وحشا كاسرا يخشاه كل طفل، ولقد أدى انتشار هذه الظاهرة إلى خوف أولياء الأمور من إرسال أطفالهم إلى المدرسة، والاكتفاء بإعطائهم الدروس الخصوصية في المنزل لكي يكون أمام أعينهم.

بعض الدول العربية أعلنت عن بعض الإحصاءات الخاصة بالتحرش الجنسي بالطفل داخل إطار العائلة، علما بأن ليس كل الحالات يتم الإبلاغ عنها، لأن هناك بعض العائلات التي تخشى الإفصاح عن مثل هذه الظاهرة ويعتبرونها “فضيحة”، ويتكتمون على الخبر كأن لم يحدث شيء، وجاءت الإحصائيات كالآتي:

ففي الأردن، أكدت عيادة الطبيب الشرعي في وحدة حماية الأسرة بالأردن، أن عدد الحالات التي تمت معاينتها بلغ 437 حالة، شملت 174 حالة إساءة جنسية، كان المعتدي فيها من داخل العائلة في 48 حالة، وكان المعتدي معروفا للطفل الضحية في 79 حالة، وفي 47 حالة كان المعتدي غير معروف للطفل أو غريبا عنه.

وفي لبنان، أوضحت دراسة صادرة عن جريدة “لوريان لوجور”، أن المتحرش ذكر في جميع الحالات، ويبلغ من العمر 7 – 13 عاما، وأن الضحية شملت 18 فتاة، 10 أولاد تتراوح أعمارهم ما بين سنة ونصف إلى 17 سنة.

وأشار المؤتمر اللبناني الرابع لحماية الأحداث إلى ارتفاع عدد الاعتداءات الجنسية على القاصرين خاصة الذكور منهم على يد أقرباء لهم أو معتدين قاصرين.

أما في مصر، فتشير أول دراسة عن حوادث التحرش بالأطفال في مصر أعدتها د. فاتن عبدالرحمن الطنباري، أستاذة الإعلام المساعد في معهد الدراسات العليا للطفولة بجامعة عين شمس، إلى أن الاعتداء الجنسي على الأطفال يمثل 18% من إجمالي الحوادث المتعلقة بالطفل، وفيما يتعلق بصلة مرتكب الحادث بالطفل الضحية، أوضحت الدراسة أن النسبة هي 35% من الحوادث يكون الجاني له صلة قرابة بالطفل الضحية، وفي 65% من الحالات لا توجد بينهم صلة قرابة.

وعن أهم النصائح التي يجب أن يتبعها الأب أو الأم إذا تعرض طفلهما للتحرش سواء من زملائه أو من المدرس أثناء تواجده في المدرسة، يقول د. وليد نادي، الباحث بكلية الدراسات العليا للتربية جامعة القاهرة، ومدير الأكاديمية المصرية للتربية الخاصة: إن الأم لابد أن تطمئن الطفل وأن تشعره بأنها غير منزعجة ومتوترة، وتتحدث معه بطريقة هادئة وعدم استعمال العنف، ولا تعامله بطريقة سيئة لأنه وثق في أحد دون علمها بالموضوع، ولا تقلل من شأنه وتهينه بسبب هذا الموضوع، كذلك عليها أن تعرضه على طبيب مختص لكي يفحص جسده ويعرف طبيعة الحالة بالتفصيل، وما إذا كانت تحتاج إلى علاج، كذلك لابد من عرضه على طبيب نفسي لكي يعيد بناء شخصيته، ويزرع فيه الثقة بنفسه وفي المحيطين من جديد، ولعل أهم النصائح التي يجب أن تفعلها الأم هي أن تزيد من أنشطته التي يفضلها، ولا تتركه وحده في وقت الفراغ حتى لا تدعه يفكر في الموضوع منفردا، ويبدأ في العزلة والخوف.

من جانبها، تعرف د. هالة حماد، استشارية الطب النفسي للأطفال والمراهقين والعلاج الأسري، التحرش بأنه آفة خطيرة وداء عضال، ولقد انتشر في زماننا هذا، حيث ظن كثير من الشباب بأنهم أحرار فانطلقت أعينهم الجائرة تبحث عن فرائسها فانتشرت الفواحش والتحرش بالفتيات حتى بالأطفال، مؤكدة أن للتحرش عدة أسباب على رأسها غياب دور الأسرة، لافتة إلى أن الأسرة تلعب دورا هاما في ممارسة الأبناء للتحرش، وذلك من خلال عملية التنشئة الاجتماعية والتي تجعل من المراهق إما شخصا سويا أو منحرفا عن الطبيعي، لافتة إلى أن للتنشئة جناحين: الأول هو التوجيه المباشر للطفل “افعل لا تفعل”، والجناح الثاني هو القدوة، وهو أشد تأثيرا من الأول، لأن الطفل رغم سنه يلاحظ ما يدور حوله، بالإضافة إلى انتشار الأفلام الإباحية على شبكات الإنترنت بطريقة مفزعة، والتي أصبحت متاحة للشاب والمراهق في ظل غياب الرقابة على برامج الإنترنت. 

                      د. هالة حماد

وتضيف حماد: “المتحرش دائما يكون شخصا منقادا لدافع الشهوة، لا يملك قراره بيده لتحقيق شهواته عند شعوره باختفاء دور الأسرة، بالإضافة إلى أصدقاء السوء التي تدفعه إلى ارتكاب هذا الفعل”، مشيرة إلى أن وزارة التربية والتعليم فقدت الدور الرئيسي لها في تطبيق شعارها، وهو تحقيق التربية لدى الطلاب قبل التعليم، لافتة إلى أن عددا من التربويين والنفسيين طالبوا بتدريس مادة الأخلاقيات للطلاب، ولكن لم نلق أي استجابة من أحد، بالإضافة إلى تأهيل المعلم على التدريس وأن يكون قادرا على مثل هذه المسؤولية.

ولفتت حماد إلى أن الطالب فقد المثل الأعلى له داخل المدرسة، بعد أن تحولت المدارس إلى صرح للكسب والحصول على الماديات فقط، وتحول دور المدرس من صاحب رسالة قوية إلى مجرد موظف يؤدي عمله، مؤكدة أن هناك ثقافة انتشرت هذه الأيام لدى الطلاب داخل المدارس اقتبسوها من المدارس الدولية، تمثلت في أن الفتاة لابد أن تعيش قصة حب بينها وبين أحد من زملائها داخل المدرسة، مشيرة إلى أن الطالب بعد أن فقد القدوة سواء داخل الأسرة أو مع أصدقائه أو داخل المنظومة التعليمية أصبح يسعى بكل الطرق لتحقيق رغبته الجنسية وشهوته.

ويؤكد د. كمال مغيث، الخبير التربوي والباحث بالمركز القومي للبحوث التربوية، أن المدرسة ليست قلعة محصنة عن الواقع الاجتماعي الذي نعيش فيه، فهناك الكثير من أشكال الفوضى التي تصب وتعود إلى فقدان المدرسة لقيمتها كمؤسسة تربوية فريدة متميزة، وذلك بعد أن نزعت الدروس الخصوصية هذا الدور، وتدهور قيمة المدرسة جعلها فرصة لممارسة السلوكيات الشاذة داخلها وخارجها، بالإضافة إلى ضعف من قبل وزارة التربية والتعليم والمفتشين والمراقبين. 

                       د. كمال مغيث

ويوضح أيمن البيلي، الخبير في شؤون التعليم، أن ما حدث من متغيرات اقتصادية واجتماعية في مصر كان له تأثيرات وانعكاسات على كافة نواحي الحياة ومن السلوكيات السلبية ومنها ظاهرة التحرش، مشيرا إلى أن هذه الظاهرة نتاج طبيعي لثقافة الفوضى الناجمة عن السياسات الرأسمالية، والتي دفعت المجتمع إلى تحويل كل شيء لسلعة، لافتا إلى أن الفن سلعة والثقافة سلعة والتعليم سلعة، وبالتالي فالسينما تحولت إلى تجارة بالغرائز والمخدرات وما يصاحبها من سلوكيات وألفاظ غريبة عن قيمنا وأخلاقنا.

وتابع البيلي: “التعليم له دور حقيقي في مواجهة هذه الظاهرة، ولكن للأسف انعدام دور المدرسة التربوي والتعليمي ونتيجة وجود التعليم الموازي الأسود، وهو الدروس الخصوصية والتي تنتفي فيها كل القيم التربوية، وتكتفي بعملية البيع والشراء، فالمعلم تاجر والطالب زبون والعلم سلعة غير متوفر فيها الشروط الصحية، فأصبح أبناؤنا يتلقون كل ما طرأ على المجتمع من سلوكيات سلبية دون ترشيح أو فلترة تربوية حقيقية”.

التعليقات