الناصرة: 54 عاما بين القرشلة والكعك الشامي

في هذا الركن من البيت الواقع في الحارةِ الشرقية بالناصرة، يمارسُ إبراهيم حمّاد مهنتهُ النّادرة، صناعة القرشلّة، التي لم يحترفها إلّا قلّة في عصرنا هذا.

الناصرة: 54 عاما بين القرشلة والكعك الشامي

إبراهيم حمّاد بين القرشلة والكعك الشامي

في هذا الركن من البيت الواقع في الحارةِ الشرقية بالناصرة، يمارسُ إبراهيم حمّاد مهنتهُ النّادرة، صناعة القرشلّة، التي لم يحترفها إلّا قلّة في عصرنا هذا.

ومع كل فجر تنغمسُ يداهُ في صناعةِ عجينة القرشلة، هذه الحلوى التي اعتاشَ بجلّ رزقهِ على صناعتها، وكما تنغمسُ يداه هكذا ذابت روحه في هذه الحرفة منذ 54 عامًا متواصلاً من العمل بها.

في ظلّ انكشاف السوق والحوانيت في البلاد على أصناف متعددة من الحلوى والمنتوجات، تظهر لنا القرشلة كنموذج للطعام التقليديّ الشاميّ المُشتهر في بلاد الشام منذ مئات السنين، فكيف هو حال صنعه وبيعه في المجتمع العربيّ في خضم التنافس على نفوس المستهلكين من قِبل شركات الحلويات الغربيّة الكبرى؟

القرشلة

 القرشلّة طعامٌ شعبيّ، عُرِفَ في بلاد الشام واسمه الآخر هو 'الكعك الشاميّ'، كان أساس المائدة في العائلة العربيّة الفلسطينيّة وخاصةً في الصباح مع الشاي أو الحليب أو القهوة، ويعود أصل القرشلة أو الكعك الشاميّ، إلى المنشأ التركي، فقد عملَ الأتراك على إعداد القرشلة لجنودهم كطعامٍ خلال الحرب العالمية الأولى، وذلكَ لما له من فوائد صحيّة لحل اضطرابات المعدة، ولقوة مقاومته للتعفن.

القرشلة، اليوم، محببة لدى كبار السنّ بشكل أكبر من الصغار وذلك يعود لعهدها القديم المرتبط بالحياة الشاميّة القديمة، وترعرع الجيل القديم على هذا النوع من الحلويات، ولأنّها كذلك تذوب أثناء تغميسها فتصبح سهلة المضغ على أسنان ولثة كبار السنّ، أمّا الصغار فهم أقلّ إقبالاً عليها بسبب المغريات الكثيرة التي أمامهم وعدم الانكشاف على هذا الصنف من الحلوى التقليديّة.

وتحتوي القرشلة على فوائد صحية كثيرة، تكمن في قدرتها على الهضم السريع، وحلّ اضطرابات المعدة، بكون الخميرة المستخدمة في القرشلة تقتل البكتيريا بشكل أنجع.

عمل القرشلة كمهنة

وفي حوارٍ لـ'عرب 48' مع صانع القرشلة، إبراهيم حمّاد، أشارَ إلى أنّه تعلّم صنعَ القرشلّة في مدينة القدس، لدى شخصٍ يهوديّ شرقيّ، أمّه عراقيّة والداه حلبيّ، عمل لديه عدّة سنوات من سنة 1957 إلى 1962، وكان يقوم بالخبز على الفرنِ التقليديّ الترابيّ، ومنذ عام 1962 قرر أن يتركَ العمل لديه وأن يحترف هذه المهنة بمفرده، فقررَ حمّاد في البداية أن يحترف صناعة الحلويات الشرقيّة.

ولكنّ حماد تخلّى عن الفكرة فيما بعد نسبةً لاتّساع سوق صناعة الحلوى الشرقيّة بالمنافسين الكثيرين، فقرر في النهاية أن يتميّز بصناعةِ القرشلة وحدها، لأنّ صناعتها لم تكن موجودة في المجتمع العربي الفلسطيني ولم تكن منتشرة كمهنة.

ويقول حمّاد، لـ'عرب 48'، إنّ 'القرشلة هي في الأصل مربعة الشكل، كانت تُفرد في الأطباق ومن ثمّ تقسيمها ووضعها في الفرن العربيّ القديم لتُخبزَ، وأثناء الخبيز يتم تقليبها من كلا الجهتين، ولكنّ الأدوات اليومّ تغيّرت وأصبحت أكثر سهولة، وتم استبدال موقد النار بالفرن التكنولوجيّ الحديث، كما هو الحال معه'.

وأضاف أنّ 'مراحل صناعة القرشلة تبدأ بماكنة العجن 'العجّانة'، فيقوم صانع القرشلة بوضع المواد الأساسيّة كالدقيق والسكر والزيت والخميرة، وغيرها من المواد، وتقوم العجانة بتجهيز العجينة إلى أن تقوم ماكنة أخرى بتنسيق العجين وتقطيعهِ وفق نظام معيّن وتقسيم طول وعرض كل حبة قرشلة بالتساوي، لتأتي مرحلة وضع السمسم، ومن ثمّ الخبيز وبعد الخبيز التغليف'.

انحسار

هناك انحسار في عدد صانعي القرشلة بالبلاد، فكما يقول حمّاد إنّه الوحيد الذي يصنع القرشلة في المجتمع العربيّ، وكانت القرشلة قبل ذلك تستورد من الضفة الغربيّة ونابلس خصيصًا، أو يتم استبدالها بكعك السمسم المدوّر، هذا ما أشار إليه مردفًا أنّ مدة صنع القرشلة تستغرق ساعة تقريبًا، ويصنعُ كلّ يوم حوالي 100-250 رزمة قرشلة، ويوزعها على الحوانيت في مدينة الناصرة وضواحيها والمجتمع العربي.

وأكد أنه 'في بداية عملي، كنت أعمل بالطريقة البدائيّة دون الاستعانة بالماكنات، وذلك بسبب عدم وجود ماكنات مخصصة لصناعة القرشلة في البلاد، كنا نصنعُ كل كعكة على حدة، وقد تعبتُ جسديًا كثيرًا أثناء العمل، فقمتُ بشكلٍ شخصيّ بالتعاون مع مهندس ميكانيكي كي يصمم لي ماكينات تسهّل عليّ العمل، وبالفعل قمنا بتصميم ماكنات صناعة القرشلة'.

حمّاد علّم هذه المهنة لأبنائه وهم الآن يزاولون العمل معه، ليتابعوا مسيرتهُ، وبالرغم من تطوّر الأدوات التكنولوجيّة فإنّ ذلكَ لا يعني أنّ للقرشلة حيّزها الصناعيّ، فهي لا تُنتج في الداخل الفلسطينيّ إلا بأماكن عمل صغيرة تقتصر على المنازل والأدوات المتواضعة.

اقرأ/ي أيضًا | عين العذراء... نبع الماء المقدس

 

التعليقات