د. سروجي: درستُ الطب في بيروت ومارستُه بالناصرة

آثر فتح باب بيتهِ في ساعاتٍ متأخرةٍ من الليل على النوم، من أجل أولئك المتألمين القاصدين إياه للعلاج، كانوا يقرعون الباب وكلّهم ثقة بأنّه سيقابلهم بسرورٍ ورحابة صدر، دون امتعاض هادفًا لمساعدتهم بأيّ وقت، إنه الطبيب عزيز سروجي (93 عامًا)، أقدم الأطباء في مدينة الناصرة.

د. سروجي: درستُ الطب في بيروت ومارستُه بالناصرة

الطبيب عزيز سروجي

آثر فتح باب بيتهِ في ساعاتٍ متأخرةٍ من الليل على النوم، من أجل أولئك المتألمين القاصدين إياه للعلاج، كانوا يقرعون الباب وكلّهم ثقة بأنّه سيقابلهم بسرورٍ ورحابة صدر، دون امتعاض هادفًا لمساعدتهم بأيّ وقت، إنه الطبيب عزيز سروجي (93 عامًا)، أقدم الأطباء في مدينة الناصرة.

يحملُ سروجي، المولود في شباط/ فبراير العام 1923، تاريخهُ الممتد على مدار عشرات الأعوام في هذه المهنة الإنسانية، وكلّ المرضى الذين عالجهم أجمعوا على عطائه المتفاني، يكنّون له الامتنان والشكر والمحبة.

فلسطين ولبنان

قال الطبيب عزيز سروجي، في حديث خاص لـ'عرب 48'، عن مسيرة حياتهِ، إنّ 'أبجدية دخوله المدرسة كانت في ابتدائيّة مدرسة السالزيان بالناصرة، تعلم هناك لمدة سنتين ومن ثمّ تدهور الوضع في فلسطين، والدي كان يحبّ أن يمنح أولاده التعليم الأفضل، فاختار أن ينقلنا إلى برمانة في لبنان، وهي مدرسة إنجليزيّة بقيت فيها حتى إنهائي الثانوية العامّة عام 1940، وبعدها انتقلت إلى الجامعة الأميركيّة في بيروت لدراسة الطب'.

وتابعَ أنّه 'منذ عام 1940 حتى بداية الحرب ودخول الإنجليز إلى لبنان كانت الحدود مفتوحة على فلسطين، وكانت الحياة في لبنان أرخص ماديًا من فلسطين، لكن بعد ذلك تغيّر الوضع، كنت في الـ'فريشمن' وهو الصفّ الأوّل في الجامعة الأميركيّة ببيروت، وبعدها أعطت الجامعة للفلسطينيين الحرية لإكمال التعليم والحصول على تصريح، وبقيت هناك حتى عام 1947 حين أنهيت دراسة موضوع الطب، وأكملت للتخصص بموضوع الطب لمدة سنتين إضافيتين وخلالهما حدثت النكبة للشعب الفلسطيني. عملتُ في مخيم عين الحلوة مع الصليب الأحمر لمساعدة اللاجئين الفلسطينيين في لبنان، وبقيتُ بلبنان حتى عام 1950، ولأنّ الحدود كانت مغلقة أمامي، قمت بالعودة عبر الجبال وقطعت الحدود أنا واثنين معي، لكنهما هربا حين رأوا أن الحدود غير آمنة فبقيت لوحدي في الجبال ضائعًا، بالقرب من رميش، وإذ بدوريّة إسرائيليّة أخذتني إلى القائد في المحطة وقدمتُ إفادتي، استطعتُ إقناعه أنني أريد العودة إلى عائلتي، فأخذني إلى البصّة قرب عكا وسلمني للشرطة'.

بدأ د. سروجي عمله بالبلاد كطبيب في العام 1951، بمستشفى السلّ في الناصرة، ومنذ تلك اللحظة وحتى عام 2014 وهو يعمل متواصلاً، أي 63 عامًا من العطاء المتفاني، ثم انتقل من المستشفى الإنجليزي الذي عمل به عامين ونصف العام، إلى عيادته الخاصّة مواصلاً العمل بها حتى تقاعده.

أنسنة الطب

وأوضح د. سروجي أنّ 'الطب اختلف في الماضي عنه اليوم بشكل كبير، فهناك تطوّر كبير طرأ على الطب، الآن تغيّر الوضع كليًا وتحول إلى إدارة الحكومة وصناديق المرضى والمؤسسات الطبيّة، وهذا لم يكن في البداية، فكنّا نعمل وندير لوحدنا عياداتنا الخاصة'.

وعن الجامعة الأميركيّة في بيروت، أكد أنها كانت تنظر بأهميّة بالغة لأخلاق الطلاب قبل علمهم ومعرفتهم، 'كانت الجامعة ترفض التلامذة غير الجديين في عملهم وأخلاقهم، ولهذا السبب نجحت الجامعة في كل العالم، حتى أنها استقطبت التلامذة من أميركا'، مشيرًا إلى أنّ 'الطلاب الفلسطينيين تميّزوا بنشاطهم وجدّهم واحترامهم'.

وعصر سروجي من ذاكرة دراسته في الجامعة الأميركيّة، حين كانت مركزًا هامًا للمخترعين والمكتشفين في تلك الفترة الذهبيّة، حادثة زيارة مخترعي مرهم 'البنسلين' إلى الجامعة لإلقاء محاضرة، فوقف حينها جميع الطلاب وأهالي الطلاب متكدسين على النوافذ لرؤيتهم والاستماع إلى قصة اكتشاف مرهم 'البنسلين' وكيف غيّر مجرى حياة المرضى الذين احتاجوه'.

وعن تلك الحقبة أكّد سروجي أن 'تلك السنوات التي عشناها كانت ناجحة جدًا، فلسطين كانت في عزّ ازدهارها الماديّ، وكانوا في الجامعات يفضلون الفلسطينيين على اللبنانيين، وكانت حياتهم في لبنان سعيدة جدًا'.

واختتم حديثه بابتسامةٍ طافت على ذاكرتهِ أنّ نجاحه في العمل كان بسبب اهتمامه بالمريض، احتوائه، التفهم لوضعه والنظر لحالته الماديّة، مما ساعد ببناء الثقة بينهما، واعتبار كلامه كطبيب موثوقًا منه لدرجة الإيمان به، فلم تكن مهمّته إعطاء الأدوية فقط، بل اهتمامه بمرضاه شمل الجسد والروح ولذلك دام عمله طويلاً.

العيادة... ليست خالية

في الوقت الحاليّ تعمل ابنته الطبيبة سوسن (سوزي) سروجي في العيادة لتتابع مسيرة والدها، وقالت لـ'عرب 48' حول دور والدها، إنّ 'علاجه لمرضاه لم يكن ينتهي بمجرد خروجهم من عيادته بل يبقى متواصلاً معهم عبر الهاتف بعد مغادرته للاطمئنان عليهم، فكان للمريض حرية الاختيار التامة بالقدوم إلى المنزل أو الاتصال في أية ساعة كانت، وهو ما يُشعر المريض بالأمان، بعكس بعض الأطباء اليوم، فهم يقومون بإغلاق هواتفهم في حال انتهى دوامهم، أما والدي فكان متاحًا لمرضاه في كافة الأوقات ويحافظ على سرّيتهم'.

واستطردت أنّ ما يميّز والدها أنّه ضليع بالأمراض الوراثية لعائلات الناصرة، مما ساعده في عمله بإسداء النصائح للمرضى وربط المعلومات الطبيّة ببعضها البعض، كما أنّه تحلّى بذاكرة ممتازة ساعدته في عمله، عدا عن أنّ الفترة التي تلقى وعمل فيها الطبّ اعتمدت على علم الطبيب والتاريخ الطبي والفحص الدقيق للمرضى من الرأس حتى أخمص القدمين، وليس الفحص السريع المعتمد على الأجهزة الطبيّة، كما حال الطب اليوم، وهذا ما ميّزه عن غيره من الأطباء.

اقرأ/ي أيضًا | القمبازي النصراوي الأخير: الجينز أطاح بمهنتي

يذكر أنّ سروجي متزوج من أنطوانيت نخلة سروجي، لهما ابنتان وابنان، و4 أحفاد، ومن الأحفاد وأبناء الأحفاد من تعلّم مهنة الطبّ تيمنًا بجدّهم الطبيب.

التعليقات