قعدان: نتائج امتحان بيزا تستوجب إعادة هيكلة التعليم العربي

أجرى موقع "عرب 48" لقاء مع حاملة لقب الدكتوراة في التربية ومديرة التطور المهني في أكاديمية القاسمي سابقا، د. إيناس قعدان، من مدينة باقة الغربية، حول نتائج امتحان 'بيزا' للعام 2015 والفروق الكبيرة بين الطلاب العرب واليهود.

قعدان: نتائج امتحان بيزا تستوجب إعادة هيكلة التعليم العربي

(صورة توضيحية)

برزت مرة أخرى الفروق الكبيرة بين الطلاب العرب واليهود، الناجمة عن التمييز الصارخ ضد العرب، وخاصة في مجال الميزانيات، في نتائج امتحان 'بيزا' التي نشرتها وزارة التربية والتعليم الإسرائيلية، أمس الثلاثاء، إذ بلغ معدل علامة التلاميذ اليهود في العلوم أعلى بـ87 نقطة من التلاميذ العرب، وفي القراءة أعلى بـ116 نقطة، وفي الرياضيات أعلى بـ104 نقاط. 

وتبين أن الفارق بين العرب واليهود في العلوم تقلص قليلا قياسا بالعام 2012، لكنه اتسع في مجالي القراءة والرياضيات.

كذلك فإن الفروق في علامات العرب واليهود لا تزال كبيرة، لصالح التلاميذ اليهود، حتى في حال المقارنة بين علامات التلاميذ الذين سجلوا أعلى علامات.

ودلت نتائج امتحان 'بيزا' للعام 2015، على أن الفجوة بين التلاميذ الحاصلين على أعلى علامات والحاصلين على أدنى علامات هي الأكبر بين دول منظمة دول التعاون الاقتصادي والتنمية (OECD). ويفحص امتحان 'بيزا' قدرات التلاميذ، في سن 15 عاما، في فهم المقروء والرياضيات والعلوم، وجرى في 72 دولة.

وتبين من النتائج أن مرتبة إسرائيل ما زالت متدنية قياسا بالمعدل في OECD وفي كافة المجالات، وهي شبيهة لنتائج العام 2012. فقد بقيت إسرائيل في المرتبة الأربعين في موضوع العلوم، وبمعدل علامة 467 بينما معدل العلامة في OECD كانت 493. وفي القراءة كان معدل العلامة في إسرائيل 479 مقابل 493، واحتلت المرتبة 37. وفي الرياضيات معدل العلامة بإسرائيل 470 مقابل 490، واحتلت المرتبة 39. ويشار إلى أن العلامة في امتحان 'بيزا' تتراوح بين 200 – 800.

وحول هذا الموضوع، أجرى موقع 'عرب 48' لقاء مع حاملة لقب الدكتوراة في التربية ومديرة التطور المهني في أكاديمية القاسمي سابقا، د. إيناس قعدان، من مدينة باقة الغربية:

ما هو تعقيبك على نتائج امتحان بيزا للعام 2015 مقارنة بالأعوام السابقة؟

نتائج الدولة في امتحانات البيزا للعام 2015 مقارنة مع العام 2012 لم يحدث فيها أي تغيير في مجالات الوعي الثلاثة، سواء الوعي العلمي أو الوعي القرائي أو الوعي الرياضي، لا بل هناك انخفاض طفيف بمعدل الوعي القرائي! أما إذا تحدثنا عن السنوات العشر الأخيرة فمقارنة مع العام 2006 طرأ تحسن في المجالات الثلاثة وخاصة في مجال الوعي القرائي الذي ارتفع 40 نقطة (في العام 2006 كان المعدل 439 نقطة وفي العام 2015 ارتفع إلى 479 نقطة).

وبنظرة عالمية فإن معدل الدولة كان ولا يزال تحت المعدل الدولي لمنظمة التعاون والتنمية الاقتصادية OECD في المجالات الثلاثة.

الآن، بما يتعلق بالمجتمع العربي مقارنة بالمجتمع اليهودي فإن الفجوة واضحة في معدلات المجالات الثلاثة، في الوعي العلمي حصل الطلاب العرب على 87 نقطة أقل من الطلاب اليهود، وعلى 116 نقطة أقل في الوعي القرائي و104 نقاط أقل في الوعي الرياضي، وهذه تعتبر هوة واضحة.

ما هي أسباب الفروق الشاسعة بين العرب واليهود في إسرائيل؟

فعلا الهوة بين العرب واليهود واضحة، وحتى عندما ارتفع معدل الدولة في العام 2012 مقارنة مع العام 2006 بقيت الفجوة ولم تتقلص. باعتقادي توجد عدة أسباب، الوضع الاقتصادي الاجتماعي له تأثير كبير، طلاب من عائلات حالتها ممتازة يرجح أن يحصلوا على معدلات أعلى، وبما أن الوضع الاقتصادي الاجتماعي لدى العرب منخفض جدا عنه في المجتمع اليهودي فهذا ينعكس أيضا على نتائج الامتحانات.

سبب مركزي آخر يعزى بلا شك إلى المدرسة وسيرورات التعلم التي يمر بها الطالب داخل المدرسة، فإذا كانت امتحانات البيزا تقيس مدى جهوزية الطالب للحياة في القرن الواحد والعشرين، وتقيس مهارات التفكير من الدرجة العليا، وتقيس القدرة على حل المشكلات، وتقيس الإبداع، علينا أن نتساءل إلى أي مدى يمر هذا الطالب بسيرورات تعليمية تدعوه للتفكير الإبداعي والناقد، بأي وتيرة نضعه أمام مشكلات تعليمية وتحديات ذهنية؟ أم أننا ما زلنا في غالب الأحيان نميل إلى النمط التقليدي في التعليم وإلى توفير المعلومة جاهزة للطالب.

ما زال المعلم يعتقد أنه مصدر المعلومة وبأن وظيفته جعل الطالب الذي لا يعرف أن يعرف.

حسب وثيقة ملاءمة جهاز التربية والتعليم للقرن الواحد والعشرين فإن دور المعلم أصبح موجها، مرشدا ومخططا لسيرورات تعليمية يمر بها الطالب للتوصل إلى المعلومة ولحل مشكلات مختلفة، عندها هذا الطالب يكون قادرا على التعامل مع الامتحانات الدولية بشكل أفضل.

طبعا يدخل في حديثي السابق أيضا المناهج التدريسية إلا أننا نرى في السنوات الأخيرة تحسنا فيها مثل مناهج العلوم التي ترتكز على مهارات التفكير العليا، لكن يبدو أنه غير كاف.

على من تقع المسؤولية حيال ذلك؟

برأيي على المدرسة بالأساس، بشكل أدق بمفهوم مهنة التعليم لدى المعلم العربي، ما زال المعلم العربي يعتقد أن وظيفة حشو عقل الطالب بالمعلومات و'استفراغها' في ورقة الامتحان، هذا المفهوم لا يتلاءم مع متطلبات العصر ولا يناسب الحياة التي سيخرج إليها هذا الطالب. علينا جميعا تغيير مفهوم التدريس وتطويره بحيث نُعد خريجا قادرا على مواجهة تحديات القرن الواحد والعشرين.

طبعا، للأهل والتربية البيتية أيضا دور هام، وهناك دور لكليات إعداد المعلمين التي عليها فحص منظومة إعداد المعلم واستكماله على مدار سنوات خدمته.

وزارة التربية والتعليم عليها مسؤولية لا تقل أهمية في بناء هيكلية تعليمية تربوية شاملة لجميع الأطراف ذات العلاقة ووضع رؤية للسنوات العشر القادمة، رؤية واضحة مع أهداف واضحة وثابتة تهدف إلى رفع مستوى الطلاب العرب وتقليص الهوة.

كما أن كليات إعداد المعلمين لها دورها في إعداد معلم قادر على التعامل مع تحديات القرن الواحد والعشرين.

هل ترين أن هناك تمييزا في هذا الامتحان؟

هذا السؤال صعب، فمن جهة لا أعتقد أن هناك تمييزا في إجراء الامتحان، ليس من مصلحة الدولة المحافظة على هذه الهوة لأن الهوة تؤثر أيضا على تدريج الدولة بين الدول الأخرى وهو منخفض! لكن مباشرة يراودني السؤال لماذا لا تقوم مؤسسات الدولة بالمجهود المطلوب لتقليص الهوة، وهل هناك مصالح سياسية من إبقاء هذه الهوة؟!

ما الذي يستوجب فعله من أجل تقليص الفجوات بين العرب واليهود؟

لا أنفي وجود فجوة مؤسساتية وتمييز في الموارد بين المدرسة العربية والمدرسة اليهودية سواء في المباني، عدد المعلمين أو الميزانية المقررة لكل طالب إلا أنني ورغم ذلك أؤمن أن التغيير يأتي من المعلم نفسه إذا طور نفسه وغير دوره وأحب مهنته ولاءم نفسه لمتطلبات العصر فإنه حتما سيسقط ذلك على طلابه، وعلى دافعيتهم وتحفيزهم الذهني.

كما أن مدراء المدارس يعتبروا مفتاحا مفصليا في تغيير ثقافة المدرسة إلى ثقافة مطورة للتفكير، ثقافة ترعى المعلم رعاية مهنية باتجاه سيرورات تعليمية مناسبة لعصرنا، ومناسبة للمعايير الدولية في التعليم والتقييم.

على وزارة التربية والتعليم وضع خطة إشفاء من خلال إعادة هيكلة جهاز التربية والتعليم العربي، تشمل جميع الأطراف ذات العلاقة ووضع رؤية للسنوات العشر القادمة، رؤية واضحة مع أهداف واضحة وثابتة تهدف إلى رفع مستوى الطلاب العرب وتقليص الهوة.

التعليقات