الثوب الفلسطيني وسوق الناصرة... حالة واحدة؟

مكانٌ كهذا يأخذُكَ في جولةٍ إلى أرضِ فلسطين التاريخيّة، بتنوع بيئاتها، بالرغم من أنّ أغلب ما يحتويه المكان هنا هو القماش، عملٌ يدويّ وليد السنوات اتّسم بالإبداعِ رغم أنّ حاجتهُ نابعة من الأولويّات الحياتيّة للفلسطينيين،

الثوب الفلسطيني وسوق الناصرة... حالة واحدة؟

الثوب الفلسطيني في الناصرة (عرب 48)

مكانٌ كهذا يأخذُكَ في جولةٍ إلى أرضِ فلسطين التاريخيّة، بتنوع بيئاتها، بالرغم من أنّ أغلب ما يحتويه المكان هنا هو القماش، عملٌ يدويّ وليد السنوات اتّسم بالإبداعِ رغم أنّ حاجتهُ نابعة من الأولويّات الحياتيّة للفلسطينيين الذين لم يجدوا سوى أياديهم ملاذًا لتوفير أساسياتهم، ومن هنا كانت اليد والإبرة منبع كل هذا الفنّ.

المتجر الواقع عند مدخل البلدة القديمة في الناصرة يُسمّى 'شغل إيد'، تتزين جدرانه وخزائنه بالماضي العريق، بالأثوابِ الفلسطينيّةِ الزاخرة بالمعاني كما الكتب، بالخطِّ العربيّ الأصيل والكوفية، إضافةُ لباقي التفاصيل التراثيّة التي ما زالت تحافظ على الثراثِ الفلسطينيّ المتمثل بالملبس خاصة، خوفا من الاندثار، وتعيد إنعاشه لأهالي الناصرة والسائحين، على حدٍ سواء.

افتتحت سمر فاهوم ظاهر مصلحة 'شغل إيد' منذ سنتين، بهدف نشر التراث الفلسطيني وتعريف الزائرين والسائحين عليه كونه تراث عريق وغنيّ جدًا، انطلاقًا من حاجة الناصرة إلى محل لعرض وتسويق المنتجات المحليّة في الداخل الفلسطينيّ والضفة الغربية، وهي من إنتاج صناعة يدويّة، خاصةً التطريزات الفلسطينيّة المختلفة، وعلى رأسها الثوب الفلسطينيّ.

ما قبل وبعد النكبة

قالت سمر ظاهر، لـ'عرب 48'، إنّ 'الثوب الفلسطينيّ النسائيّ عُرِفَ دومًا باختلافهِ مع اختلاف المناطق الجغرافية التي تنتمي لها المرأة في فلسطين، وكان يشكل وثيقة وجود وهويّة انتماء للمرأة الفلسطينيّة، فعلى سبيل المثال اشتهرت مدينة يافا بثوبها، غزة كذلك، رام الله والخليل، حتى كل بلدة لديها ما يميزها من تطريز، فلو حضرت امرأة من يافا إلى القدس لعرف أهالي القدس أنّها من يافا من شكل ثوبها المطرز فقط، ما يعني أنّ الثوب كان بمثابة هويّة'.

وأضافت أن 'الأثواب الفلسطينيّة كانت وليدة البيئة المحيطة، فالأثواب قديمًا كانت تختلف بين بلدة وأخرى بحسب الجغرافيا، فيافا اشتهرت بتطريز أزهار البرتقال والصنوبر، الخليل مطرزة بخيمة الباشا، الأثواب الفلسطينيّة القديمة تتميز بكثافة التطريز فيها من الأمام والخلف، وكانت نساء العائلة الوحدة تشترك في إتمام الثوب، إذ يتم تقسّيم قطع الثوب عليهنّ لتقوم كل واحدة منهنّ بتطريز قطعة، ثمّ يجري تجميع القطع ليصبح الثوب جاهزًا، ما يدعى بخياطة المناجل'.

وروت ظاهر أنّ 'الثوب الفلسطينيّ بعد النكبة اختلف بنوعيّة التطريز، إذ أصبح مختلطًا، فاللاجئات في مخيمات الشتات اجتمعن وعلّمن بعضهن التطريز مما جعل الثوب الفلسطينيّ الحديث مختلط النقشات والتطريزات والزخارف من أكثر من منطقة، فنجد في الثوب الواحد أشكال التلال وأشجار السرو في يافا (التي اشتهرت ببيارات البرتقال المحاطة بأشجار السرو) مع الورود المشتهرة في رام الله ومعها أيضًا نجمة كنعان الشهيرة في بيت جالا وبيت لحم'.

ارتباط الثوب الفلسطينيّ بالمجتمع

وعن ارتباط الثوب الفلسطينيّ بالمجتمع، قالت سمر ظاهر، إن 'ما كان متاحًا في القدم هو القماش الأسود أو البيج، فكان الثوب الأسود يستعمل للعمل اليوميّ وكانت التطريزات عليه خفيفة، أما ثوب الخروج من البيت والمناسبات الاجتماعيّة كان ممتلئًا بالنقوش والرسومات، واللون الأحمر هو لون متوارث من الأجداد الكنعانيين ويدلّ على الانتماء إلى التربة والأرض، لكنه اختلف بين منطقة وأخرى، فالتطريز الأحمر في غزة يميل للبنفسجيّ، رام الله ويافا يميل إلى الأحمر الخمريّ، بئر السبع الأحمر المائل إلى البرتقاليّ، الخليل أحمر مائل إلى البنيّ'.

وأشارت إلى أنّ 'الثوب الريفيّ كان تطريزه خفيفًا لأنّ المرأة الريفيّة كانت تعمل في الحقل بمواسم الجني والقطاف ولم تتفرغ للتطريز، بينما سيدات المدينة كان أثوابهنّ مطرزة بشكل أكبر ولم يعملن، وتفرغن للتطريز ما جعل ثوب المدينة كثيف التطريز، وأعتقد أنّ المثل الفلسطينيّ القائل 'قلّة الشغل بتعلم التطريز' نبع من هنا لأنّ أثواب المدن الفلسطينيّة كرام الله ويافا والخليل عُرفوا بالتطريز الكثيف'.

وتابعت: 'كانت المرأة في حفل زواجها ترتدي على رأسها 'الصّفّة/ الشطوة' وهي عبارة عن طاقية مطرزة، فبعد استلام العروس لمهرها تقوم بتطريز الليرات الذهبية التي تلقتها حول الطاقية وترتديها ليلة العرس، ويُقال أيضًا إنّه بعد الزواج إذا احتاج زوجها المال فهي تقوم بأخذ الليرات الذهبية من القسم الداخليّ لتعيله وتساعده على سداد مصروفاته ما يعني أن المرأة الفلسطينيّة كانت مدّخرة ومساعدة لزوجها في نفقات العيش'.

الثوب والسوق

ولفتت سمر ظاهر إلى أنّ 'المحل في الناصرة استقطب فئة الطالبات الجامعيات وطالبات المدارس، فهنّ من يقبلن على شراء الأمور التراثيّة، سواء كان ذلك لأنفسهنّ أو تقديمه كهدية، أما الثوب الفلسطينيّ، اليوم، فهو مقتصر على ليلة الحناء للعرائس، وفئة المشتريات تقتصر على العرائس ولا نرى ارتداء الثوب الفلسطينيّ في الأيام العاديّة وهو أمر مؤسف، لأننا لا نعطيه حقّه بينما أنا كتاجرة ألاحظ تقدير الأجانب للثوب الفلسطينيّ بشكل أكبر مقارنة مع أهالي المدينة الذي يقتصر شراؤهم غالبًا على الإكسسوارات والحقائب المستحدثة'.

وأكدت أنّ 'الثوب الفلسطينيّ حاله كباقي الأزياء القابلة للتحديث، لا مشكلة في تحديث الثوب إن كان محافظًا على حشمته وأصالتهِ التي لا تحذف تفاصيله ونقوشه الفلسطينيّة الأصيلة، فنرى أثوابًا حديثة بتطريزات قليلة قد دخلت على الأكسسوارات والحقائب المطرزة التي تلائم الاحتياجات اليوميّة للفتاة، في حين لا تستطيع الفتاة يوميًا ارتداء الثوب والخروج به'.

يذكر أن سمر ظاهر اختارت فتح المحل الخاص بها 'شغل إيد' في البلدة القديمة بالناصرة، وخاصةً في شارع كنيسة البشارة رغبةً منها بإحياء هذه المنطقة من جديد وإحياء الثوب الفلسطينيّ معها، مؤكدة أن 'المنطقة محط أنظار كافة الفئات والجنسيات والأعمار، يدخلها أيضًا السياح الذين يبدون إعجابهم بهذا الفنّ النسائيّ العريق ويقيمّون محافظة النساء على العمل بالتطريز المحليّ والتراثيّ'.

وعن تواجدها في هذه المنطقة، شكت بأنّها 'الحالة الاقتصاديّة شبه مشلولة في الناصرة والبلدة القديمة تعاني منها بشكلٍ خاص ووضعها أسوأ فالسوق مغلق، وهذا يزيد صعوبة تسويق الثوب الفلسطينيّ لأنّ من يأتي المتجر إما أن يكون قاصدًا أو من السياح فقط'.

التعليقات