مختصة نفسية: تعزيز الوعي المجتمعي يساهم في معالجة العنف ضد الأطفال

د. ريهام ذياب: "تختلف مظاهر العنف ضد الأطفال باختلاف البلد وحتى الحي والأسرة الواحدة، إلا أنني أستطيع القول إن التنمر هو الظاهرة الأكثر شيوعا وتأثيرا على الطفل".

مختصة نفسية: تعزيز الوعي المجتمعي يساهم في معالجة العنف ضد الأطفال

توضيحية (pixabay)

يعدُّ العنف ضد الأطفال شكلا من أشكال انتهاك حقوق الإنسان، وقد أضحت شريحة الأطفال في المجتمع العربي بالبلاد عرضة لظواهر العنف والجريمة المنتشرة في محيطهم بشكل يدعو للقلق، إذ تخترق هذه الظاهرة صفوفهم في سياقات مختلفة، وتهدد أمنهم وسلامتهم النفسية والجسدية، وتستمر تبعاتها في المراحل التالية من الحياة، وتخلف انعكاسات سلبية وآثار مدمرة لصحتهم ورفاهيتهم، الأمر الذي يدعو إلى تعزيز الوعي المجتمعي لمعالجة هذه الظاهرة، وذلك بتنمية وتطوير الوعي التربوي لدى الوالدين والمؤسسات المختلفة.

وحول اتساع دائرة العنف ضد الأطفال، حاور "عرب 48" المختصة في علم النفس والمحاضرة الجامعية، د. ريهام ذياب، من مدينة طمرة:

"عرب 48": كيف تصفين حال الأطفال في المجتمع العربي من جانب انكشافهم على العنف بمختلف أشكاله؟

د. ذياب: نعاني في مجتمعنا العربي بشكل عام من تفشي ظاهرة العنف، والتي أصبحت ظاهرة يومية وانتشارها أضحى كانتشار النار في الهشيم، حتى أنها طالت الأطفال رغم حداثة سنهم وسببت لهم الكثير من الأذى. وأعزو انتشار العنف على هذه الصورة لعدة أسباب منها التطور التكنولوجي السريع وظهور مفهوم العولمة على إطار واسع، مما فاقم من المشكلة، مثل الألعاب الإلكترونية العنيفة المتداولة التي أصبحت في متناول كل الفئات العمرية، وخاصة الأطفال الذين لا يدركون مدى خطورتها على تكوينهم الفكري والعقلي، وأيضا تلعب البيئة المحيطة بالطفل دورا في تفاقم العنف كون بعض الأسر تعتمد الضرب في تعاملها مع الأطفال، مما يخلق أطفالا أكثر عنفا، يعكسون العنف الممارس عليهم على أقرانهم.

كذلك هناك مسألة مشاهدة الأطفال للنشرات الإخبارية التي تحتوي على مشاهد عنيفة كالتفجيرات والحروب والقتل، أو البرامج التلفزيونية التي تطرح ظواهر العنف والمخصصة للكبار، والتي لا يراعي فيها الأهل حضور الطفل لهكذا برامج، أو البرامج التي تتحدث عن الفقر والفاقة والإعاقات والتشرد والعمالة المبكرة للطفل والتسرب المدرسي، والتي تجعل من الطفل بركانا من الغضب لما يراه عكسا لمفهوم العدالة الاجتماعية، فعندما يرى الطفل أن أقرانه في محيطه الفلسطيني بالضفة وقطاع غزة يتعرضون للقصف فهذا سيحوّله إلى عنيف، أو ستجعله طفلا محبطا مكتئبا.

وعلى صعيد آخر فإن المشاكل الأسرية تلعب دورا في ذلك، فالعنف قد لا يكون موجها للطفل بشكل مباشر، ولكنه يرى عنفا لفظيا بين والديه أو بين أحد والديه وأخوته، أو حتى هو نفسه يتعرض لهذا النوع من العنف، أيضا التفكك الأسري والطلاق يؤديان لجعل طفل لا ثقة له بمحيطه ويكسبه عدوانية، وبخاصة إذا شعر أن المجتمع ينظر إليه نظرة مختلفة عن الطفل الذي يعيش في كنف والديه معا. ولا ننسى أن الكثير من الإعلانات التي تظهر على شاشة التلفاز تفتقر إلى التصنيفات التي تحدد مدى ملاءمتها للمشاهدة من قبل الأطفال وأن أغلب الآباء لا يدركون هذه المخاطر مما يحد من سيطرتهم الرقابية، وبخاصة أن الكثير من الإعلانات تحتوي مشاهد عنيفة.

"عرب 48": أية مظاهر عنف الأكثر شيوعا ضد الأطفال؟

د. ذياب: تختلف مظاهر العنف ضد الأطفال باختلاف البلد وحتى الحي والأسرة الواحدة، إلا أنني أستطيع القول إن التنمر هو الظاهرة الأكثر شيوعا وتأثيرا على الطفل. طبعا يختلف العنف من طفل إلى آخر ومن جيل لجيل، وقد يكون العنف نتيجة الغيرة بين الأخوة، وأحيانا يكون صادرا عن الأب الذي يستخدم سلطته الأبوية لممارسة العنف اللفظي أو العنف الجسدي، ولا يمكن لنا أن نبرر استخدام أحد هذين النمطين من العنف على أنه أقل درجة، إذ أن بعض الأطفال يتعرضون للنوعين من العنف في آن واحد. يظهر العنف جليا في المدارس كونها تشتمل على عدة فئات عمرية، ومن بيئات مختلفة، مما يجعل التباين في التعامل مع الأطفال، ويؤدي لظهور التنمر، والذي زادت وتيرته خلال العامين الأخيرين، فمفهوم العلاقات الاجتماعية يرتبط ارتباطا وثيقا بالجانب التعليمي، ويؤدي كذلك لمعاناة التلاميذ والطلاب من هذه الظاهرة بشكل مباشر، وبخاصة الفئة الضعيفة منهم.

والعنف اللفظي الأكثر انتشارا خارج المنزل، وقد يكون داخل المنزل بوتيرة أقل، وهذا العنف يسبب نوعا من العدوى ويصعب التخلص منه ومن آثاره بسهولة. كل أشكال العنف تترك لدى الطفل آثارا نفسية بالغة تجعله يشعر بأنه مهدد اجتماعيا ونفسيا، ويصاحب ذلك القلق والتوتر والرغبة في الانزواء، حتى أنه قد يعمل على التسرب المدرسي. أيضا عدم الاهتمام بالطفل قد يشعره بأنه أقل شأنا من رفاقه مما يحمله إلى تعويض ما يظنه نقصا باستعراض قوته أو استخدامه للعنف الجسدي أو اللفظي تجاه البقية. ولا يخفى العنف الجسدي ضد الأطفال من قبل شخص أكبر منهم، إذ يتم الكشف في كل فترة عن حادثة عنف أليمة ضد الأطفال في المؤسسات المختلفة.

"عرب 48": هل تعرض الأطفال للعنف انعكاس لواقع مجتمعنا الغارق في مستنقع العنف؟

د. ذياب: نعم، فإن ظاهرة العنف باتت تطال كافة الشرائح في المجتمع العربي، فعند الحديث عن ارتفاع ظاهرة العنف ضد المرأة فعادة ما يتم تعنيف المرأة أمام أطفالها، أو وقوع جرائم عنف وقتل في المجتمع فإن الأطفال أصبحوا شاهدين على صوت إطلاق النار، أو حتى على جرائم القتل في بعض الأحيان. وأنوه بأن سلوك الطفل هو انعكاس للواقع الذي يعيشه، فعندما تكون الجريمة منتشرة في المجتمع ولا تجد الإدانة بل وتحكمها الأعراف والتقاليد كالثأر وغيره، ويجد الطفل أن هذا الأمر هو طبيعي وغير مدان فإنه سيكتسب عدوانية، وقد يكون الطفل هو ابن لأب قتل نتيجة لتصرف عنيف، فهذا سيولد لديه الرغبة في الانتقام، وفي بعض الأحيان يكون الطفل نفسه عرضة لأعمال انتقامية، كما أن الأوضاع الاقتصادية الاجتماعية تسبب بشكل أو بآخر مظهرا من مظاهر العنف، ولا يخفى على أحد الوضع الاقتصادي الاجتماعي المتدهور في مجتمعنا العربي.

"عرب 48": ما هي آثار العنف النفسية والاجتماعية والذهنية التي يتسبب بها العنف ضد الأطفال؟

د. ذياب: العنف يترك آثارا سلبية على عالم الطفل كما أسلفت لعدم قدرته على مواجهة مظاهر العنف بمفرده نظرا لقدرته المحدودة، وعدم امتلاكه الأدوات اللازمة لذلك، وبخاصة إذا كان العنف موجها له من قبل شخص بالغ، مما يؤثر على الطفل من عدة نواح، وهي: نفسية الطفل، فالطفل الذي يتعرض للعنف من قبل ذويه أو أقاربه أو معلميه على نحو مستمر هو الأكثر عرضة للإصابة بأمراض نفسية مزمنة تبقى معه ردحا طويلا من الزمن، نتيجة لترسخ هذه المواقف العنيفة في ذاكرته وتراكمها، وتصبح عائقا وتتحول إلى مرض مستعص وتخلق له معاناة قد لا تمحى مع مرور الوقت. ومن الجانب الاجتماعي، فإن العنف الدائم الممارس على الطفل يؤدي إلى تحويله إلى طفل عنيف، مما يؤثر سلبا على المجتمع ككل، من خلال إيذاء الآخرين والرغبة لديه للانتقام من البيئة المحيطة التي لم تقدم له الدعم، بل مارست عليه أساليب قاسية من العنف، فالعنف يُوّلد عنفا، إذ سيصبح الشخص المعنف عنيفا، وسيصبح منبوذا في مجتمعه نتيجة لذلك.

كذلك يؤدي العنف إلى جعل المُعَنَف يميل إلى العزلة الاجتماعية، والانزواء بعيدا، لعدم ثقته بنفسه، وفي ذات الوقت عدم ثقة المجتمع به، وهناك آثار اجتماعية سلبية أخرى قد نلمسها على المعنفين مثل فقدان الإحساس بالأمان، والاستياء الدائم، والإحباط، وفقدان الثقة بالنفس، وبالتالي تجنب الاختلاط والمشاركة الاجتماعية. وفي هذا السياق، قد يؤدي العنف تجاه بعض الأطفال إلى تعلقهم الزائد بأحد الأشخاص حيث لا يشعر بالقوة إلا بوجوده، وهذا نوع من أنواع الاضطراب الاجتماعي. وفي الجانب الذهني، وهو ما يعرف بضعف المهارات الإدراكية، فإن استخدام العنف الممنهج بأشكاله المختلفة قد ينجم عنه قلق دائم وتوتر مستمر لدى الطفل، ويؤدي إلى أمراض نفسية وجسدية تعيق التطور الذهني لديه، ويلجأ بالتالي إلى العزلة والانزواء، كما يؤدي ذلك إلى اضطرابات نفسية بالغة كالاكتئاب وإيذاء نفسه أحيانا، كما يؤدي إلى صعوبات في التعلم والإصغاء وضعف الانتباه والتركيز والتفاعل واضطرابات في الشخصية، وقد تؤدي في بعض الأحيان إلى الانفصام.

د. ريهام ذياب: "العنف يترك آثارا سلبية على عالم الطفل"

"عرب 48": كيف يمكن تقديم الدعم لطفل يتعرض للعنف؟

د. ذياب: نتيجة لما تقدم فإنه يجب علينا تقديم الدعم النفسي للطفل من قبل الأهل والأقارب والبيئة المحيطة، وهذا يتمثل في الحد من آثار العنف على الطفل الذي تعرض سابقا للعنف، وكوقاية لمن لم يتعرض له من خلال أساليب متنوعة مثل منح الطفل الشعور بالحب والاهتمام، والإصغاء إليه، وتلبية حاجاته الرئيسة، وتكوين صداقة معه، ومراقبة تصرفاته وسلوكه للتدخل على الحد من المواقف السلبية التي يتعرض لها قبل فوات الأوان، والعناية به، والتحاور معه، وصقل شخصيته وإكسابه الثقة بنفسه وتزويده بالأدوات النفسية اللازمة لمواجهة المواقف السلبية.

أيضا، يجب الإبلاغ عن المواقف العنيفة التي يتعرض لها الطفل وإنشاء قنوات اتصال يتمكن من خلالها الطفل من الإبلاغ عن هذه الحوادث، ويجب أن يكون المعلم في المدرسة على مستوى عال من الوعي والمسؤولية تجاه العنف الذي يجري أمام ناظريه، وأن يختار مفرداته وألفاظه بعناية وأن يتجنب الحديث في معرض إلقاء الدروس عن الحالات التي تسبب إحراجا لتلاميذ أو طلاب من شريحة اجتماعية معينة، بحيث لا يشعر الطفل بأنه منبوذ بين زملائه وأقرانه، وعلينا في المدارس والمؤسسات المختلفة وضع جداريات تحذر من ظاهرة العنف ضد الطفل وتطرح الأسباب وطرق العلاج، والدعوة لإقامة ندوات تثقيفية توعوية، إلى جانب جعل المدرسة مكانا آمنا يلوذ به الطفل ويشعر بأنه في منزله وبين أفراد عائلته.

"عرب 48": هل من توصيات للأهل والمؤسسات المختلفة حول أهمية حماية الأطفال من ظاهرة العنف؟

د. ذياب: يجب غرس روح المساواة والتسامح في نفوس أطفالنا من خلال تعاملنا معهم دون تفرقة، بل يجب أن نشعرهم أن الاختلاف هو أمر يميزهم لا يعيبهم، وعلى السلطات بكافة مكوناتها ودرجاتها أن تعزز قيم التسامح، وعلى المدارس أن تنحو هذا النحو من خلال اتصالها بالأهل والتعاون معهم وإبلاغهم عن المشاكل التي يتعرضون لها في المدرسة ومحاولة تقصي أسباب الخلل وبناء جسر تعاون وثيق تمتد معه مراقبة الطفل على مدار الساعة، ويتم من خلاله توفير الحماية للطفل وإشعاره بالأمان والدعم والمحبة، وتوظيف الإعلام للعب دور محوري في ذلك من خلال تقديم البرامج التوعوية من خلال الحلقات التلفزيونية والإذاعية ومن خلال الشبكة العنكبوتية وإطلاق "هاشتاغات" دعم تشعر الطفل بأهميته وأنه ينعم بالأمان وأن هناك من يقف معه ويؤازره.

التعليقات