"الأسباط العشرة"..

-

طويت الأعلام الصينية الإنتاج مرة أخرى ثمّ تم إدخالها إلى الخزانة، أما المعاناة، وأساطير البطولة وحكايا الثاكلات وضعت جانبا حتى العام القادم. إنتهت كل الخطابات، فقد انتهى الأسبوع القومي، الذي يجدر السؤال في نهايته، هل نشأ لدينا شعب واحد؟ هل نجح مفاعل اللحمة؟ هنالك شك كبير في ذلك.

برغم التجند القومي الكبير، من عبرنة الأسماء، المفروضة أحيانا، وحتى الخدمة في الجيش، ومن تجميع الشتات وحتى التوحيد، برغم الشعارات الموحّدة، بما فيها الحروب وغلعاد شاليط، فقد بقيت إسرائيل مجتمع مهاجرين قبليا، متعدد القوميات ومتعدد الطوائف ومتعدد الثقافات، ربما أكثر من السابق. فإلى جانب التوحيد، يوجد الكثير من التفريق والإنعزالية، وما الحديث المنمق عن الوحدة سوى شعارات فارغة. فلنعترف بذلك سواء كان الأمر جيدا أم سيئا.

أولا، فإن ربع سكان دولة اليهود هم ليسوا يهود، وخمسهم هم أبناء القومية العربية. حيث أن لغة العرب في إسرائيل، وعالمهم وثقافتهم ومواقفهم لا تتيح لهم بالتأكيد أن يصيروا جزءا من "شعب إسرائيل". فهم منبوذون مميز ضدهم وتم إقصاؤهم فانطووا في بلداتهم وقراهم، حيث أنهم ليسوا من السبط بالتأكيد.

هنالك مثل هؤلاء لكن بصورة أقل نحو مليون من أصول الإنحاد السوفييتي السابق. حيث تجد لديهم أيضا طبيعة الإنعزالية، بل طبيعة التعالي أحيانا، إلى جانب دمجهم للجيل الثاني.. فجميعهم "روس" وليسوا إسرائيليين، ومن المشكوك فيه أن يتغير هذا الوضع قريبا. حيث أن القدامى من بينهم أيضا، الـ "شرقيين"، الذين يعيشون هنا بغالبيتهم منذ عقد من الزمن، ما زالوا قبيلة مختلفة. ويأتي الشك بأنهم، وبسبب التمييزضدهم، ولاسباب أخرى، لم يفلحوا بالوصول إلى مكانة مرموقة في الشريحة العليا.

لا تذكروا الإستثناءات، فلا تحكوا عن رئيسي دولة، وعن وزيري خارجية، وعن رئيسي أركان: فالشرقيون، وبالأساس أولئك من أصول شمال إفريقية، لم يشقوا طريقهم بعد. فهم بعد جيلين منذ جاؤوا إلى هنا لم يحظوا بالمساواة. فمعظمهم يعيشون في الضواحي، على هامش المدن وبلدات التطوير، وما زال هنالك أكثرية من الشمال أفارقة في السجون أكثر منهم ي النخبة. فليسأل كل قارئ اشكنازي نفسه بصدق، كم هم من أصدقائه إفريقيون؛ وكل شرقي كم هم أصحابه الأشكنازيون؟.

وليفحص كل منا إذا ما كان القدر هو الذي لم يمنحنا رئيس حكومة شرقيا، وكم من نخبة القوم – الإقتصادية، والأمنية، والعلمية، والقضائية، والإعلامية والثقافية هم شرقيون. نعم، هنالك تزاوج بين الطوائف وكذلك حالات نجاح، بحيث أن ذكرها يؤشر على القاعدة، برغم مرور جيلين، بأن الفجوة ما فتئت هي السائدة، وكذلك التذمّر، وأن الطريق ما زال طويلا للإندماج الحقيقي. حيث أن تجميع الشتات ما زال جيدا فقط لخطابات يوم الإستقلال.

هذا ليس كافيا: فالحريديم يعيشون في عالمهم، الآن أكثر من قبل عقد من الزمن: فلن تجدوا قريبا، كما في الماضي، عوائل متدينة في منطقة علمانية. حيث أن المشترك بينهم وبين العلمانيين هو أقل من ذاك بينهم وبين شعوب أخرى. فزيارة علماني إلى الحي المتدين "مئاه شعاريم" يعتبر جولة انتروبولجية لغريب في منطقة نائية. حيث اللغة تختلف، وكذلك الصحافة والعادات واللباس والثقافة، وحتى القيم والأخلاق.

اليهودية – المتدينة هي الأخرى انطوت على نفسها. فما المشترك بين فتى التلال وأولاد الشموع؟ القليل القليل. والمستوطنون هم طائفة منغلقة على ذاتها، ومنعزلة ومختلفة. والمسافة بين تل ابيب ويتسهار (مستوطنة في الضفة الغربية المحتلة ) هي أكبر من المسافة بين تل أبيب ونيويورك. بل هي أطول من ذي قبل. وقد زار التل أبيبيون نيويورك أكثر من يتسهار. إنهم يعيشون في "فقاعة" لم يطرها أحد منذ عقد من الزمن.

يطور الشباب لغة جديدة وغريبة. وثقافة الليل في نوادي الليل ليست معروفة لجلّ الإسرائيليين. إنها قبيلة جديدة هي الأخرى. ولقد بات الإستيطان العامل ، وهو سبط الماضي، في خبر كان لكن ظهرت بدله شعوبيات جديدة. وينادي الشباب أحدهم الآخر "يا أخي"، علما أن الإخوة موجودون بيولوجيا فقط.

إن جيش الدفاع الإسرائيلي وجهاز التربية اللذين أنيط بهما أن يشكلا المحرك لنمو الإندماج وتطوّره، لم يستطيعا توحيد الشعب. فالعرب لا يتجندون، وقلّ التجند في تل أبيب، وأصبح هنالك في جيش الشعب الكثير من الوحدات الإثنية. وكذلك في المدارس، ومنها القليل الإندماجي فقط، حيث تقام بدلها مدارس موحدة وذات صبغة واحدة.

شعب واحد؟ إننا بعيدون عن هذا. ربما لم نضع بعد. لكننا أسباط عشرة.

التعليقات