"الإسرائيليون اختاروا حماس"

-

لقد حسم مواطنو إسرائيل في الإنتخابات للكنيست الثانية عشرة مستقبل القيادة الفلسطينية أيضا. حيث أن احتمال أن ينجح محمود عباس ورؤيته في البقاء والثبات إزاء حكومة نتنياهو، كما كان فعل ياسر عرفات في العام 1996، بات ضعيفا للغاية. فغياب العملية السياسية وتعاظم قوة حماس المرتقبة لذلك، سيؤديان إلى أن تتخلى فتح عن الحلبة السياسية وأن تنضم، أو تترك مكانها لحماس.

لقد اضطر عرفات لأن يراقب نتنياهو، الذي اعتبر "دولة منظمة التحرير الفلسطينية" خطرا وجوديا، يشكل حكومة يمينية. وقد أثمرت أحداث "نفق الهيكل"، والضغط الأمريكي، والحرب المؤقتة على الإرهاب، وتأييد معظم الجمهور للعملية السياسية، القليل من "الثمار السياسية" – "برتوكول الخليل" و "ورقة واي" – لكنها حالت دون إلغاء العملية. لم تفقد منظمة التحرير الفلسطينية الريادة لصالح حماس حتى عندما ألغى نتنياهو المفاوضات حول التسوية الدائمة، وقلص من حجم الإنسحاب بحسب الإتفاق المرحلي، وضاعف عدد الإسرائيليين في المناطق (المحتلة).

لقد أفلح محمود عباس في البقاء إبان فترة حكومة إيهود أولمرت بفضل دعم الدول العربية المعتدلة ومعظم المجتمع الدولي والمساعدات الأمريكية ووجود جيش الدفاع الإسرائيلي في الضفة الغربية. لكن حكومة نتنياهو الثانية تعني تفاقم الظروف التي يتواجد فيها: رفض إسرائيلي لنقاش المبادرة العربية، غياب أي ورقة ملزمة في أعقاب عملية أنابوليس، سيطرة حماس في غزة، التي تتقدم نحو نيل الشرعية في أعقاب عملية "الرصاص المصبوب"، كل هذا يعزّز "المعسكر الإيراني"، إزاء اقتصاد مخنوق وزيادة في عدد المستوطنين.

إذا نجح نتنياهو في التغلب على الضغط الأمريكي وعلى مقاطعة أوروبا والدول العربية، فسيطلب إليه أن ينفذ على أرض الواقع "ميراث" أولمرت وتسيبي ليفني وإيهود باراك فقط. وإذا أفلح ليبرمان في تقييد المحكمة العليا في المسائل الأمنية، فإن نتنياهو سيستطيع أن ينهي بناء الجدار الفاصل في مسار يبتر الضفة الغربية. ويستطيع أن يلبي طلب الإتحاد القومي لـ "تبييض" المناطر، بحسب روح اتفاقيات إيهود باراك مع المستوطنين. وهو سيطلق مناقصات للبناء في المستوطنات الواقعة داخل الجدار، فيما الـ "ثلاثي" الذي آمن بأن مسار الجدار هو الحدود المستقبلية لن يكون في مقدوره أن يقول شيئا من المعارضة. وسيمنح تصاعد التذمر في الضفة الغربية ذريعة لنتنياهو للإبقاء على مئات الحواجز التي خنقت الإقتصاد الفلسطيني، فيما يستطيع باراك فقط أن يملأ فاه ماءا.

لقد كانت ردة الفعل على الإنتخابات الإسرائيلية هي دفع المحادثات بين حماس وفتح برعاية مصرية، وذلك لإيجاد عنوان فلسطيني يمكنه مواجهة التنكّر الإسرائيلي المتوقع لعملية أنابوليس، وإزاء طلب ليبرمان الإجهاز على حماس، ما يعني خرق اتفاقية التهدئة الجديدة، إذا ما تحققت. فإذا تحققت المصالحة الفلسطينية، فإن حماس ستتنازل عن تصريحها فيما يتعلق بإقامة منظمة تحرير جديدة حيث ستنضم إلى تلك القائمة – وهي خطوة ستعزز الدعوات لإدخال "المقاومة" من جديد إلى برنامج منظمة التحرير الفلسطينية واشتراط التزامها بالإتفاقيات باحترام إسرائيل لها.

إن غياب عملية سياسية جديّة ستجعل فتح، 16 عاما بعد اتفاقية أوسلو، تعترف بأن قرارها الإستراتيجي اختيار الطريق الدبلوماسي وترك "الكفاح المسلح" قد فشل. ومن هنا فإن الطريق قصير لسيطرة الأجندة الحماسية على منظمة التحرير الفلسطينية، المعروفة كممثل الشعب الفلسطيني الشرعي والوحيد. وهكذا، فإننا سنشهد نتنياهو وليبرمان يجريان مفاوضات مع منظمة تحرير فلسطينية ذات مواقف حماسية، وذلك بسبب الضغط الدولي الذي سيمارس على إسرائيل لدفع حل الدولتين للشعبين. يمكننا تخمين أن لا أحد منهما يرغب في بحث بديل عن دولة واحدة بين البحر و(نهر) الأردن، لأن دولة كهذه، التي سيكون معظم مواطنيها من الفلسطينيين، فإن "قانون المواطنة" لليبرمان سيعمل ضدنا كما البوميرانغ.

ألكاتب هو عضو إدارة المجلس للسلام والأمن ومن المبادرين لاتفاق جنيف.




التعليقات