"خطة فصل القدس"

كتبت عميرا هس في صحيفة هآرتس اليوم:

"منحت أوروبا والولايات المتحدة علامة جيدة لإسرائيل، لأن الأخيرة قدمت تسهيلات في عبور الحواجز في يوم إنتخابات رئاسة السلطة الفلسطينية وسمحت لسكان القدس الشرقية بالتصويت. ويتحدث الناطقون بلسانهم عن شباك الفرص الذي فتح مع إنتخاب محمود عباس (أبو مازن) رئيساً للسلطة.

ويعيش في البلاد ممثلون لتلك الدول بكثافة تتيح لهم الوقوف عن كثب على عمق التغييرات التي تجريها إسرائيل في جغرافية المناطق المحتلة وفي النسيج الإجتماعي الطبيعي للفلسطينيين. ويعرفون أنه لا توجد أهمية فعلية لتسهيلات معينة في يوم ما على هذا الحاجز أو ذاك، وفي باقي أيام السنة "يتطور" أسلوب الحواجز. ويعرفون أن فك الإرتباط من قطاع غزة والذي يرافقه تعميق السيطرة الإسرائيلية على الضفة الغربية المحتلة ليس خطوة باتجاه السلام.

وعليهم أن يدركوا أن منح الفلسطينيين الحق في المشاركة في العملية الإنتخابية لرئاسة السلطة الفلسطينية ليس أكثر من إجراء شكلي، ففي الوقت نفسه يتم مصادرة، بقرار سري من حكومة إسرائيل، الأراضي الخاصة بالفلسطينيين سكان الضفة الغربية، والتي تشتمل عليها المناطق التي ضمتها إسرائيل عام 1967، كما كشف ذلك قبل أسبوع ميرون ريبوبورت في صحيفة هآرتس.

وتواصل إسرائيل، بشكل منهجي ينم عن وجود خطة منظمة ومعروفة، المضي في الطريق الذي بدأ منذ أكثر من عقد: السعي نحو فصل القدس الفلسطينية، القدس الشرقية، عن الضفة الغربية بضواحيها المختلفة والقرى المحيطة بها والتي ضمت مثلها إلى إسرائيل، بواسطة سحب حق الفلسطينيين في حرية التنقل وبواسطة سحب حقوق المواطنة لسكان القدس (الشرقية).

وحتى تموز/يوليو 2005 ، تنوي إسرائيل مواصلة إستكمال العملية، وليس فقط بوسائل مادية مثل بناء جدار وسياج وحواجز تتوسط الحارات والبيوت وتفصل فصلاً إصطناعياً، لكنه نهائي، بين القدس والضفة الغربية، وإنما بواسطة أنظمة بيروقراطية أيضاً. فبعد تموز/يوليو 2005 لن يسمح للفلسطينيين سكان القدس بالدخول إلى رام الله. وعندها سيستكمل بناء الجدار في القدس ويتحول حاجز قلنديا إلى ما يشبه الـ"معبر حدودي" (بالرغم من بعده عن الخط الأخضر). ومن يرغب بالدخول إلى رام الله عليه أن يتقدم بطلب تصريح، كما اتضح في الأيام الأخيرة.

صحيح أن هذا ليس جديداً، ففي تشرين الثاني/أوكتوبر 2000 وبموجب أمر من قيادة المركز منع سكان إسرائيل من دخول مناطق A ، بحجة القلق على سلامتهم. ومنذ ذلك الحين وهذا الأمر ساري المفعول. ومبدئياً يسري الأمر على الفلسطينيين سكان القدس، وتم فرضه في الأساس على من أراد الدخول إلى المدن المحاصرة مثل نابلس اليوم وجنين وطولكرم في حينه. ولم يتم فرضه على الداخلين إلى رام الله وبشكل عام مدينة بيت لحم أيضاً. ولهاتين المدينتين بالإضافة إلى مدينة الخليل يوجد روابط عائلية واقتصادية واجتماعية عميقة مع مدينة القدس. ولكن رام الله خاصة وفي السنوات الأخيرة مرتبطة حيوياً بالقدس، فهم يعملون في مكاتب السلطة وفي المنظمات غير الحكومية وفي القطاع الخاص. وكثيرون يعيشون حياتهم بين رام الله والقدس.

ويجري العمل على سياسة الفصل هذه على قدم وساق، مثلما يجري تنفيذ سياسة تقطيع الضفة إلى مناطق معزولة. ويتم ذلك بطرح ذرائع أمنية لإجراء تغييرات جغرافية بعيدة المدى وفرض أنظمة بيروقراطية مقيدة جديدة، يضيفون أنظمة "ديناصورية"، ولا يطبقونها فوراً وبشكل جارف، يخلقون الإنطباع أن الحديث عن خطوة معاكسة، ويحولون الأنظار عنها، وعندما يرون أنه لا يوجد ردود فعل حادة يتقدمون إلى الأمام فيفرضون هذه الأنظمة على مجموعة أخرى في أماكن أخرى.

وتعلمنا التجارب، أن "طلب التصريح بالدخول" ليس بالبساطة التي يبدو عليها، فالطلب لا يعني الموافقة التلقائية، فهو يعني محاولات الأمن العام (الشاباك) تجنيد متعاونين مقابل منح التصريح، وانتظار الجواب أياماً وأسابيع، وهدر الوقت في الدور والمكالمات، وثم سماع أنه لم يصرح لك بالدخول إلى رام الله لأنك لم تثبت أن الحاجة للتصريح حيوية. علاوة على الإذلال بمجرد الحاجة إلى طلب تصريح إسرائيلي لأكثر الفعاليات طبيعية في العالم مثل زيارة الأخت أو الأصدقاء أو الذهاب إلى العمل أو الطبيب، أو شراء خضراوات رخيصة من السوق، أو البحث عن كتاب في مكتبة، أو الإستماع إلى محمود درويش يقرأ قصائده في مبنى الثقافة.

وتعلمنا التجارب، أن الإذلال والصعوبة في تلقي التصاريح تقلل من عدد المتوجهين. ومن الممكن أن تبتعد رام الله عن القدس تدريجياً، مثلما لم تعد تسمع لهجة القدس في شوارع نابلس وجنين. أو على العكس من ذلك، كثيرون من سكان القدس لن يتمكنوا من التنازل عن علاقاتهم مع رام الله، وعندها سيقومون بما تتمناه، ليس علانية، حكومات إسرائيل المتعاقبة، وهو التنازل عن مواطنتهم في القدس".

التعليقات