"دولة غير طبيعية"

-

من الذي رفع شكوى إلى مجلس الأمن ضد حكومة حماس في غزة، بسبب إطلاق صواريخ القسام؟ إنها حكومة إسرائيل.

وعندما التأم مجلس الأمن للبحث في مواجهات غزة، من الذي عارض إرسال وزيرة خارجيته إلى الأمم المتحدة، حتى "لا تمنح شرعية لتدخل مجلس الأمن في العملية (العسكرية) ضد حماس"؟ ومن الذي ترك الحلبة الدولية الأهم لسفيرها في الأمم المتحدة، في حين أغرق الفلسطينيون والعرب البناية في بعثات عالية المستوى؟ إنها حكومة إسرائيل.

ومن الذي طالب في كل لقاء سياسي واتصال دبلوماسي بأن يفرض مجلس الأمن عقوبات على إيران بسبب برنامجها النووي، وكذلك فرض عقوبات على سوريا بسبب تهريب الأسلحة إلى حزب الله، وبعدها اتهم إيران وسوريا بأنهما تتجاهلان قرارات الأمم المتحدة؟ إنها إسرائيل مرة أخرى.

وعندما اتخذ المجلس ذاته، خلافا لرأي إسرائيل، القرار رقم 1860، والذي دعا إلى وقف لإطلاق النار في غزة، فمن الذي أعلن أنه لن يقبل به ومضى في القتال؟ إنها بالطبع إسرائيل.

كان من الممكن أن نضحك، لولا أن الحديث يدور عن شؤون قومية مهمة: إسرائيل تشتكي إلى الأمم المتحدة ضد حكومة حماس، وتدّعي في الغداة أن حماس لا تستحق الإعتراف بها وأنّه لا يحقّ لمجلس الأمن أن يبحث أمر النزاع معها. هنالك من ارتبك في القدس. أو لم يرتبك: تريد إسرائيل للمجتمع الدولي أن يحميها من حماس، ومن سوريا وإيران، لكن أن لا يزعج جيش الدفاع ليضرب بكل قوته في غزة. والمشكلة هنا، هي أن المجتمع الدولي يرفض برنامج العمل الإسرائيلي هذا ويرغب في التدخل حتى عندما يزعج هذا إسرائيل.

وكما هي العادة عندنا، فإن البحث في السياسة الخارجية يتأثر بالخصومة السياسية. حيث أن أولمرت وباراك يدحرجان المسؤولية عن الهزيمة السياسية في الأمم المتحدة على ليفني ووزارة الخارجية. فيما تدافع ليفني بادعاء انها حذرتهما مسبقا من القرار المتوقع، وان رئيس الحكومة هو من منعها من السفر للمشاركة في النقاش (في مجلس الأمن). لقد أمل أولمرت بأن صداقته الشخصية مع ساركوزي وبوش ستمكّنه من إحباط القرار في مجلس الأمن، لكن صاحبيه خيّبا أمله إذ فضّلا دعم وزيري خارجيتيهما. فلم يرجئ ساركوزي النقاش، فيما لم يفرض بوش الفيتو على القرار.

يتأثر السلوك الإشكالي الإسرائيلي في الأمم المتحدة، دون شك، من الخصومة في قيادة الدولة، لكنه يعكس مشكلة أعمق. حيث لم تفرر إسرائيل بعد إذا كانت ترغب في أن تصبح عضوا طبيعيا في المجتمع الدولي، وأن تدفع ثمن هذه "الطبيعية"، أو أن تظلّ وحيدة في الخارج. بدأت هذه الحيرة منذ قيام الدولة تقريبا واستمرت منذها. هنالك ميل طبيعي لدى السياسيين الإسرائيليين بأن يروا إلى الأمم المتحدة ومؤسساتها "صحراء"، كما كان قال دافيد بن غوريون. منظمة معادية، تسيطر فيها غالبية معارضة لإسرائيل، حيث لا ينقذنا من أيادي هؤلاء سوى الفيتو الأمريكي.

حاولت إسرائيل في السنوات الأخيرة تليين توجّهها وتطبيع علاقاتها مع المنظمة الدولية. وقد تفاخرت وزارة الخارجية بإشراك إسرائيليين في مؤسسات الأمم المتحدة وفي القرارات التي بادرت إسرائيل لها في الجمعية العمومية. فقد اعتبر مجلس الأمن أنه جهة ذات قيمة في الصراع مع إيران وحزب الله، وحتى في المفاوضات مع الفلسطينيين. وقد تفاخرت ليفني، قبل أسبوعين فقط، بالقرار 1850، المؤيّد لمسار أنابوليس ودعت إلى المضي في مباحثات التسوية الدائمة. وقد تمّ عرض قرار مجلس الأمن أياما قبل الحرب في غزة كوسيلة تعزّز كاديما كحزب مفاوضات وسلام إزاء رفض بنيامين نتنياهو والليكود.

لكن عندها حلّت الأزمة، وعادت إسرائيل إلى موقفها القديم والرافض. واضطرت مرة أخرى لأن تستجير بأمريكا لإنقاذها، وخرجت مهانة. علما أنهم في القدس حاولوا أن يخففوا من الإنطباع فزعموا أن القرار ليس سيئا إلى هذه الدرجة. إذا كان الأمر كذلك، فلماذا أهينت إسرائيل في محاولتها الفاشلة لمنع اتخاذ القرار؟ ألم يكن الأفضل إرسال وزيرة الخارجية إلى نيويورك، من أجل إظهار مشاركة واهتمام، وللتحدّث عن القرار بلهجة إيجابية بعد اتخاذه؟

سيدخل بعد ثمانية ايام رئيس جديد إلى البيت الأبيض، وهو ملتزم بتعزيز تأثير المؤسسات الدولية. لن يسارع باراك أوباما لفرض الفيتو من أجل إسرائيل. والأجدى لإسرائيل أن تنضمّ إلى هذا المسار، وليس أن تظهر كالولد الأزعر في المجتمع الدولي.


التعليقات