"ليبرمان ليس دوبرمان"

-

إن منظر وأسلوب أفيغدور ليبرمان يجعلان الكثيرين يخطئون فيصنّفون "إسرائيل بيتنا" برئاسة ليبرمان على أنه حزب يتموقع إلى يمين الليكود. وهنالك من يرى إلى ليبرمان كأنه يرى (كلب) دوبرمان أمام ناظريه. وتستغل دعايته الإنتخابية صورته هذه وتزعم أن ليبرمان وحده من (يفهم العرب) يتكلّم العربية. لكن تحليلا أعمق يبرهن أن هذا ليس صحيحا. وعلى من يبغي التصويت لقائمة يمينية حقا أن يتوخى الحذر وأن لا يقع في شرك ليبرمان، فهو ليس دوبرمان.

يكرّر ليبرمان أنه يقترح مبادلة أراض، في جميع أرجاء البلاد، بما فيها القدس. وتتطرق اقتراحاته إلى تحويل أراض مأهولة، بسكانها وبيوتها، لمن؟ من يقترح تبادل أراض عليه أن يهتم أولا في إيجاد من يمكنه تبادل الأرض معه، أو بكلمات أخرى، إقامة دولة فلسطينية في قلب أرض صهيون وفي القدس، وتبادل الأرض معها بعد إقامتها. فقل منذ الآن: إن ليبرمان يؤيد إقامة دولة فلسطينية. ومن هذه الناحية فهو يتموقع إلى يسار الليكود، علما أنه لا يعلن عن رغبته بدولة كهذه، إلا أنه للأسف الشديد، لا يرفض إقامتها.

لا يبذل رجالات الإعلام "المحقّق" أي جهد من أجل التعمّق في فحص الموضوع، ويقرّرون أن خطة ليبرمان تعني ترحيلا "ترانسفير"، في حين أنها ليست كذلك. فليبرمان لا يقترح طرد العرب من بيوتهم وإنما تحويلهم مع بيوتهم. واقتراحه من هذه الناحية أكثر إنسانية من الترانسفير الذي نفذه أريئيل شارون بالمواطنين اليهود في قطاع غزة وشمالي الشومرون (الضفة الغربية) وفي ظل ابتهاج الإعلام ذاته الذي يتجاهل حقوق الإنسان عندما يتعلق الأمر باليهود. ولأجل التوضيح: فإن الموقع أدناه صرّح اكثر من مرّة عن رأيه بأن الترانسفير هو ترانسفير وأنه مرفوض سواء كان لليهود أو للعرب.

كما أن ليبرمان إلى يسار الليكود في مفهوم آخر. فقد شغل لأكثر من سنة منصب وزير ((لا حاجة له) في حكومة إيهود أولمرت، وبهذا فقد أتاح لرئيس الحكومة الفاسد والفاشل – بعد حرب لبنان 2006 – أن يتشبث بالكرسي وأن لا يسقط. فقد نجح أولمرت في البقاء برغم تقرير فينوغراد بجزئيه فقط بفضل مشاركة ليبرمان في حكومة أولمرت الفاشلة.

ليبرمان ليس دوبرمان لكنه ليس غبيا. فمع اقتراب انتخابات 2009، وإذ أدرك أن غطاء الدوبرمان يمكن أن يسقط مع صورته اليمينية، فقد عقد معاهدة مع شخص عزيز، رجل أرض إسرائيل حقيقي، د. عوزي لنداو. إن مكان عوزي لنداو الطبيعي هو في حزب الأمل وفي قائمة الوحدة القومية. لكنه للاسف الشديد وقع في إغراء أن يكون ورقة التين، من أجل تضليل الجمهور بإضفاء صبغة يمينية على "إسرائيل بيتنا" (مقارنة بالليكود) في حين أن هذا الحزب هو إلى يسار الليكود.

لقد استخدم ليبرمان في الماضي كـ "عجلة" إنقاذ لحكومة كاديما (أولمرت)، ومن الممكن أن يفعلها ثانية. إنتماؤه إلى معسكر اليمين ليس مؤكّدا، وقد نجده في ظروف معينة في حكومة كاديما (ليفني). ستصعق أحزاب اليسار من فكرة الجلوس مع داعية لترانسفير كليبرمان في حكومة واحدة، ولكنها سترضى إذا كان الأمر سيساعد في ترحيل يهود. فالغاية تبرر الوسيلة.

لقد لاحظ شلومو تسزنا، وهو محلل سياسي عريق، تطوّرا محتملا من هذا النوع، فكتب في "إسرائيل اليوم" (19/01/09): "هنالك خشية أن يختار ليبرمان، الذي يبدو كيميني صريح، الإنضمام إلى تسيبي ليفني ( حتى لو أن الليكود فاز) فيقود إلى حكومة يسار مع معسكر العمل – ميرتس. حيث أن كثيرين في "إسرائيل بيتنا زعموا أن حزبهم لا يلتزم بالذهاب مع الليكود بعد الإنتخابات".

عليه، فإن الإستنتاج أن من يمنح صوته لليبرمان قد يكتشف أنه ساعد - بعكس رغبته – في إقامة حكومة برئاسة ليفني، أو بكلمات أخرى: بدل دوبرمان نحصل على (كلب) من نوع فودل، فودل ليفني.

لقد تم شطف عقول الناخبين في إسرائيل على مدى سنين بالإدّعاء الكاذب وكأن السلام يستلزم إقامة دولة فلسطينية إلى غرب الأردن. عمليا فإن دولة فلسطينية وسلاما هما الأمر وعكسه، فلا يمكن بلوغهما في الآن ذاته. على الجمهور الواعي والمتفهّم أن يقرّر شكل تصويته ليس بحسب الصورة (دوبرمان)، وإنما بحسب الجوهر: أي حزب يرفض بالفعل إقامة دولة فلسطينية في قلب أرض إسرائيل الغربية.

التعليقات