كشفت صحيفة "نيويورك تايمز" الأميركية أنه في الوقت الذي ضخت فيه الولايات المتحدة مليارات الدولارات على البرامج العسكرية الخارجية وحملات مكافحة "الإرهاب"،عملت مجموعة صغيرة من المنظمات الممولة من قبل الحكومة الأميركية بالترويج للديمقراطية في الدول العربية التي تحكمها أنظمة "استبدادية".
وذكرت الصحيفة أن المسؤولين الأميركيين يرون أن الحملات الأميركية لبناء الديمقراطية لعبت دوراً في إثارة الاحتجاجات القائمة في بعض الدول العربية أكبر مما كان يعتقد سابقاً، فيما دُرِّب قادة بارزون للتحركات من قبل الأميركيين.
وأشارت أن هذه القيادات الهامة للتحركات درّبها الأميركيون على كيفية شن الحملات والتنظيم من خلال وسائل الإعلام الجديدة، ومراقبة الانتخابات.
ونقلت عن برقيات دبلوماسية أميركية سرية سرّبها موقع "ويكيليكس"، وأشخاص أجرت الصحيفة مقابلات معهم أن عدداً من المجموعات والأشخاص الضالعين مباشرة في الثورات والإصلاحات في المنطقة، بينها "حركة شباب 6 أبريل" في مصر، ومركز حقوق الإنسان في البحرين، وناشطين شعبيين مثل انتصار قاضي، الزعيمة الشبابية في اليمن، تلقوا تدريباً وتمويلاً من مجموعات مثل "المعهد الجمهوري الدولي"، و"المعهد الديمقراطي الوطني" والمنظمة الحقوقية غير الربحية المتمركزة في واشنطن "بيت الحرية".
وأشارت البرقيات إلى أن عمل هذه المجموعات أثار غالباً التوترات بين الولايات المتحدة وكثير من زعماء الشرق الأوسط الذين اشتكوا تكراراً من أنه يجري تقويض زعامتهم.
وذكرت الصحيفة أن المعهدين الديمقراطي والجمهوري منبثقان عن الحزبين الديمقراطي والجمهوري في أميركا، فيما تتلقى منظمة "بيت الحرية" الجزء الأكبر من تمويلاتها من الحكومة الأميركية، وغالباً من وزارة الخارجية.
ويقول بعض قادة الشرق الأوسط، إنه لا شك أن الانتفاضات العربية محلية النشأة، وليست ناجمة عن "تأثير خارجي".
وقال المدير التنفيذ "لمشروع الديمقراطية في الشرق الأوسط" ستيفين ماكينيرنري "لم نمولهم لبدء الاحتجاجات، لكننا قد نكون دعمنا تنمية مهاراتهم واستخدام شبكات الاتصال.. قد يكون هذا التدريب لعب دوراً في النهاية بما حصل، لكنها كانت ثورتهم. لم نبدأها نحن".
وأشارت الصحيفة إلى أن بعض زعماء الشباب المصريين حضروا اجتماعاً حول التكنولوجيا في العام 2008 بنيويورك، حيث تعلموا كيفية استخدام شبكات التواصل الاجتماعي وتقنيات الهاتف النقال للترويج للديمقراطية.
وكان موقع التواصل الاجتماعي "فيسبوك"، ومحرك البحث "غوغل" وشبكة "ام تي في" ووزارة الخارجية الأميركية من بين الراعين لهذا الاجتماع.
وقال باسم فتحي، أحد المؤسسين لحركة الشباب في مصر، "تعلمنا كيفية تنظيم وبناء التحالفات.. هذا بالتأكيد ساعد خلال الثورة".
وقالت الناشطة الشابة اليمنية انتصار قاضي، التي شاركت في جلسات تدريب نظمت في اليمن "ساعدتني كثيراً لأنني كنت أظن أن التغيير يحصل فقط بالقوة والسلاح"، لكنها أضافت أنه من الواضح الآن أن النتائج يمكن أن تتحقق عبر الاحتجاجات السلمية ووسائل أخرى بعيدة عن العنف.
لكن الصحيفة أشارت إلى أن بعض أعضاء مجموعات الناشطين اشتكوا خلال مقابلات أجريت معهم إن الولايات المتحدة كانت ممنافقة في مساعدتها لهم إذ أنها كانت في الوقت عينه تدعم الحكومات التي يسعون لتغييرها.
وقال فتحي، "في الوقت الذي نقدّر فيه التدريب الذي تلقيناه عبر المنظمات غير الحكومية المرعية من قبل الحكومة الأميركية، وهي قد تكون ساعدتنا في كفاحاتنا، لكننا على علم ايضاً بأن الحكومة نفسها دربت كذلك وكالات التحقيق الأمنية التبعة للدولة المسؤولة عن مضايقة وسجن كثير منا".
وأشارت الصحيفة إلى أن مقابلات مع مسؤولين في المجموعات غير الحكومية وبرقيات مسربة لويكيليكس تظهر أن البرامج الديمقراطية كانت مصادر ثابتة للتوتر بين الولايات المتحدة وكثير من الحكومات العربية.
وأظهرت المراسلات الدبلوماسية كيف أن المسؤولين الأميركيين أكدوا مراراً للحكومات المرتابة في المنطقة بأن التدريب هدف إلى الإصلاح وليس إلى الترويج للثورات.
ولفتت الصحيفة إلى أنه على سبيل المثال، فقد منعت السلطات البحرينية، العام الفائت، قبل أشهر من الانتخابات الوطنية في البلاد، ممثلاً "للمعهد الديمقراطي الوطني" الأميركي من الدخول إلى البحرين.
وقد أظهرت برقية مؤرخة في كانون الثاني/يناير 2019 أن المسؤولين في البحرين قلقون من أن التدريب السياسي للمجموعة "يفيد بشكل غير متناسب المعارضة".
وفي اليمن، حيث أنفقت الولايات المتحدة ملايين الدولارات على برنامج مكافحة "الإرهاب"، اشتكى المسؤولون من أن الجهود الأميركية بالترويج للديمقراطية ارتقت إلى حد "التدخل في الشؤون الداخلية" للبلاد.
وأشارت الصحيفة أن معارضة عمل هذه المجموعات الأميركية لقي المعارضة الأقوى في مصر، فقد نظرت الحكومة المصرية التي تتلقى 1.5 مليارات دولار سنوياً من واشنطن، إلى الجهود الرامية إلى تغيير سياسي، بكثير من الاشتباه، وكذلك الغضب.
وذكرت مراسلة دبلوماسية مسربة مؤرخة في تشرين الأول/أكتوبر 2007، أن الرئيس المصري حينها حسني مبارك كان "يشك بعمق بدور الولايات المتحدة في الترويج للديمقراطية".
ووصفت مراسلة أخرى في تشرين الأول/أكتوبر 2008 ، أن ابن الرئيس المصري السابق، جمال مبارك، بالمنفعل بشأن التمويل الحكومي الأميركي المباشر للمنظمات غير الحكومية المصرية.
وأشارت الصحيفة إلى ان الحكومة المصرية كانت طلبت أيضاً من مجموعات مثل "بيت الحرية" وقف العمل مع الناشطين السياسيين المحليين ومجموعات حقوق الإنسان.
التعليقات