19/03/2017 - 13:26

مدن النسيان: واقع وهمي يعيد إلى حياة

كأنها قلاع معزولة عن العالم الخارجي، لكنها في الواقع حياة "مصنوعة" تماثل نظيرتها اليومية للإنسان الطبيعي لإبقاء مرضى "الزهايمر" على قيد الحياة.

مدن النسيان: واقع وهمي يعيد إلى حياة

(pixabay)

كأنها قلاع معزولة عن العالم الخارجي، لكنها في الواقع حياة "مصنوعة" تماثل نظيرتها اليومية للإنسان الطبيعي، من مبان حديثة ومطاعم ومتاجر وصالونات تزيين وحدائق، وشوارع للمارة والسيارات، وجميعها خدمات تهدف لإبقاء مرضى "الزهايمر" على قيد الحياة داخل ما تسمى "مدن النسيان" أو "قرى الزهايمر".

وحتى الآن، يوجد في العالم مدينة واحدة يتميز كل سكانها بأنهم من مرضى "الزهايمر"، المرض الذي ينشأ بسب ضمور في خلايا المخ السليمة، ويؤدي إلى تراجع مستمر في الذاكرة وفي القدرات العقلية، وتقع في هولندا، على بعد 20 كيلومترًا من العاصمة أمستردام.

لكن، بحلول العام 2019، من المنتظر أن تكون انتهت كل من الدنمارك وفرنسا من إنشاء مدنهما الخاصة بهؤلاء المرضى.

وبحسب موقع "أودينسي" الدنماركي، من المقرر أن تفتتح الدنمارك في العام 2018، "مدينة الحياة" المعدة لاستقبال 300 من مرضى الزهايمر، للحياة بشكل طبيعي داخل أسوارها مُحكمة التأمين.

ووفقًا لمؤسسة الزهايمر، منظمة طبية أميركية تختص بأبحاث هذا المرض، يتسبب الزهايمر في موت شخص من بين كل 3 مصابين، كما أنه من المنتظر أن يكلف هذا المرض العالم بحلول العام 2050 ما يزيد عن تريليون دولار.

وخلال العام الحالي، ستنفق الدول قرابة 259 بليون دولار على أبحاث الزهايمر، وسبل الرعاية والعلاج، بحسب المؤسسة نفسها.

العودة للحياة القديمة

في جنوب غربي فرنسا، وتحديدًا في مدينة "داكس"، سيكون هناك فرصة في العام 2019 لـ120 مريضا بالزهايمر للتمتع بحياة طبيعية تشتمل على كل الاحتياجات اليومية ووسائل الترفيه.

"مدينة الزهايمر" في فرنسا مشروع سيتم البدء في تنفيذه خلال صيف العام الجاري، بالتعاون بين المجلس الإداري لإقليم "لاند"، ووكالة الصحة المحلية.

وقال عمدة مدينة "داكس" السابق، غابريل بيللوك، المسؤول عن ملف إنشاء المدينة، إنه تم التفكير في تأسيسها اقتداء بكل من هولندا والدنمارك.

وأضاف أن طاقم تمريض مدينة "الزهايمر الفرنسية" وعلى غرار التجربة الهولندية في هذا الشأن، لن يرتدي الملابس البيضاء، بل يتكون من أشخاص متطوعين وأطباء عاملين يظهرون بزي اعتيادي لأي شخص يسير في شوارع المدينة، بهدف توفير أكبر قدر من الانسجام بين طبيعة المشروع والهدف منه.

وتابع عمدة "داكس" السابق، لصحيفة "لوباريزيان" الفرنسية في آذار/ مارس الجاري: "نريد أن يشعر المرضى أنهم يعيشون حياة طبيعية، كأنهم في منازلهم الخاصة وحياتهم اليومية القديمة التي اعتادوا عليها قبل أن يُصابوا بالزهايمر".

ممرات المدينة وشققها لن تغطيها روائح المنظفات ولا المطهرات، كما أنه لن يتم تحديد ساعات زيارة المرضى، وذلك سعيًا للتخلص من الشكل النمطي لمراكز العلاج والمستشفيات، بحسب بيللوك.

وستشهد المدينة الفرنسية لمرضى الزهايمر، تخصيص مكان تتميز مبانيه بأنها تقليدية حجرية ذات طابع تاريخي، لكنها في المقابل ستكون مزودة بأعلى قدر من الحماية لمنع هروب المرضى.

وحول تكلفة الإقامة في "مدينة الزهايمر"، قال عمدة "داكس" السابق، إنها "لن تزيد عن 60 يورو لليوم الواحد، نحن نريد أن يكون هذا المكان في متناول جميع فئات السكان".

ومن المتوقع أن يتكلف بناء هذا المشروع قرابة 24 مليون يورو، بمدينة تشغيل سنوي للمدينة قد تصل إلى 7 ملايين يورو، بحسب "بيللوك".

من جهتها، اعتبرت رئيسة جمعية فرنسا للزهايمر، فرنسواز ديريس، في إقليم "لاند"، المدينة المنتظرة بأنها ستكون فرصة للمُضي قدمًا في بحوث مرض الزهايمر عن طريق الممارسات العلاجية المبتكرة.

وأضافت في حديث لصحيفة "لوبوان" الفرنسية، في 15 من آذار/ مارس الجاري، أن "الباحثين يربطون حاليًا بين فعالية الرعاية الجيدة ومكافحة آثار مرض الزهايمر، وهو ما أكدته التجربة في هولندا، والتي أعلن القائمون عليها أنها كانت سببًا في ارتفاع متوسط العمر المتوقع للمرضى".

الواقع الوهمي

وفي عام 2009، أنشأت هولندا، مدينة "هوغيوي" لمرضى الزهايمر، تستقبل 152 شخصا يعانون منه، ويعيشون حياة يومية طبيعية؛ حيث التسوق، والذهاب للتنزه والمسارح، ولقاء الأصدقاء، وركوب الحافلات، ووسط عناية طبية ورقابة مستمرة يقوم بها فريق من الأطباء والممرضين والمتطوعين، الذين يرتدون جميعهم ملابس اعتيادية.

مدينة "هوغيوي" الهولندية، تم بناؤها على مساحة أربعة أفدنة، وصلت تكلفتها إلى 19.3 مليون يورو، تكفلت الحكومة بالجزء الأكبر وقدره 17.8 مليون يورو، في حين تحملت المنظمات المحلية الباقي.

ويعمل في المدينة 250 موظفا من أجل إرساء الواقع الوهمي الذي يساعد مريض الزهايمر على التعايش مع وضعه، وبالتالي تقليل نسبة الاكتئاب وزيادة متوسط عمر المريض.

وفي تقرير لصحيفة "ديلي ميل" البريطانية عام 2012، تم الإشارة إلى ذلك "الواقع الوهمي" الذي توفره مدن الزهايمر، بالقول إنه "الواقع الذين يريح المريض، وبالتالي تم إصدار معلومات للموظفين في تلك المدينة الهولندية تلزمهم بعدم تصحيح أي معلومة يقولها المريض النزيل، أو الحديث معه عن أية ذكريات أو حقائق تاريخية".

وينوه موقع "غيزمودو" الأميركي في تقرير له عام 2014، إلى أن تكلفة الإقامة الشهرية في مدينة "هوغيوي"، تبلغ 5 آلاف يورو، توفر للمريض نمط حياة اعتيادي وتقليدي مثل الذي كان يعيشه قبل قدومه إلى المدينة، وذلك بدءًا من طبيعة أثاث الشقق، حتى الفضّيات والديكور.

يشار إلى أن التفكير في إنشاء مدينة خاصة بمرضى الزهايمر بدأ عام 1993عندما قرر عدد من الممرضين الذين فقدوا أحد أفراد عائلتهم بسبب هذا المرض، في تأسيس منازل رعاية تفاعلية، تطوّر من أساليب المستشفيات وتقوم على تبادل الأفكار بين المريض والمسؤولين عن رعايته.

ووفقا لمنظمة الصحة العالمية هناك 47.5 مليون شخص يعانون من الزهايمر حول العالم، وتصل الزيادة السنوية إلى 7.7 مليون حالة جديدة كل عام.

التعليقات