ندرة الماء: إلى أين يتّجه العالم؟

على الرغم من الوفرة الواضحة للمياه على الأرض، إلّا أنّ المياه العذبة مورد محدود، وتشكّل ندرة المياه مصدر قلق متزايد، ووتتوقّع الأمم المتّحدة أنّه بحلول عام 2025، سيعيش 1.8 مليار شخص في مناطق تعاني من ندرة مطلقة في المياه

ندرة الماء: إلى أين يتّجه العالم؟

(Getty)

يعدّ هدر المياه أزمة عالميّة لها آثار بعيدة المدى على البيئة والاقتصاد ورفاهية الإنسان، حيث تسلّط إحصائيّات ودراسات عديدة الضوء على الحاجة الملحّة لاتّخاذ إجراءات سريعة، خاصّة مع استمرار نموّ سكّان العالم وتغيّر المناخ الّذي يعطّل أنماط المياه التقليديّة، إذ أصبحت الإدارة المسؤولة للمياه أكثر أهمّيّة من أيّ وقت مضى، لضمان بقاء هذا المورد الثمين متاحًا للأجيال القادمة.

والماء، الّذي يطلق عليه غالبًا "الذهب الأزرق"، هو أحد أغلى الموارد على كوكب الأرض، فهو يحافظ على الحياة، ويحرّك الاقتصادات، ويشكّل النظم البيئيّة، ومع ذلك، يواجه العالم حاليًّا تحدّيًا خطيرًا: هدر المياه. مع نموّ سكّان العالم وتغيّر أنماط الاستهلاك، حيث أصبح الاستخدام الفعّال للمياه مصدر قلق ملح.

ووفقًا لمنظّمة الصحّة العالميّة (WHO) والأمم المتّحدة (UN)، فإنّ ما يقرب من 2.2 مليار شخص في جميع أنحاء العالم لا يحصلون على مياه الشرب النظيفة والآمنة، بالإضافة إلى ذلك، يفتقر حوالي 4.2 مليار شخص، أي أكثر من نصف سكّان العالم، إلى خدمات الصرف الصحّيّ الآمنة، وتؤكّد هذه الأرقام التفاوتات الصارخة في توافر المياه وتسلّط الضوء على الحاجة الملحّة لإدارة المياه بكفاءة.

ويمكن تعريف هدر المياه على نطاق واسع على أنّه الاستخدام غير الفعّال أو سوء الاستخدام أو الاستهلاك المفرط للموارد المائيّة، وهو يشمل مختلف الأنشطة والممارسات الّتي تؤدّي إلى إهدار هذا المورد الّذي لا يقدّر بثمن، من خلال طرق عديدة، مثل البنية التحتيّة المتسرّبة، حيث يؤدّي تقادم أنظمة إمدادات المياه وسوء صيانتها إلى فقدان كبير للمياه من خلال التسرّبات والتمزّقات في خطوط الأنابيب، والإفراط في الريّ الزراعيّ، والذي يعتبر ممارسة سائدة، حيث يتمّ استخدام المياه بشكل مفرط في الحقول، ممّا يؤدّي إلى جريان المياه وتآكل التربة، وكذلك الاستخدام المنزليّ غير الفعّال، من خلال أنشطة يوميّة مثل ترك الصنابير مفتوحة، أو الاستحمام لفترة طويلة، أو عدم إصلاح التسريبات تساهم على الفور في هدر المياه السكنيّة، واستخدام كميّات زائدة من المياه للتبريد في العمليّات الصناعيّة، وغالبًا ما تتمّ هذه العمليّات دون إعادة تدوير أو معالجة فعّالة.

وتعتبر الزراعة أكبر مستهلك لموارد المياه العذبة على مستوى العالم، حيث تمثّل حوالي 70% من إجماليّ عمليّات سحب المياه العذبة، ومع ذلك، تؤدّي طرق الريّ غير الفعّالة إلى هدر كمّيّات كبيرة من المياه، وتشير تقديرات منظّمة الأغذية والزراعة (الفاو) إلى أنّ 60% من المياه المستخدمة للريّ في جميع أنحاء العالم تهدر بسبب عدم الكفاءة.

وفي الولايات المتّحدة، تعتبر البنية التحتيّة للمياه القديمة مصدر قلق كبير، ووفقًا للجمعيّة الأمريكيّة للمهندسين المدنيّين (ASCE)، تفقد الولايات المتّحدة ما يقدّر بنحو 6 مليارات جالون من المياه المعالجة يوميًّا بسبب تسرّب الأنابيب، وفي الولايات المتّحدة أيضًا، يستخدم الشخص العاديّ حوالي 80-100 جالون من الماء يوميًّا للأنشطة المنزليّة، بما في ذلك الاستحمام وتنظيف المراحيض وغسل الأطباق. ومع ذلك، تشير وكالة حماية البيئة (EPA) إلى أنّ أكثر من 10٪ من المنازل بها تسرّبات تهدر 90 جالونًا أو أكثر يوميًّا.

وعلى الرغم من الوفرة الواضحة للمياه على الأرض، إلّا أنّ المياه العذبة مورد محدود، وتشكّل ندرة المياه مصدر قلق متزايد، ووتتوقّع الأمم المتّحدة أنّه بحلول عام 2025، سيعيش 1.8 مليار شخص في مناطق تعاني من ندرة مطلقة في المياه، وقد يواجه ثلثا سكّان العالم ظروفًا تعاني من الإجهاد المائيّ، ويقيس مفهوم البصمة المائيّة إجماليّ كمّيّة المياه العذبة المستخدمة لإنتاج السلع والخدمات الّتي يستهلكها الفرد أو المجتمع، حيث وجدت الأبحاث المنشورة في مجلّة "Environmental Research Letters" أنّ متوسّط ​​البصمة المائيّة للفرد على مستوى العالم زاد بنسبة 18٪ في الفترة من 1996 إلى 2005.

وحسب خبراء، يؤدّي إهدار المياه إلى تفاقم المشاكل البيئيّة، بما في ذلك استنزاف المياه الجوفيّة، وتآكل التربة، وتدهور النظام البيئيّ المائيّ، ويمكن أن يؤدّي أيضًا إلى فقدان التنوّع البيولوجيّ في المسطّحات المائيّة، بالإضافة إلى الخسائر الماليّة الناجمة عن هدر المياه كبيرة، حيث يؤدّي تسرّب البنية التحتيّة والممارسات غير الفعّالة إلى ارتفاع فواتير المياه للمستهلكين وزيادة التكاليف التشغيليّة للصناعات والزراعة، كما يساهم الريّ غير الفعّال في انخفاض الإنتاجيّة الزراعيّة، الأمر الّذي يمكن أن يهدّد الأمن الغذائيّ العالميّ، ومع نموّ سكّان العالم، يزداد الطلب على الغذاء، ممّا يجعل الاستخدام الفعّال للمياه في الزراعة أمرًا بالغ الأهمّيّة، كما يؤدّي عدم كفاية الوصول إلى المياه النظيفة ومرافق الصرف الصحّيّ، والّذي غالبًا ما يتفاقم بسبب هدر المياه، إلى زيادة خطر الإصابة بالأمراض المنقولة بالمياه، ممّا يؤثّر على الصحّة العامّة، وخاصّة في البلدان النامية.

ويمكن أن تؤدي ندرة المياه والنزاعات على الموارد المائيّة إلى صراعات بين المناطق أو الدول، حيث تؤكّد احتماليّة نشوب الصراعات المتعلّقة بالمياه أهمّيّة الإدارة المسؤولة للمياه، وحسب دراسات عديدة، تتطلّب معالجة هدر المياه بذل جهود متضافرة على المستوى الفرديّ والمجتمعيّ والعالميّ، مثل الاستثمار الحكومي في البنية التحتيّة، وتعزيز طرق الريّ الفعّالة، مثل الريّ بالتنقيط والزراعة الدقيقة، كما يمكن لحملات التوعية العامّة والبرامج التعليميّة أن تساعد الأفراد والمجتمعات على فهم أهمّيّة الحفاظ على المياه والحدّ من هدر المياه في المناطق السكنيّة.

التعليقات