"إل نينيو" المدمر... ظاهرة مناخية لا يمكن توقعها

تنهال أمطار غزيرة منذ منتصف آذار/ مارس الجاري على البيرو، متسببة بفيضانات عارمة، أدت بدورها إلى انزلاقات وانهيارات أرضية.

(أ ف ب)

تنهال أمطار غزيرة منذ منتصف آذار/ مارس الجاري على البيرو، متسببة بفيضانات عارمة، أدت بدورها إلى انزلاقات وانهيارات أرضية.

هذه الكوارث المناخية التي ضربت البلد الواقع على ساحل قارة أميركا الجنوبية الغربي، وطالت الإكوادور المجاورة، أسفرت، وفق صحيفة "لا ريبوبليكا" البيروفية، عن انقطاع المياه الصالحة للشرب عن عدد من المدن أهمها العاصمة ليما.

كما نتج عنها حتى الآن مصرع نحو 75 شخصًا، وإصابة 263 آخرين فضلًا عن تعرض قرابة 100 ألف شخص لأضرار مختلفة بسبب الانهيارات الأرضية، بحسب الصحيفة.

في الواقع، لم تكن هذه الكوارث الطبيعية التي تضرب البيرو خلال الأيام الأخيرة مفاجئة، فهذه الظاهرة المناخية المدمرة والتي تسمى "إل نينيو"، تضرب سواحل المحيط الهادئ من وقت لآخر، منذ عام 1925.

حيث تقول صحيفة "لا ريبوبليكا" إن مواطني البيرو يعرفون تلك الظاهرة جيدًا، ففي عام 1925 دمرت مدينة "تروخيو" (شمال العاصمة ليما) بالكامل، ثم عادت وضربت البلاد للمرة الثانية عام 1957.

ويرجع الخبراء نشوء تلك الظاهرة إلى ارتفاع حرارة سطح المياه في المحيط الهادئ عن معدلاتها، وانتقال كتل كبيرة الحجم من غرب مياه المحيط الحارة إلى شرقه، وبالتالي حدوث تغير في درجات الحرارة يصحبه عدد من الاضطرابات.

وجاء استخدام مصطلح "إل نينيو" الذي يعني بالإسبانية "الطفل" نسبة إلى المسيح، بعدما استعمل هذا المصطلح الصيادون على سواحل بيرو والإكوادور، للدلالة على التيار الدافئ في المحيط الهادئ، وما يصحبه من اضطرابات، من بينها الأمطار التي تعرقل رحلات صيدهم.

وهناك ظاهرة مماثلة لـ"إل نينيو" في التأثيرات، ولكن مختلفة عنها في أسباب الحدوث، تسمى "إل نينا"؛ وتحدث نتيجة انخفاض درجات الحرارة عن معدلاتها في المحيط الهادئ.

وتوضح الهيئة العامة للأرصاد وحماية البيئة السعودية أن ظاهرة الـ"إل نينا" توثر غالبًا على المنطقة العربية، وتشير إلى أن "إل نينا" يسفر عنها ارتفاع درجات الحرارة وقلة الأمطار في مناطق المشرق العربي، ولكن يحدث العكس في مناطق المغرب العربي حيث تزداد الأمطار وتنخفض الحرارة عن معدلاتها.

صعوبة التنبؤ

نوه مركز التنبؤ المناخي، وهو هيئة تابعة للمركز الوطني للأرصاد الجوية الأميركي، في شباط/ فبراير المنصرم، إلى إمكانية عودة ظاهرة "إل نينيو" في وقت مبكر من العام الجاري، تحديدًا خلال الفترة من آذار/ مارس إلى أيار/ مايو 2017، بعد انحسارها نهاية العام 2015.

وأشار المركز الوطني للأرصاد حينها إلى أنه في حالة حدوث ذلك، ستكون الظاهرة عادت قبل مرور عامين على انحسارها، مما سيلحق مزيدًا من الأضرار بالمحاصيل الزراعية، ويزيد من فرص اشتعال حرائق الغابات وحدوث الفيضانات.

ورغم هذا التحذير الذي أثبتت الأحداث الأخيرة في البيرو صحته، إلا أن الظاهرة تظل عصية على التنبؤ، ولم يستطع أحد، حتى الآن، التوصل إلى السبب الحقيقي والواضح لنشوء هذه الظاهرة الطبيعية، رغم إجماع الخبراء على أنها تحدث كل 3 سنوات تقريبًا.

وعودة "إل نينيو" بعد عام من انحسارها، يؤيد بدوره ما ورد في تقارير الوكالة الأميركية للمحيطات والغلاف الجوي، حيث تم الإشارة إلى عدم تمكن خبراء الأرصاد من وضع مخطط يظهر التناوب الذي تتكرر فيه "إل نينيو"، وبالتالي بات التنبؤ بها معقدًا للغاية.

من جهتها، تفيد صحيفة "لا ريبوبليكا"، بعدم وجود أي جهة محلية أو دولية يمكنها التنبؤ الدقيق بقرب وقوع الكارثة، بما في ذلك معهد بيرو لرصد الظاهرة، والوكالة الأميركية لرصد المحيطات والغلاف الجوي.

وذكرت الصحيفة أنه "في عام 2014، أصدرت الوكالة الأميركية لرصد المحيطات والغلاف الجوي تحذيرًا لرفع درجة التأهب تحسبًا لوقوع كارثة "إل نينيو"، ولكن شيئًا لم يحدث".

أضرار محتملة

توقع مكتب الأرصاد الجوية الأسترالي، منتصف آذار/ مارس الجاري، أن تتضاعف احتمالية أن تضرب موجة جديدة من ظاهرة "إل نينيو" كلاً من الفلبين وعددًا من دول المحيط الهادئ، بنسبة 50%، وأن تتسبب، في وقت لاحق من العام الحالي، بطقس جاف على تلك المناطق.

ويفسر تقرير للمكتب الأسترالي أسباب ذلك بالقول: "إن 7 من أصل 8 نماذج دولية يتم رصدها بواسطة مكتب الأرصاد الأسترالي، كشفت عن احتمالية عودة الظاهرة خلال العام، وتحديدًا في النصف الثاني منه".

يُشار إلى أن منطقة المحيط الهادئ لم تتعاف بعد كليًا من حدث مناخي مماثل شهدته العام الماضي، بلغت انعكاساته حد التأثير سلبًا على إنتاج الأرز في الفلبين إلى أدنى مستوى له منذ ثلاث سنوات.

وكانت منظمة الأمم المتحدة للأغذية والزراعة (فاو)، حذرت العام الماضي من استمرار تأثير الموجة السابقة للظاهرة حتى أوائل عام 2017، بسبب ما تشهده المنطقة الاستوائية من المحيط الهادئ من ارتفاع في درجة حرارة سطح الماء بحدود درجتين مئويتين.

وهذا الارتفاع الهائل في درجة حرارة المحيط لم يحدث منذ 1998، عندما تسببت الظاهرة في أضخم تطرف مناخي عالمي، أسفر عن مقتل 1500 شخص، كما أثر سلبًا على اقتصاديات بعض الدول، وعرض ملايين الناس إلى الموت جوعًا وعطشًا.

كما شهد العالم ظاهرة "إل نينيو" أخرى خلال العامين 2009 و2010، نتج عنها حدوث جفاف هائل في أستراليا والفلبين والإكوادور، وبالمقابل هطلت الأمطار بكثافة على جنوب شرق آسيا، في الوقت الذي ضربت فيه عواصف ثلجية الولايات المتحدة الأميركية.

التعليقات