أسبوع ثقافيّ فلسطينيّ في تونس: ضرورة أم تكرار بلا تجديد؟

شارة "أسبوع التراث والثقافة الفلسطينيّ" في تونس

انطلقت يوم الإثنين الماضي، 17 تشرين الأوّل (أكتوبر) 2016، فعاليّات 'أسبوع التراث والثقافة الفلسطينيّ' في العاصمة التونسيّة، تحت عنوان 'من تونس إلى فلسطين: المقاومة ثقافة'، حيثُ افتُتِحَت التظاهرة التي دعا إليها ونظّمها كلّ من الاتّحاد العامّ التونسيّ للشّغل، والحملة العالميّة للعودة إلى فلسطين، والملتقى الدوليّ للشباب المناهض للإمبرياليّة والصهيونيّة، في شارع الحبيب بورقيبة.

فنّ وفكر

يتضمّن الأسبوع ثلاث فعاليّات مركزيّةمعرض التراث الفلسطينيّ؛ ويشمل معرضًا للصناعات الحرفيّة التقليديّة، والمطرّزات والأشغال اليدويّة، وعرضَ أفلام وثائقيّة. كما يتضمّن حفلات فنّيّة من التراث الفلسطينيّ لكلّ من فرقة باليستا، والفنّانة الفلسطينيّة منال موسى، وفرق تونسيّة شعبيّة.

وستُعقد خلال الأسبوع ندوة فكريّة تحت عنوان 'ثقافة المقاومة، والمقاومة الثقافيّة'، يشارك فيها كلّ من نجاح واكيم، وأنيس نقّاش، وعمر عسّاف، ونافذ أبو حسنة، وعبد الملك سكّريّة، وسمير الشفّي.

لماذا التراث؟

وعلى سؤال فُسْحَة - ثقافيّة فلسطينيّة: لماذا التّراث؟ أجابت ريما الهمّامي، عضو في الملتقى الدّولي للشّباب المناهض للإمبرياليّة والصّهيونيّة: 'نلاحظ أنّ معظم الوافدين إلى أسبوع الثقافة والتراث الفلسطينيّ هم من فئة الشباب، فالشعب التونسيّ يرتبط ارتباطًا تاريخيًّا قويًّا بالشعب والمسيرة الفلسطينيّين، لا سيّما الشباب الذي يتوق لاكتشاف تفاصيل الهويّة الفلسطينيّة بعدّة طرق، من بينها التعرّف على تراث هذا الشعب، ومن المهمّ أن يتعرّف الشباب التونسيّ على التراث الفلسطينيّ، في الوقت الذي يتعرّض فيه للسرقة من قبل الاحتلال الإسرائيليّ.'

حتّى تظلّ فلسطين حاضرة

تُنَظَّمُ هذه الفعاليّات في الوقت الذي تغيب فيه فلسطين بشكل كبير عن نشرات الأخبار العربيّة، مقارنة مع مراحل سابقة، إذ دخل العالم العربيّ مؤخّرًا في موجة أحداث مضطّربة وعنيفة كانت كفيلة بأن تغيّر اهتماماته وتقلبها رأسًا على عقب، وتحوّل اهتمام المواطنين العرب نحو شؤون بلدانهم الداخليّة. كانت البداية تونس، فلماذا يُنظّم هذا الأسبوع الفلسطينيّ الآن، وفي تونس؟ 

يجيب عبد الملك سكّريّة، أمين سرّ الحملة العالميّة للعودة إلى فلسطين على  هذا السؤال: 'يحاول الاحتلال وشركاؤه تحييد وتغييب القضيّة الفلسطينيّة وإسقاطها من اهتمامات الشعوب العربيّة، عن طريق خلق مشاكل تحلّ محلّ القضايا، وواجبنا في مقاومة هذا المشروع أن نبرز جوانب معيّنة مهمّة تتعلّق بالقضيّة الفلسطينيّة، حتّى تظلّ حاضرةً في أذهان الشعوب العربيّة، من خلال أنشطة مثل أسبوع الثقافة والتراث الفلسطينيّ في تونس.'

بوصلة

ويجيب عن هذه الأسئلة وغيرها أيضًا، أبو محمّد فوّاز، ممثّل لجان العمل في المخيّمات في لبنان: 'بعد أن سرق الإسرائيليّون الحمّص والشال الفلسطينيّ ومنتوجات أخرى من تراثنا، صار لا بدّ من إبراز التراث الفلسطينيّ والمحافظة عليه كشكل أساسيّ من أشكال المقاومة، ونحن نعمل على تثبيت الثقافة والتراث الفلسطينيّ وجهةً وبوصلةً للشعوب العربيّة. لقد بدأنا في تونس، ونخطّط للانتقال إلى الأقطار العربيّة الأخرى، وإلى أوروبا أيضًا.'

الفنّ أقرب للناس

وجدنا هناك أيضًا الفنّان الملتزم منهل الفلسطينيّ، المدير السابق لفرقة العاشقين، ومدير فرقة بلدنا المركزيّة للجبهة الشعبيّة لتحرير فلسطين في لبنان، سألناه: 'هل أصبح الفنّ الملتزم موضة قديمة ولم تعد تجدي نفعًا على مستوى القضيّة الفلسطينيّة؟' فأجاب: 'يعتقد البعض أنّ الفنّ الملتزم يأتي في إطار الترفيه والتنشيط، لكنّ الفنّ، بشكل عامّ، قادر على إيصال رسالتنا، نحن الفلسطينيّين، أكثر من أيّ أداة أخرى.

وأضاف منهل: 'إذا دعوتَ الناس الآن، حتّى المناصرين لك منهم، لندوة سياسيّة، فهم لن يفهموا تمامًا مصطلحك السياسيّ أو اتّجاهك الفكريّ أو الأيديولوجيّ الذي تناقشه معهم. بينما لو قدّمت لهم أغنية شعبيّة مثلًا، أو أغنية تلتزم بمشروعك السياسيّ، فالجميع سوف يتفاعلون معك، فعموم الناس لن يكونوا قادرين على استيعاب مفاهيم وأفكار مثل الراديكاليّة والميتافيزقيّة وغيرها، بينما لو غنّيت لهم على دلعونا، مثلًا، فإنّك حتمًا سوف تكون أقرب إليهم من خلال تفاعلهم الوطنيّ العاطفيّ معك، وهذا تمامًا سبب وجودنا هنا، وسبب استمرارنا، نحن الفنّانين الملتزمين، لا سيّما الفلسطينيّون.'

تكرار وعشوائيّة

فعاليّات الأسبوع الثقافيّ تُقام في شارع الحبيب بورقيبة، وسط العاصمة التونسيّة، وهو الشارع الذي احتوى القسط الأكبر من مشاهد الثورة التونسيّة، وما زال يحتوي أيّ مظاهرة أو اعتصام أو أيّ حراك سياسيّ أو شعبيّ، فمن الطبيعي أن يعجّ شارع بورقيبة بجميع فئات المجتمع التونسيّ، لا سيّما الناشطون السياسيّون، ومن بين الشباب الناشطين هناك، الشابّ التونسيّ نور الزمان العبّاسيّ، يدرس الصحافة والإعلام، دار بينه وفُسْحَة الحوار التالي:

* هل تعتقد أنّ مثل هذه الفعاليّات يفيد القضيّة الفلسطينيّة بأيّ شكل من الأشكال؟ 

- لا، لا أعتقد ذلك، إلّا تحت إطار التعريف العامّ بالقضيّة أو الهويّة الفلسطينيّة. يصعب إيجاد شابّ تونسيّ لا يمتلك الحدّ الأدنى المعقول من المعرفة العامّة حول القضيّة الفلسطينيّة، إلّا إذا كان هناك تعريف خاصّ بجزئيّة معيّنة في القضيّة الفلسطينيّة، كالانقسام الفلسطينيّ مثلًا، أو ما هو أكثر خصوصيّة من ذلك. لذلك، لو أقيم هذا المعرض في دولة أخرى، لكان له أهمّيّة أكبر. الأمر الثاني السلبيّ، هو أنّ مثل هذه الفعاليّات أصبحت مستهلكة، ثمّ إنّها لا تحوي الحدّ الأدنى من الإبداع، فهي تكرّر نفسها منذ أكثر من عشر سنين، فلو استُبدلت الفعاليّة، أو احتوت على عمل مسرحيّ فلسطينيّ معاصر مثلًا، لكان ذلك أفضل. 

* طيّب، هل تستطيع القول إنّ هذه الفعاليّات وصلت إلى حدّ الملل من كمّيّتها أو تكرار طرحها كلّ مرّة؟ 

- إنّ مسألة الملل مرتبطة بالمضمون، ليس بكمّيّة التظاهرات، فإذا فرغت هذه الفعاليّات من العمليّة الإبداعيّة، أو من المحتوى الإبداعيّ ، وكانت طريقة الطرح، أو مكان الطرح، قد اختير بشكل عشوائيّ دون بحث أو تخطيط، وقتها، تصبح هذه الفعاليّات مملّة جدًّا، لا سيّما مع التكرار الاعتباطيّ. 

- إذًا، لماذا كرّرت قدومك إلى مثل هذه الفعاليّات؟ 

- ربّما وجدتُ كتابًا مهمًّا، أو حملت معي ذكرى. 

تُعَدُّ تونس من أكثر الدول اهتمامًا بالقضيّة الفلسطينيّة، ويكاد لا يملّ التونسيّون من الطرح والمشاركة في أيّ فعاليّة فلسطينيّة، بل وإشراك فلسطين وقضيّتها في الفعاليّات التونسيّة الوطنيّة والشعبيّة، فمن منّا تابع الصور التي كانت تصلنا من أحداث الثورة التونسيّة مطلع عام 2011 ولم ينتبه للعلم الفلسطينيّ وهو يرفرف جنبًا إلى جنب مع العلم التونسيّ في سماء تونس؟